أقلام حرة

انطباعات زائر الى العراق

ذلك انها (الصورة) تختزل العراق الى حدث امني وتتحول هذه البلاد الطويلة العريضة الى نقطة مكثفة وصغيرة جدا تتلخص الحياة فيها بتفاصيل هذا الحدث الامني وتداعياته السياسية والنفسية، فيخال من يصغي لوسائل الاعلام لاسيما الفضائيات منها، الى ان العراق مازال ارضا للنار تتقاذفه الشرارات واللهب، وان الحياة فيه ليست اكثر من هدنة مؤقتة يستغلها الناس للتبضع وشراء حاجياتهم الضرورية ويعودون مسرعين من وظائفهم ومكاسبهم ليصبحوا على حدث امني جديد.هذه الصورة الاعلامية للواقع العراقي تجعل زائر العراق متوجسا خائفا قلقا ينتظر وقوع الانفجارويحاول مغادرة الشوارع المكتظة وكانه يستحث مستقبليه في المطار او خارجه للوصول الى مستقره او للابتعاد عن بغداد وشوارعها والتوجه جنوبا نحو المراكز الحضرية المستقرة والامنة، هذه الصورة سرعان ماتتبدد عندما يكتشف الزائر ان الحدث الامني هو الاستثناء في حياة البغداديين وان ايقاع الحياة السريع ماض بكل تشعباته وان لاشي يوقف تطلع العراقيين الى الحياة العادية رغم نواقص الخدمات ومشكلة الكهرباء والانقطاع الطويل عن التواصل مع العالم الخارجي وتاثيرات الارهاب، كل ذلك لم يمنع العراقي من التطلع الى المستقبل وصناعة حياة افضل رغم فارق السنين التي عاشوها تحت الاستبداد والحصار فبدت مدنهم وقراهم بما فيها بغداد وكانها خارج عصرها متخلفة وغير عصرية تتلمس طريقها ببطأ الى التطور، فيما سبقها الاقران والجيران وغدت المقارنة عسيرة ومؤلمة تشكوا فترة مظلمة وتلعن صناعها وكل من شارك فيها ويحن اليها.

 

الصورة الثانية التي يكونها زائر العراق بعد ان يسير في الشوارع ويتبضع من الاسواق ويراجع الدوائر الرسمية ويخالط الناس ويحضر التجمعات الشعبية ويخوض المجادلات والمساجلات، فهي صورة الواقع العراقي بلا تزويق ولاتضخيم ولا اختزال، ورغم تفاوت القراءات لهذه الصورة والاختلاف في تقدير ابعادها ومسبباتها، الا ان أي قراءة واعية للواقع العراقي لابد ان تسبر عمق الظواهر، ولاتكتفي بالمشاهدات السطحية واللقطات العابرة، فالحياة العراقية لاتختلف عن مثيلاتها سوى انها موضوعة تحت المراقبة المشددة، بحيث تغدوا كل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة حدثا علاميا بامتياز، وماذلك الا لان التجربة السياسية العراقية تتعرض لاختبار قاس يستدعي التعرف على قدرتها على الانجاز من عدمه، ولان اعداء التجربة اكثر من اصدقاءها وهم المالكون لوسائل الاعلام والتاثير، لذلك تغدوا صورة الواقع العراقي منقولة بابعاد غير متوازنة ولا طبيعية، اما المعنيون بالتجربة من داخلها فهم ضائعون بين مناهج تحليل وتفكير متعددة، ويفتقدون الى البوصلة التي تجعلهم يتصرفون غير مايتصرفون حاضرا وواقعا.

ان المشكلات التي يعاني منها العراق لاتختزل في جانب واحد او عامل منفرد، بل هي جماع عوامل ومسببات مختلفة ومتعددة بعضها سابق وبعضهالاحق، ومن الضروري التاشير الى الظواهر البارزة وقراءتها بعين ناقدة، حتى لو كانت هذه القراءة ناقصة او مبتسرة، فالكشف عن جذور العجز في التفكير وخطل المعالجات غير الجادة، سيسهم بالتاكيد في اضاءة ضلال العتمة التي تهيمن على جوانب الحياة في العراق.

 

ثقافة الفرد العراقي اساس المشكلات

من يراقب اوضاع العراق في جوانبها المختلفة سيكتشف حتما ان مشاكل الامن والسياسة والخدمات وغيرها انما هي نتاج ثقافة الفرد العراقي قبل ان تكون نتاج اخفاق حكومي وسبب سلطوي، وليس هدف هذه الكلمات تبرئة احد من التقصير والعبث وعدم الكفاءة والسرقة وادعاء الخبرة، لكن بعض الظواهر تفرض نفسها مصرحة بان اساس المشكلات هي ثقافة الفردية التي هيمنت على عقل الغالبية من الناس، بحيث غدا التفكير في المشكلات المختلفة نابع من مصلحة الفرد ومقدار مايجنيه من مكاسب، فالفرد ينظر للحياة كانها فرصة زائلة عليه الاستفادة منهابسرعة بمايعود عليه باقصى ربحية ومنفعة بغض النظر عن اضرارها بالغير، والغير هنا قد يكون مواطنا اخر أو المجتمع نفسه او مستقبل الفرد المشبع بالانانية والتي تطفح به النزعة الفردية حد الغثيان، فالمسؤول والاداري والمقاول والمهندس والعامل والفني والمنظف و.... . و.....و... و... يتعاملون مع مسؤولياتهم بمنطق الغنيمة التي تستحصل ويتم تقاسمها بالسرعة القصوى، ولايهم بعد ذلك ان ينفذ المشروع او المقاولة او تؤدى الوظيفة بطريقة رديئة فاقدة للمتانة والذوق والجمال، ويفاجأ المرء ان كثيرا من الناس يتعاملون مع الامور المناطة بهم، او المرتبطة بحياتهم بكثير من الاهمال وكانها لاتعنيهم، فمن النادر ان يتناصح الناس على المحافظة على النظافة او الاخلاص في العمل او المحافظة على السمعة المهنية او التواصي بالذوق العام، ورغم ذلك فانهم يشتكون من تخلف العراق وتقدم جيرانه،ويقارنون بين نظافة شوارع بلدان الجوار وجمال ابنيتها وبين حال شوارعهم وازقتهم،لكن احدا لايكترث للتفكيرباسباب الحالتين، في كربلاء مثلابدات معالم المدينة بالظهور وتبلطت الكثير من شوارع احيائها ورصفت اارصفتها بالحجارة المستوردة، كما ظهرت جزرات وسطية مشجرة،لكن الظاهر على ذلك عدم اكتراث الناس بالنظافة ورداءة التنفيذ وغياب الذوق الجمالي، فقد وزعت بلدية المدينة حاويات جميلة على المنازل لكن كثيرين استخدموا الحاويات لخزن الطعام، وتركوا ازبالهم امام البيوت او في الساحات تزكم روائحها الانوف، فيما بقيت اشكال الدوائر الحكومية المبنية حديثا، قبيحة المظهر تدل على قباحة ذوق مخططيها وانقطاعهم عن العالم الخارجي ولادرايتهم باحتياجات المراجعين وراحتهم،ينطبق هذا الامر على كافة مناطق العراق الوسطى والجنوبية وكأن الذين خططوا لايريدون لهذه المشاريع عمرا افتراضيا يزيد على السنة او السنتين، رغم كلفها الباهضة وعمق التخلف الذي يرسف فيه العراق.

كيف نحلل هذه الظاهرة؟ هل بالرجوع الى عالم الاجتماع الراحل الدكتور على الوردي في نظريته عن اخلاق الحضارة واخلاق البداوة؟ ام بالعودة الى ثقافة الاستبداد التي تحدث عنها عبدالرحمن الكواكبي قبل 110 اعوام في طبائع الاستبداد حيث مازال العراقيون يعيشون اثار تلك الثقافة من تواكل وكسل واهمال وتضييع ولااخلاص وضياع للمعايير وتبلد الذوق والمشاعر؟، م بالعودة الى تحليل شكل العلاقة المتازمة بين الفرد والدولة والتي انسحبت على المرحلة الانتقالية الراهنة؟ام هو الصراع بين التخلف والتقدم والذي لم ينجزه العراق حتى الان؟.

في تقديري المتواضع ان كل هذه النظريات تصلح لتحليل الظاهرة العراقية الراهنة، لكن المشكلة تكمن في فقدان المثقف العضوي الذي يناقش هذه الظواهر ويسلط عليها مبضع الجراح مهما كان قاسيا ومؤلما،اذ لايعقل ان يستمر العراقي متحججا بالظروف القاسية التي مربها، وكانه لايريد مغادرة اثارها ومحو تلك الاثار، من خلال المثابرة والعمل وتعويض الحرمان والسنين وقد اوتي فرصة نادرة، رغم قساوة المحنة وتشعب ابعادها؟ ارباب العمل في العراق بدأوا الاستعانة بالعمال البنغال في المطاعم والفنادق وفي اعمال الخدمة والنظافة، بينما يشكوا الكثير من العراقيين من البطالة واذا تم استخدامهم فانهم يتعاملون ببطر وبكثير من الانفة وقليل من الانتاج. لقد رايت اعلانات تتحدث عن توفر عمال بنغال في ملصقات عند تمثال الشاعر بدر شاكر السياب على كورنيش البصرة وقد تعانق مشهد الشاعر مع مشاهد الشباب الذين يلتقطون صورا تذكارية عند التمثال ولايانف احدهم من ان يلقي قناني المياه الفارغة عند اقدام الشاعر دلالة على الذوق الرفيع رغم وجود حاوية قريبة!!؟

اغلب الظن ان النرجسية التي زرعتها ثقافة التمجيد القومي السابقة والتي تجعل الفرد منتفخا بانه سليل حضارة ومجد قديم غابر، تسببت بكل هذا العطب الظاهر راهنا، فان تكن سليل حضارة يعني انك تستفيد من تجارب الحضارة وانكساراتها وانتصاراتها في تقويم الحاضر، وبعث القيم التي تعالج سلبيات هذا الحاضر، لا ان تظل حبيس المجد الغابر واسير مشكلات الحاضر كالتاجر المفلس الذي يتباهى بماكان عنده من اموال.

ورغم الحاجة الملحة الى عمل ثقافي متواصل تشترك فيها ادوات الدولة باسرها، ويتحول المثقفون فيها الى رجال تغيير ثقافي فاعل،الا ان النخبة العراقية المثقفة بدت مشغولة بهمومها ونرجسيتها، فاغلب الانشطة الثقافية تزاول العمل الثقافي والابداعي بعيدا عن مستوى الجمهور العادي، وينشغل المثقفون بنصوصهم المتعالية وانتاجهم الرفيع، ربما ليعوضوا سنوات القهر والحرمان والمنع،ولكن من للفرد العادي غير المثقف؟ من يصرخ باذنه؟ من يوقضه من سباته؟ من يصنع تيارا للتغيير؟ ان ثقافة النقد لم تتجذر بعد في تربة الثقافة العراقية، ولا ابتعد عن الحقيقة اذا قلت ان الثقافة السائدة هي ثقافة اعتذارية حينما تقترب من الجمهور، او ثقافة مابعد حداثية حينما تزهد بهذا الجمهور، وللانصاف والموضوعية ان يقال ان اكاديميا كعالم النفس الدكتور قاسم حسين صالح يساهم في تشريح سوسيو سيكولوجي للشخصية العراقية في تجلياتها الراهنة، وقد صدر له كتاب عن دائرة الشؤون الثقافية بهذه المضامين، وينتظر ان تكون لكتاباته اصداء واسعة علها تسهم في تحريك المياه الراكدة.

وحتى لاأكون مجانبا للحق فان الحراك الثقافي العراقي من امسيات ومنتديات ومجالس ادبية وعلمية واصدارات وتاليف وشعر وقصة ومسرح يبعث على الارتياح ويشير الى حيوية العراق رغم الجراحات، لكن هذه الحيوية لم تحدث صدى في ثنايا الاجتماع العراقي ربما لانها افتقدت النقاش في قضايا جوهرية.

المؤسف ان المقولة السابقة التي كانت تتحدث عن تاليف الكتاب في مصر وطباعته في لبنان وقراته في العراق لم يعد لها كثير مصداقية، اذ تنحسر القراءة بشكل مروع في العراق، وقد اشتكى باعة الكتب في شارع المتنبي من كساد كبير عزاه بعضهم الى الازمة الاقتصادية العالمية حيث كنت مستمعا لحديث يدور بينهم . ومرة اخرى يدعوني الانصاف الى القول بان موزع مجلة رصينة كقضايا اسلامية معاصرة لعددها الاخير تحدث عن طلبية ثانية من موزعي البصرة دلالة على الطلب الكبير، لكني ارى ان ذلك مؤشر على نخبوية القراءة وليس جماهيريتها، فالمطلوب ان تنمو طبقة وسطى ثقافية على غرار الطبقة الوسطى في الاقتصاد لتنمو الثقافة بتوازن ولاتزداد الفجوة بين نخبة عالية الثقافة وجمهور واسع يفتقدها.

 

ثقافة التسطيح الديني

 من الظواهر المؤسفة ان الفكر الديني في بعض جوانبه بدا منتجا لظواهر خطيرة تستحق التوقف والاهتمام،فالغالب على ثقافة الناس الدينية هي ثقافة استحصال الاجر والثواب من اسهل واقصر الطرق، وهي اظهار الولاء لاهل البيت عليهم السلام وتعظيم مناسباتهم وزيارتهم والتفنن في هذه الزيارة مشيا وزحفا، دون التوقف عند هذه الزيارة واهدافها العملية وغاياتها الاخلاقية، المهم ان الثواب المستحصل يقاس بالمسطرة كما لا كيفا،فالطريق بين كربلاء والنجف شهد بناء العشرات من الحسينيات التي تقدم خدماتها للزوار ايام الزيارات الراجلة، ويتبرع المحسنون الباحثون عن الثواب لبناء هذه الحسينيات وتقديم الطعام فيها، ثم تبقى هذه الحسينيات مقفلة طيلة العام، ولو بنيت هذه الحسيينيات والمساجد في اماكن كثيرة من مناطق الجنوب والوسط المحتاجة لها لما قل ثواب اصحابها المتبرعين، بل ربما زاد عند الله، لكن احدا لايستطيع التحرش بهذا الموضوع لقداسته، واذا قيل ان بناء حمامات لطالبات المدارس ومبرات ايتام ومدارس ومشاغل للارامل باسم الحسين عليه السلام، والائمة من ابنائه فسيكون ذلك عملا عظيما راجح الثواب، لايقل قيمة عن ماسبقه ان لم يكن اكثر قيمة، لكن المحسنين لايصغون لمثل هذا النداء او ان احدا لم يكلمهم بذلك، فثقافتهم هي ثقافة مشايخ الفضائيات التي تذرع طريق الجنة بذراع المنامات والاحلام والبكائيات ودع عنك حديث الصحة والمتانة والبناء وسد خلة النساء الشيعيات المحتاجات واراملهن وفقراء الشيعة ومحروميهم، ولو ترك الامر لهؤلاء فسيزيدعدد المزارات في صحراء العراق عن عدد المدارس.

 الامر الاخر المرتبط بثقافة الفكر السلبي هي فكرة اخر الزمان وعلاماته وقرب ظهور المهدي المنتظر،فغالبية البسطاء المتدينيين تعزو كل ظاهرة سلبية وكل افة اخلاقية او عاهة اجتماعية او حتى الظواهر العلمية الى اقتراب نهاية العالم وان كل ذلك من علامات الظهور،وبمرور الوقت تحولت هذه الفكرة الى تواكلية وسلبية وانتظار سلبي خطير يمنع من مواجهة الاشكاليات القائمة، والجميع يعول على المهدي المنتظر لمعالجة تلك الظواهر، فلم يبق الا فترة قصيرة على الظهور، ولاتفسير لهذه الظاهرة الا كثرة المحن والمشكلات والشعور بالعجز عن مواجهتها فيصبح يسيرا، ازاحة عبء التفكير وتحويل الامر برمته على عاتق صاحب الزمان، الطريف انني مررت باحد شوارع الجادرية فسمعت ميكانيكي سيارات يتحدث بصوت عال مستنكرا من قال له ان هذه الامور من علامات اخر الزمان، وكان يقول :انني منذ وعيت كنت اسمع ان الامر الفلاني من علامات اخر الزمان وان الامر الكذائي من علامات اخر الزمان،وكانه يريد القول بان ذلك فكر انهزامي تخديري ينبئ عن الفشل اكثر مما ينبئ عن الاندفاع للعمل على المستوى الاخلاقي والقيمي.

لكن الظاهرة لاتنتهي عند هذا الحد فدعاة (احمد بن الحسن اليماني) لازالوا ينشطون في البصرة وغيرها ويتحركون على غرار تحركات الدعاة الاسماعيليين السريين في التاريخ الاسلامي، ويخيفون بمجادلاتهم وذكائهم عوام الناس، بالقول ان من لم يتبع القادة الممهدون للمهدي، امثال اليماني المزعوم فانه لن يلحق بالامام وان الفرج بات قريبا والرافضون لهذه الدعوة هم المعادون لظهور الامام كما ان احتلال العراق من قبل الامريكان جاء احترازا ولقطع الطريق على ظهور المهدي! ولااحسب ان هذا الفكر سيذوي بسرعة او يمكن القضاء عليه بسهولة بعدما اصبحت الناس مصغية لكل صاحب فكرة او دعوة تتلبس باللباس الديني وترتدي اردية القداسة.خصوصا وان اجنحة سياسية تستخدم الفكر ذاته في الترويج لبضاعتها.ثمة ظاهرة دينية تحث على العطل اكثر من العمل بسبب غلبة دعاة الغلو على دعاة الاعتدال، وتلك لعمري ستكون قاصمة الظهر لشيعة العراق سياسيا وثقافيا فمن يتحرك!!؟

 غياب التوجيه والثقافة الجادة

يصعب الحكم على الوجهة الثقافية للمجتمع العراقي حاليا لان المرحلة بطبيعتها غامضة سياسيا وفكريا، والمجتمع يمر بمتغيرات سريعة في ظل مناخ الحريات والانفتاح الواسع،الا انه يمكن القول ان اللا توجيه هي السمة الغالبة،فمع انحسار هيمنة الدولة الشمولية والتعطش الكبير للحرية، يلاحظ ان الفعاليات المعنية بالتوجيه الثقافي غير فاعلة او انها ضائعة وغير موجودة،فوزارة الثقافة تحبو في نشاطاتها وفضاء العراق المفتوح صار مستباحا للبث المرئي والاذاعي بلا رقابة على ماينشر، وهي ضريبة الحرية على كل حال، لكن قدرا من الرقابة الذاتية غير موجود مع غياب لاعراف ثقافية واعلامية وسياسية تكون هي الضابط والناظم لعمل هذه الانشطة،وبعض الفضائيات والاذاعات صار ينشر ثقافة طائفية ويستهدف الوضع الجديد بخلفيات معروفة، لكن الضرر الناجم عنها يتجاوز الجانب السياسي الى الجوانب الاجتماعية نتيجة نشر ثقافة التحريض والتخندق والكراهية، الايجابي في ثنايا هذا الواقع ان بعض مسؤولي القنوات الاعلامية بات مدركا لاهمية التبني لخط وطني حريص على تجاوز ثقافة الماضي المريضة،وقد اتيح لي بدعوة كريمة ان احضر مداولات بعض القائمين على الفضائيات والاذاعات المحلية فافرحني مقدار الوعي والشعور بالمسؤولية، لكن تقارب الاهداف والرؤى، لم يصل بعد الى مبتغاه في بلورة ميثاق اعلامي متفق عليه، يمكن بواسطته كشف اعلاميين ومؤسسات انتهازية تستثمر مناخ الحرية للاضرار بذاكرة وثقافة ومشاعر العراقيين.

مثل هذا النشاط ينطبق على المثقفين في ظل دعوة رئيس الوزراء لتاسيس مجلس اعلى للثقافة في العراق،وقد اتيح لي الاطلاع على مداولات نخبة ممتازة من مثقفي العراق واكاديميه- بدعوة كريمة ايضا-لكن الملاحظ ان الاخوة المثقفين لازالوا حبيسي مخاوفهم وربما مطامح بعضهم، اذ يستمر البعض منهم مصرا على مجادلاته البيزنطية ولم يضع في حسابه ان ولادة أي كائن سياسي او ثقافي او اقتصادي في العراق مصحوبة دائما بعسر شديد وان الحرص على المولود يستدعي التيسير لا التعسير، والامل معقود على ولادة هذا المجلس ليعطي دفعة قوية للشان الثقافي وليعاضد وزارة الثقافة او على الاقل ليدفعها الى الحماس في نشاطها ويسد عنها عدم قدرتها على تغطية متطلبات العملية الثقافية في العراق الجديد.

ان المجتمع العراقي يعج بالظواهر وسيكون من العسير على المنصف الا يشير الى الجوانب الايجابية، بيد ان السلبي يبقى الاكثر حضورا والاكثر اثارة للمخاوف، وحسبي اني اشرت لبعضها وطويت عن كثير حتى لانساهم في اشاعة ثقافة التشاؤم، وان كان منطق الثقافة يدعوا حسب انطونيو غرامشي الى القول بان تشاؤم العقل يعني تفاؤل الارادة.

 

  ابراهيم العبادي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1110  الخميس 16/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم