أقلام حرة

هكذا تشترى ذمم الصحفيين !

 ولهذا الطاغية خبراء أغلبهم من رجال الإعلام والثقافة يعمدون إلى تأليه ذاته عبر سلسلة من المسلكيات التي تتجلى في وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة، كما أنّ هؤلاء الخبراء يتولون تفسير نصوص وخطابات هذا الطاغية من خلال الرائي – التلفزيون – ويخصّون خطابات السيد الرئيس بتفسيرات وتوضيحات لا يخصّون بها كتاب الله المنزّل، وتصبح هذه الوسيلة العموميّة في خدمة السيّد الرئيس وتخصّه بكل صغيرة وكبيرة حول دخوله إلى الحمام وخروجه منه، وتدشينه لقنوات الصرف الصحّي وغيرها من المشاريع التي لا تتناسب وحجم ما لدينا من ثروات، وقد دخل كتّاب الأغنية الهابطة على خطّ الطغاة ووضعوا أغاني وأهازيج تمجّد السيد الرئيس باني النهضات وهادم اللذّات ومفرّق الجماعات ومدللّ الراقصات .

ولم يضطلع ثلّة من الصحفيين بتحويل الكثير من زعمائنا الأغبياء إلى عباقرة عصرهم ووحيدي دهرهم فحسب بل باتوا يقومون بدور رجال المخابرات وهنا بيت القصيد ! وقبل توضيح هذه النقطة يجب أن نشير إلى أنّ أفضل قارئ لما يكتبه الصحفيون العرب هم رجال الأجهزة الأمنيّة حيث توجد لدى دوائر الإستخبارات العربية أقسام خاصة بمتابعة كافة الجرائد وقراءة ما يكتبه كتّاب الرأي والأعمدة والبعض يضع تحت كل سطر معين خطّا أحمر وأحيانا أصفر وكل لون يرمز إلى شيئ معيّن يدور في أدمغة رجال الإستخبارات المتعودين على الظلام فقط، وقد دعيت ذات يوم إلى جهة أمنية في دولة عربية بسبب مقالات ناريّة كنت قد كتبتها، فعرفني الضابط الأمني الذي حققّ معي

 بقوله : أنا المكلّف بقراءة مقالاتك، وحدث الأمر عينه في دولة عربية أخرى فأدركت أنّ اللعبة واحدة في العالم العربي، والعجيب أنّ بعض الأجهزة ونظرا لدقّة معلوماتي وأحيانا كتاباتي عن أشياء وقعت بعد ذلك كانت تعتبر أنني إبن جلاّ وطلاع الثنايا، فأحيانا كنت في نظرها محرك المعارضة وأحيانا منظّر التحولات هنا وهناك !

ولأنّ رجال المخابرات العرب أفضل من يقرأ ويتابع ويؤرشف فإنّهم يسعون لإقامة علاقات وطيدة مع بعض رجالات الصحافة الذين ماتت ضمائرهم فتوجّه الدعوات إليهم في المناسبات الوطنية وغيرها وتسهلّ لهم مهمة الإلتقاء برجالات القرار، وبعد ذلك تقدّم لهؤلاء دعوات خاصة في هذا الفندق وذاك المطعم مع هدايا جميلة وثمينة، وأثناء كل ذلك يتمّ إستمزاج رأي هذا الصحفي حول العمل مع الدولة ولا يقال له تعمل مع الجهاز الأمني بل مع الدولة على أساس تحريك الحسّ الوطني في نفسية هذا الصحفي، وحاجة الأجهزة الأمنية إلى إستخدام الصحفيين مرده إلى أنّ الأبواب كل الأبواب مفتوحة أمام الصحفي الذي يحمل بطاقة رسمية ويعمل في وسيلة إعلامية معينة، فالصحفي يستطيع أن يقابل الجميع من سياسيين وديبلوماسيين وإعلاميين ومعارضين بصفته الصحفية وهذا ما لا يقدر عليه رجل المخابرات الذي يتوجسّ الجميع منه خيفة وهو في أصل تكوينه الفكري كالخفّاش لا يحب النور ولذلك يهمه الحصول على معلومات عبر وسائط والصحفي هو خير واسطة، وكثيرا ما يتوجّه الصحفي الذي سقط في شباك عناكب المخابرات بأسئلة إلى هذا الديبلوماسي أو ذاك المعارض أو إلى رئيس دولة معينة وتكون الأسئلة قد أعدّت سلفا في مطابخ الأفكار في دوائر الأبحاث والمعلومات والإستعلامات الإستخباراتية، والأكثر من ذلك فكثيرا ما تمد هذه الأجهزة هذا الصحفي الذي هو موقع رئيس تحرير أو غيره بمعلومات لينشرها لتحقيق غاية معينة والعجيب أنّ بعض هذه المعلومات ضدّ أمن الدولة ويحلو لجهاز أمن الدولة نشرها في خطة يستعصي فهمها على الشيطان نفسه .

ومقابل هذه الخدمات وغيرها يحصل هذا الصحفي على إمتيازات وهدايا ثمينة ورواتب موازية لراتبه الرسمي ويوظّف من يشاء ويحصل على شقّة لمن يشاء، وفي بعض الأحيان تكلّف الأجهزة الأمنية ودوائر الأبحاث على وجه التحديد هذا المسؤول الإعلامي في هذه الصحيفة أو تلك بإعداد دراسة ما مهمة في نظر هذه الأجهزة فيسخّر هذا المسؤول كتّابا مرموقين بإعداد الدراسة وهم غافلون عن حقيقة الأمر ويقبضون الثمن مقابل ما فعلوه وعندما يسألون عن موعد طبع دراساتهم يأتي الجواب بأن سعر الورق صار غاليا وتمّ تأجيل الطبع بينما تكون الدراسة مصفوفة ومطبوعة في الدوائر الخاصة التي أوصت بإعداد هذه الدراسة، وبهذه الطريقة الجهنميّة تمّ توظيف المئات من الإعلاميين الذين كانوا يؤدون خدمات مجانية للأجهزة الأمنية دون أن يعرفوا ذلك وللإشارة فإنّ هناك ملفات خاصة في دوائر الإستخبارات البريطانية تحت عنوان الذين يخدمون بريطانيا مجانا .

وفي كثير من الأحيان تحولّت الوسائل الإعلامية إلى شركات مموهّة لدوائر الإستخبارات، بل إنّ بعض الضبّاط الأمنيين صاروا رؤساء تحرير، وقد أكتشفت أنّ نصف رؤساء الأحزاب المعارضة في دولة عربية هم من رجال المخابرات، وبهذا الشكل تضمن الدولة أنّ تظلّ المعارضة تحت عباءتها كما الصحافة تماما .

وبناءا على ما ذكر بات العديد من الصحفيين منخرطين فعليا في اللعبة الأمنية بعضهم يتعامل مع الأجهزة الأمنية في بلاده والبعض منخرط في اللعبة الأمنية مع الأجهزة الأمنية العربية أو الغربية، ولو فتحنا السجلات وكشفنا عن الأسماء كما طالبني بعض القراء لكفر المواطن العربي بكل هذا الوهم الكبير الذي إسمه الإعلام العربي، ويبقى القول أنّ حصوننا مهددة وقلاعنا مخرومة وبيتنا أوهن من بيت العنكبوت وهذا ما يفسّر تراجعنا المذهل والمستمّر !

 

بقلم / يحي أبوزكريا .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1120  الاحد 26/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم