أقلام حرة

الديموقراطية الحقيقية دواء لعلل الشرق الاوسط

 اثينا ومن ثم سيادتها الكاملة بعد تطورها في الثورتين الامريكية والفرنسية ومرورها بمراحل متعددة وتجاوزها للتحديات الضخمة المختلفة في مسار تطبيقها . وكانت الديموقراطية في تطبيقاتها مستمرة في التطور والتغيير نحو الافضل من الديموقراطية المباشرة الى الشبه المباشرة، الى ان وجدت اليات عديدة ومختلفة الاشكال والمضمون، وهي الان على حالات متعددة ولها مدارس مختلفة وفي طريقها نحو الاحسن يوما بعد اخر .

 

لو القينا نظرة عامة على الشرق الاوسط وما فيه بشكل عام من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتمعنا بدقة للحصول على النظام الذي يلائم واقع الحال الموجود دون ان تكون هناك عوائق لتنفيذه بشكل كامل، سنتجه الى الديموقراطية الحقيقية الواقعية كامثل مفهوم في ضمان الحقوق بنسب مرضية، ولكونها رؤية سياسية واخلاقية وتعتمد كليا على المساواة والمشاركة لجميع الفئات وضامنة لحقوق الفرد ضمن الجماعة ومعززة لعالم ومجتمعات اكثر استقرارا وامانا وبعيدا عن النزاعات والاحتكاكات والظلم والغدر لحد كبير جدا، ورافضة للصراعات العرقية والدينية والمذهبية، وجامعة للحقوق السياسية والمدنية والثقافية والاقتصادية دون تجزئة، فانها هي بذاتها من الضروريات الاساسية التي تهم كل الناس دون تمييز لتقوية الصلة واعتماد النظم والشرعية وبقاء المصداقية .

 

ان كانت هناك مجتمعات مختلفة من كافة النواحي، وفي المقابل كان هناك خلاف حول مفهوم الديموقراطية ومدارسها الا ان هناك شبه اجماع على ان الديموقراطية الحقيقية السياسية هي التي من الممكن تطبيقها وفق مميزات وصفات الواقع المراد تجسيدها فيه، وان كانت تختلف عن الديموقراطية الاجتماعية والاقتصادية . من اهم الثوابت التي لا يمكن المساس بها مهما كانت الظروف هي توفير الحرية والمساواة والمشاركة في ظل الاعتراف والتسليم بوجود المعارضة والاستناد على تداول السلطة التنفيذية ووجود التعددية السياسية والخضوع لراي ومواقف وارادة الاغلبية وقبول جميع الاطراف بمضمون وشروط العملية الديموقراطية كضرورة لاستقرار السلام وفرض فصل السلطات بعيدا عن اظهار القوة وباسترضاء الجميع .

 

ان الوضع السياسي العام معلوم للجميع والانظمة المختلفة الموجودة لم تنبثق وفق اليات الديموقراطية وضرورات المجتمع ومنها لازالت في اطوارها البدائية، وعليه فان الظروف الاجتماعية والاقتصادية تبقى على حالها دون تغيير يذكر في ظل الثقافة السائدة المتاثرة بترسبات التاريخ والماضي بكل ماكان فيه من الصفات والعادات والتقاليد ومتاثرة بشكل كبير بواقع المجتمع مع تغيير طفيف نتيجة الاحتكاكات والاتصالات المستمرة مع الثقافات العالمية المتعددة .

 

اذن الوضع العام في الشرق الاوسط بكامله لم يتطور طبيعيا كما هو الملاحظ ولم ينتقل من مرحلة لاخرى وفق ما تتطلبه مسببات التغيير والاصلاح والانتقال والاستقرار على حالة جديدة في مرحلة جديدة وحديثة الظهور . والدولةهي الحاكمة المطلقة وتتدخل في جميع الحقول دون استثناء في اغلبية البلدان في الشرق الاوسط، وتتدخل حتى في خصوصيات حياة الفرد في اكثر الاحيان، وكما هو المعلوم فان التعليم والتربية والاعلام والاحزاب  والاتحادات والنقابات المهنية وابضا من الناحية الاقتصادية العامة للدولة الدور البارز  ولم يبق امام الفرد الا الخضوع للامر الواقع .

 

في ظل هذه الظروف المعقدة وعدم خصوبة الارضية المناسبة لتنفيذ اليات الديموقراطية، لابد من ايجاد الوسائل الضرورية الملائمة لخطو المجتمع ومافيه الخطوة الاولى نحو التوجه الديموقراطي الواقعي بعد قراءة كافة النواحي التي تخص وتمس العملية الديموقراطية وبشكل دقيق ومنظم، ولابد لنا  ان نشير الى ان اختلاف في مميزات الواقع من منطقة الى اخرى يفرض الاختلاف في تطبيق الديموقراطية وكيفية تكيفها مع واقع الحال مستندا على ما موجود من الركائز الضرورية المطلوبة لنجاح العملية المستمرة دوما وهي في حالة التطور الدائم .

 

و بوجود الثغرات والعوائق والعلل المنتشرة في هذه المنطقة، وان بحثنا طويلا لا يمكننا ان نجد بديلا مناسبا وواقعيا وعلميا اكثر من الديموقراطية وجوهرها الحقيقي المتلائم مع الظروف المختلفة، ولابد ان نعلم جميعا ان البداية الصحيحة هي ايجاد الطريقة الواقعية المثلى والاليات المتوافقة مع الوضع الاجتماعي الثقافي الاقتصادي الموجود بعيدا عن التقليد واستيراد نماذج المعلبة كما يفعل البعض ويفشل منذ البداية .

 

و لابد ان نعلم جميعا ان للاعلام دور هام لنشر الثقافة الديموقراطية وتعليمها لكل فرد اضافة الى المؤسسات المدنية والمنظمات المختصة، بحيث يمكن ان تدخل هذه الثقافة الى كل بيت وعائلة وفي عقلية كل فرد، وهذا هو المطلوب وان استغرق وقتا وزمنا ونحن نحتاج الى القفزة والتقدم والانتقال من المراحل المختلفة والاستقرار على حال ضامن لترسيخ العملية الديموقراطية دون اي احتمال للارتداد والتراجع .

 

و لاختلاف واقع المجتمعات والطبيعة الاجتماعية والمكونات، نرى صعوبة الامر مع ماموجود من المستوى الثقافي المعلوم غير المطمئن لضمان نجاح العملية الديموقراطية، مع وجود العلل العديدة التي تركها التاريخ وترسبت في واقع المجتمع، لابد من تكيف وتلائم نوعية العملية الديموقراطية مع متطلبات الواقع وان كانت لفترة معينة او لمرحلة من المراحل، وهذا يختلف من بقعة لاخرى ومن دولة لاخرى نظرا لاختلاف شكل وتركيبة مكونات المجتمعات في بلدان الشرق الاوسط وما فيهم من العادات والتقاليد والصفات العامة المتميزة.

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1113  الاحد 19/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم