أقلام حرة

كيفية العمل على عدم تسليم مستقبل البلاد للقوى العابدة للغيبيات

في العراق وبما فيه من الاتجاهات المختلفة المتعددة والتي تتصف بخصوصيات، والتغييرات الجارية في كينونته بين فينة واخرى والتبديل الحاصل في بنيته وتعامله مع الحياة ومتطلباته، نرى تراجعا كبيرا في نواحي عديدة من سلوكه وتصرفاته واخلاقياته ونظرته الى الواقع وما يتسم به ومضامينه، وثقافته وفكره وعقيدته ومشاركاته في الامور العامة، وفي المقابل نلمس تقدما بسيطا في النواحي المعنوية والبنى الفوقية وما يخص حريته وممارسته لخصوصياته وطقوسه وما يؤمن به .و من المؤسف جدا سيطرة الخيال والغيبيات وعبادة ماوراء الطبيعة على مجرى معيشة وحياة الشعب في اكثر الاحيان، وهذا ما يحتاج الى رجفة قوية وصحية لتعديل مسار الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتقدمها بشكل طبيعي دون وصايا وفرض الافكار والاراء عليهم من اية جهة وفي اية ناحية كانت . وما نلاحظه من المؤثرات العديدة الداخلية والخارجية على حد سواء تكون مرتبطة بالمصالح العديدة لافراد الشعب وللقوى المنتشرة في البلاد والتي تعمل على ادامة الوضع على ما هو عليه وما تفرضه متطلبات السياسة الحزبية في المنطقة . وها نلاحظ تحركات بسيطة ونلمس في الافق ملامح حركات ثقافية تنويرية تقدمية على الرغم من المعوقات التي تقف حجر عثرة في طريقها، ومن المعلوم ان هناك من الخلافات الجذرية بين عقلية وتفكير وعمل القوى الموجودة، وهذا ما يمكن ان يثمر في انبثاق حركات متعددة وهي تنبثق من خضم الصراعات والمنافسات، ويمكن ان يُهمًش ما لا يلائم واقع المجتمع وما يدلنا عليه تاريخه وحضارته العريقة وفكره ومسيرته التقدمية، ويستبشرنا على الخروج من الوحل الغميق الكابح للتحركات، وانقاذنا من المرحلة غير الطبيعية بعد اجراء الاصلاحات المتتالية من كافة النواحي بحيث تشمل الوضع العام السياسي والثقافي والاقتصادي والتي تؤثر من تلقاء نفسها على الحالة الاجتماعية، وهذا ما يتطلب جوا وفضائا ديموقراطيا حقيقيا ومستوا عاليا من الاحساس بالمسؤولية ومشاركة الجميع بما فيهم وفي طليعتهم النخبة المثقفة الواعية لامور الحياة .

 

و الملاحظ لحد اليوم ان القوى التي تدير الدفة بعد المعاناة الطويلة للعقود المنصرمة وما شاهده الشعب من الظلم والتعسف والتعجرف من قبل الدكتاتورية وما بعدها، لم تدرك بشكل جيد خصوصيات هذا الشعب ولم تشاهد ما انتجته حضاراته العريقة ولم تتلذذ طعم ثمراته الفكرية الثقافية . ولذلك نعتقد بان حركة تحررية سلمية نابعة من الوضع الديموقراطي النسبي الامن ومن رحم  الشعب ومتكونة من المخلصين والمؤمنين بالعلم والمعرفة الحياتية العامة تكون منقذة لما فيه المجتمع من الوضع والحال وان كانت بطيئة الحركة ويجب ان تكون مسالمة محافظة على حياة الشعب دون اي تشدد او تطرف او نفي للمنجزات البسيطة الحاصلة في العملية السياسية في الاونة الاخيرة .

 

و هنا ان تمكنا من الخوض في الخط العام لبيان ضرورة تلك الحركات، فان الواقع يفرض الخطط الملائمة على الملمين وافراد الشعب كافة في كيفية ادراك السلبيات ومحاولة ازالتها والاهتمام بما يضمن المستقبل الصريح المفيد لهم . والمبدا الرئيسي الاهم لاتباع وتنفيذ المراد هو خوض كل تلك الصراعات بعقلانية وعدم التهور والسير بما يلائم العصر والوضع العالمي ومؤثراته على المنطقة ومنها الشعب العراقي ومكوناته. وهناك واجبات عامة تقع على عاتق كافة الفئات ومنهم الساسة والمثقفين والاكاديميين والمراة والشباب في مقدمة من يجب ان يجدٌوا في العمل الاني المفروض ادائه لعبور المرحلة والتقدم . وعليهم جميعهم ان يبيٍنوا دورهم الفعال في ارشاد وتوعية المجتمع في الظروف المفروضة وتحليلهم للواقع والعمل على ايجاد الوسائل المناسبة لبيان وشرح افكارهم ونتاجاتهم المطلوبة، وعليهم دراسة وتحليل الوضع بدقة وعلمية متناهية الدقة لفرز الصحيح عن الخطا والاصرار على تقليل وازالة سلبيات ما جرى منذ عقود واستمراره لحد اليوم، وعليهم نزع ثياب الاهمال وعدم الاهتمام، والابعاد عن الاهداف العامة وتهميش النفس من الواجبات الوطنية كما عمل على تثبيتها في سلوك المواطنيت البعث واعوانه،و اثرت على الثقافات ونتجت من المستهلكات المحلية المضرة ومن المثقفين التابعين والخاملين في اداء الواجبات العامة .

 

و من يتعمق في الوضع الحالي العام ويحلل ويدرس ما نحن فيه بدقة وجدية سيكشف ان الاولوية في اعادة المسيرة الثقافية العلمية والفكرية الى سكتها الصحيحة، وعندئذ تبدا عملية الاصلاح والتغيير والتقدم في الوضع الاجتماعي العام، ويتم ذلك بتقوية مواقع واعمدة وركائز الحركة التقدمية الثقافية السياسية العلمانية وبجهود الجميع، ولدينا من الامكانيات المطمئنة لامتلاك الشعب من النخبة والتاريخ المليء بالماثر والوقائع والتجارب الغنية، ويمكن ان يدلنا على العقليات التنويرية التجديدية والتقدمية الباهرة، واليوم نمتلك ما لا يمكن ان يُستهان به، وهو ما يحتاج الى تنظيم وترتيب واعادة التوثيق وادارة فعالة وتعاون وتنسيق وتكاتف من قبل الجميع بلا استثناء، من اجل اعلاء كفة القوى الملائمة والمطلوبة والمفيدة لمستقبل الاجيال وليس الغور في بحر الغيبيات والاساطير والخيالات البالية .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1120  الاحد 26/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم