أقلام حرة

تركي عامر.. الشّاعر المنسيّ

أن يطلق على نفسه تسميات مثل "مجرم حبر"/ "حالم ورقستان"/ "مأمور أحراش ورقستان". ورقستان هو إسم المنتدى الذي أسسّسه وأثّثه ويشرف عليه تركي عامر. ويطيب لي تسميته بـ "الثعلب الشعري"، وهي التسمية التي لم أهتد إلى أفضل منها حتى الآن. فتركي عامر، حسب رأيي المتواضع، هو من أنبغ الشعراء العرب المعاصرين قدرة على "فصفصة" لحم الأبجديّة العربيّة وإعادة تصنيعه بما يلائم بلاعيم الشعر، ومن أكثر من قرأت لهم قدرة على هتك "عرض" المألوف واستباحة "شرف" القوالب الشعريّة الجامدة. ليس هناك نوع واحد من أنواع الشعر والأغنية لم يسطّره قلم تركي عامر. كتب قصيدة العمود، وقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، والقصيدة الحديثة بالعامّيّة، وقصيدة الزّجل، وحتى عتابا بالفصحى وهايكو وتانكا ورباعيات وتوقيعات. ومع امتلاكه الفذ لناصية اللعب بالإلكترون، يستطيع تركي عامر أن يقدّم لنا بموهبة منقطعة النظير، نصوصًا شعريّة ونثريّة "دوتكوميّة" و"وبكاميّة" تملأ صفحات حاسوبنا ضحكًا متراقصًا على موسيقى "مايكروسوفتيّة" تجعلنا نرثي لحال "بيل غايتس" الذي لم يسمع بذلك الشاعر العربيّ الذي احتال على مصطلحاته فألبسها أبدع فساتين الشّعر. ومع أنّ تركي عامر يعتبر، أيضًا من وجهة نظري المتواضعة، أحد أهمّ الشعراء العرب الحداثيين المعاصرين، فهو يتباهى بأنه لا ينتمي لأيّة من المدارس الشعريّة.

 

مشكلة تركي عامر، هي أن التاريخ والجغرافيا فرضا عليه أن يكون "إبن الجارية العربثمانيأربعينيّة"،

 التي ضاعفت أصوله التوحيديّة (الدرزيّة) من إحكام حصارات القريبين والبعيدين لتجعله من أكثر الشعراء السّجناء العرب المعاصرين عرضة للعذاب والقهر. حتى أن التاريخ لم يحالفه ولادة، حيث تأخر قدومه إلى هذا العالم بضعة عشرة عامًا عن فحول الشعر العربيّ المقاوم، بما فيهم سميح القاسم، بحيث أنّ  شعر تركي عامر  المقاوم سبّب له خسارة وظيفته وشتى أنواع المضايقات بسبب مواقفه الوطنيّة والقوميّة المبدئية، جاءت ولادته متأخرة قليلاً عن زمن عبور الأسماء الكبيرة وأشعارها الأسلاك الشائكة مباشرة إلى صدر الصفحات الثقافيّة في الصحافة العربيّة وإلى ما بين غلافات دور النشر العربيّة البارزة...

 

تعرّفت إلى الشاعر تركي عامر من خلال شعره، قبل بضعة أعوام، وزادت معرفتي به من خلال انضمامي إلى منتدى "ورقستان" (أنظر إلى التسمية). وأعترف بأنني منذ تعرّفت إلى تركي عامر وواكبت مسيرته الشّعريّة، صار الجزء الغالب من همّي الشعريّ، هو كيفيّة إيصال شعر تركي عامر إلى جمهور الشعر خارج الحدود والحواجز "القهرتجهيليّة"، وصارت أفضل المساهمات الإبداعيّة، التي يمكن أن أقدّمها، هي إيصال رسالة تركي عامر الشعريّة إلى عناوينها الضائعة.

 

سأترك تركي عامر يقدّم  نفسه بنفسه، ناقلاً هذا التقديم من موقعه الإلكتروني، آملاً أن تبدأ عمليّة التعرّف الفعليّ على هذا الشاعر (لمن لم يتعرّف بعد) من خلال قصيدته الأخيرة بعنوان " نصوص تخريبيّة رهن التّحقيق" وما سيعقبها من نصوص أخرى عسى أن يكتب لها الظهور، لاحقاً، في هذا المنبر وغيره من المنابر المضيئة:

--------

 

إلى المقاتلينَ في خنادقِ الحبرِ النّظيفْ

على خطوطِ النار في معاركِ الحرفِ الشّريفْ

(تركي عامر)

 

من أنا؟

 

عَرَض بيولوجيّ مُعَمَّى

بلا غَرَض إديولوجيّ مُسَمَّى

أحبّ الحياة وأكره الموت

أحاول بدم القلب خربشات

على ورق الرّوح

أقرأ كلّ ما تقع عليه عيني ويدي

وأكتب أقلّ من القليل بكثير

أحبّ السّفر والأنثروبولوجيا

أحلامى الصّغرى والكبرى

تتلخّص في مشهد واحد أحد

كرتنا الأرضية الطّيّبة

ترفل بعباءة من حرير سلام

وترقص على لحن محبة

يسيل من دفاتر غيم دافئة

ليغسل شبابيك الرّوح

حتّى الينابيع

 

ولدت في قرية حرفيش الجليليّة

(29 كانون الأوّل 1954)

أكتب وأنشر بالعربيّة والإنجليزيّة منذ 1972

تخرّجت في جامعة حيفا (1977)

متزوّج وأب لأربعة وجدّ لحفيدة وحفيد

 

نشرت العديد من القصائد والمقالات

في صحف ومجلاّت عربيّة محلّيّة

 

إضافة إلى عشرات النّدوات والمؤتمرات المحلّيّة

شاركت في أربعة مؤتمرات عالميّة للشّعر

اليابان 1996

سلوفاكيا 1998

المكسيك 1999

اليونان 2000

كانت عقدتها "الأكاديميّة العالميّة للثّقافة والفنون"

وقد منحتني هذه الأكاديميّة دكتوراة فخريّة في الأدب

وذلك في مؤتمر المكسيك

شاركت في آب 2001

في سلسلة قراءات شعريّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة

مكتبة إنوك برات وجامعة ميريلاند في بولتيمور

ومنتدى سلامسايد بويتري في واشنطن دي سي

وفي كانون الثاني (يناير) 2004

في ندوتين شعريتين وندوة نقدية

ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب

 

أصدرت حتّى الآن 12 كتابًا

 

العائلقراطيّة، مداخلات في الاجتماع والسياسة، 1984

ضجيج الصّمت، شعر بالفصحى، 1989

نزيف الوقت، شعر بالفصحى، 1990

إستراحة المحارب، شعر بالفصحى، 1991

فجيح الضّوء، شعر بالفصحى، 1993

صباح الحبر، مداخلات في الأدب والثّقافة، 1994

من حواضر الرّوح، شعر بالفصحى، 1996

سطر الجمر، شعر بالعامّيّة، 1997

Arabian Nightmares، شعر بالإنجليزيّة، 1998

White Leaves، شعر بالإنجليزيّة، 2001

لن أعود إلى المرعى، شعر بالفصحى، 2004

صواريخ عابرة للقرارات، نصوص، 2008

--------

 

نصوص تخريبيّة رهن التّحقيق

 

لا تَثِقْ بالبحرِ،

إلاّ إذا صارَ ملحُهُ سُكَّرًا،

وحيتانُهُ قِطَطًا أليفة،

وكَفَّ عن الشّكوى بأنّ السّماء

سرقَتْ لونَهُ.

ولا تَثِقْ بالصّحراء،

إلاّ إذا صارَ سرابُها ماءً،

وذئابُها حمامًا زاجلاً،

وكفَّتْ عن الفتوى

بأنّها الأقربُ إلى السّماء.

*

ـ ....؟

ـ هو اللّيلُ مُسَوَّدَةُ النّهار.

ـ ما النّهار؟

ـ مِمْحَاةٌ مُحَلَّفَةٌ لكلامِ اللّيل،

ولو كانَ مكتوبًا بالحبرِ السّرّيّ.

ـ هل لديْكَ أقوالٌ أخرى؟

ـ النّهارُ، أيضًا،

خبيرٌ مُكَلَّفٌ بتفكيكِ الأحلام.

ـ ما الحُلُم؟

ـ لا أعرفُ تحديدًا.

ولكنْ، أقوى الظّنّ،

مذكَّرُ الحَلَمَة.

ـ ما المُذَكَّر؟

ـ مَن يذكِّرونَه بما يحبُّ أن ينسى،

ولا يذكِّرونَهُ بما يحبُّ أن يتذكّرُوا.

ـ ما النّسيان؟

ـ نِعْمَةٌ لا نستأهلُها:

نستعملُها في المكانِ الغَلَط،

وفي الزّمانِ الغلط!

ـ ما النّعمة؟

ـ نقمةٌ متفائلة.

ـ ما التّفاؤُل؟

ـ أن تنتظرَ شمسًا مارقةً

في عزِّ اللّيل،

لا في أقصى الشّمالِ فقط!

أن تنتظرَ مطرًا عاجلاً

في عزِّ الصّيف،

لا في الأقاليمِ الاستوائيّةِ فقط!

*

لا تَثِقْ بالشّتاء!

فالخيولُ (الأصيلةُ تحديدًا)

الّتي كانَتْ تشمُّ رائحةَ المطر،

داهمَتْها إنفلونزا الطّيور.

والطّيورُ هاجرَتْ إلى الشّمال،

فداهمَتْها إنفلونزا الخنازير.

ووحدَها الخنازيرُ ترثُ الأرض،

إذا ما داهَمَنا مكروهٌ نوويّ،

لا سمحَتْ آلِهَةُ الحرب.

*

ليسَ بالحذاءِ وحدَهُ

ترفعُ الأُمَم

رؤوسَها النّوويّة.

*

لا تَثِقْ بالرّبيع!

أدارَ ظهرَهُ للشّعوب،

فتسلّقَتْهُ أعشابٌ طالعةٌ

مِن غياهبِ الكتاب.

*

ـ أيُّ كتاب؟

ـ أيُّ كتابٍ يعتقدُ قارِئُوه

أنّهُ لا كتابَ إلاّ هوَ،

وحدَهُ لا شريكَ لَه.

*

لا تَثِقْ بالصّيف!

مهما طالَتْ العطلة،

تحسُّها قصيرة.

*

ـ ما القِصَر؟

ـ بُعْدٌ مِن أبعادِ المسافة،

لكنَّهُ وثيقُ الصّلةِ بالحُصْرُم.

*

لا تَثِقْ بالخريف!

فالأوراقُ المتناثرة،

لا رياحَ تأخذُها

إلى أيِّ مكان.

*

تمامَ الرّابعةَ عشرةَ والثّلثِ (المعطِّل)،

عصرَ الأحدِ الماضي من لبنان،

إلتأمَ المجلسُ النّيابيُّ الجديد،

ليصوّتَ على بيانِ الوزارةِ المُشكَّلة

بخيوطٍ توافَقَ عليها السِّينَان،

وباركَتْهُ:

سيناء،

وطورُ سينين،

وثاني أكسيدِ الكربون،

ومصلحةُ تشخيصِ العناصر،

وآلهةُ الثّلجِ والنّبيّذِ السّاهرين

على راحةِ الكيانِ والتّكوين.

ألحوظةٌ غيرُ مضرّة:

أعتذرُ لِما خالطَ هذهِ الأقطوعة

مِن سَجْعٍ بدائيٍّ يشبهُني.

*

لا تَثِقْ بالماء! أفسدَتْهُ الأرض.

لم يَعُدْ قادرًا على توطين

الأكسجينِ والهدروجين

في قطرةِ دَمٍ واحدة،

إلاّ توافقيًّا.

*

عناصر،

لا علاقةَ لها بالماء،

تطالبُ بتأشيرةِ ركوب

على متن فُلُكٍ مُبْحِر

إلى لامكان.

*

لا تَثِقْ بالهواء! لوَّثَتْهُ الأرض.

تقدّمَتْ بهِ الرّزنامة،

فلم يَعُدْ يطيق

رفرفةَ طيرٍ أو عَلَمْ.

*

لا تَثِقْ بالنّار! كفَّرَتْهَا الأرض.

لم تَعُدْ قادرةً على سَلْقِ بيضة.

*

لا تَثِقْ بالأرض!

تنكّرَتْ لرائحةِ الوطن.

*

لا تَثِقْ بالوطنْ!

دائرٌ على حلِّ لحيتِهِ

وراءَ ظهرِ السّماء.

*

لا تَثِقْ بالسّماء،

إلاّ إذا حلقَتْ عانَتَها

أمامَ مرآةِ الأرض

وبشفرةٍ مِن صُنْعِ الأرض.

*

بتؤدّةٍ كيلا يتكسّر،

أَعِدْ توزيعَ البيض،

بيضةً بيضةً،

بموجبِ أبجديّةٍ

لا يعرفُها التّاريخ.

سلَّةُ البحرِ، ملحُها

على ذيلِها.

سلّةُ الشّرقِ، حُلْمُها

على رأسِ اللّسان.

*

كُنْ واضحًا أنيقًا/

بسيطًا عميقًا

(أعتذرُ مجدَّدًا عن سجعِ الجُهَّال)،

ودَعْ مربّعاتِ الضّباب

لهواةِ الكلماتِ المتقاطعة

والكلابِ البوليسيّة!

*

مَنْ يكتب/ قصيدةً،

كَمَنْ يكتبُ شِيكًّا،

يحتاجُ إلى رصيد.

 

تركي عامر * حرفيش * الجليل * تمّوز (يوليو) 2009

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1116  الاربعاء 22/07/2009)

في المثقف اليوم