أقلام حرة

لا ثقة في السياسة الأمريكية، الاتصالات مثالاً

الجامعة لها والمعادية للعملية السياسية الجارية في العراق تحت عنوان مقاومة الاحتلال وعملائه. وقد قوبلت هذه الاتصالات بعد كشفها برفض واحتجاج من الحكومة العراقية والقوى الرافضة لدخولها في العملية السياسية، لاتهامهم إياها بأنها وراء العمليات التفجيرية ضد المدنيين العراقيين والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء رجالاً ونساءاً وأطفالاً وشيوخاً والذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل مايجري ، فقد كانوا يعانون في ظل النظام السابق ولا يزالون. لا خدمات، لا كهرباء، لا ماء، لا عمل، لا إعمار، بل نهب وسلب عيني عينك وفي وضح النهار!

 

ويقال أن هذه الاتصالات تجري مع اركان من نظام صدام حسين لادخالهم في العملية السياسية، وبخاصة من الضباط الكبار في قوى الأمن والمخابرات والجيش. وتعليقاً على اعتراض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على هذه الاتصالات في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة أجاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنهم سيأخذون عليهم عهوداً بنبذ العنف والقبول بالعملية السياسية الجارية!!

 

في رأيي أنه لا يجوز لأحد أن يحتجّ على الولايات المتحدة الأمريكية لما تقوم به من خطوات متقاطعة مع اتجاهات النظام العراقي الحالي، لأنها تضع مصالحها في الدرجة الأولى وعلى اساسها تخطو وتتحرك. فما تقوم به اليوم ما هو إلا محاولة لتسهيل انسحابها بهدوء من العراق ولقناعتها على ما يبدو أن أحد مفاتيح الأمن الأساسية في أيدي هؤلاء الذي يعارضون ويقاومون بالسلاح حتى لو كان الضحايا من المدنيين الأبرياء، لأنهم يؤمنون بأنّ الغاية تبرر الوسيلة، وهم يجهدون في الوصول الى أهدافهم بالعودة الى السلطة بشتى الوسائل ومنها نشر الموت والفوضى.

 

إنّ أمريكا هي  التي احتلّت العراق وأدارته وتديره بحسب أجندتها الاستراتيجية والتكتيكية. وقد تحمّلت من أجل ذلك تكاليف الغزو والحرب والعنف والصراع الطائفي التي أعقبت الاحتلال مادياً وبشرياً بشكل كبير أثّر على سمعتها دولياً وأمريكياً داخلياً فأبعد الحزب الجمهوري عن ولاية أخرى في الحكم. لذا فهي تتحرك وفق ما تراه في مصلحتها ويصبّ في أهدافها.

 

كما أنه اختلّت سياساتها وتخبطت داخل العراق بسبب العنف الذي واكب الاحتلال، سواءاً من مؤيدي النظام السابق وأجهزته أم من تنظيم القاعدة والأجندات الخارجية المحلية والدولية المعارضة للدخول الامريكي الى العراق بسبب تعارض ذلك مع مصالحها وتأثيره على أمنها القومي، أو لشعورها بالخطر القادم اليها والمحدق بها على حدودها مباشرة، سوريا وايران مثال واضح.

 

للولايات المتحدة الأمريكية كما هو معروف مصالحها الاستراتيجية، وهذه مسألة طبيعية لدولة عظمى وحيدة في العالم ولغيرها، ووفقها تتحرك تكتيكياً لتأمينها والوصول الى تحقيقها. فمن مصالحها الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية هي السيطرة على منابع البترول والاقتراب من حدود التنين الصيني الذي يحدّ أسنانه ويشحذ مخالبه لمستقبل قادم في الضد من المصالح الأمريكية، هذا الى جانب روسيا والهند وايران. وكذلك من ضمن اجندتها الاستراتيجية في عملية احتلالها للعراق وتواجدها في منطقة الشرق الأوسط هي حماية اسرائيل.

 

هذه المصالح هي التي قادت امريكا الى غزو العراق واسقاط نظام صدام حسين وتصفية صدام ذاته وحاشيته القريبة جسدياً لإبعادهم كلياً عن المسرح السياسي حتى لا يشكلوا خطراً مستقبلياً عليها وعلى الموالين لها في المنطقة، فبقاؤهم على قيد الحياة يشجع أنصارهم في المضي في المقاومة المسلحة لاعادتهم الى الحكم، مما يشكل خطراً على استراتيجيتها في المنطقة وتحكمها في مسار الأحداث وتسييرها وفق مصالحها القريبة والبعيدة. ولذا بدأت بالتحرك وفق ما يحدث على الأرض. فتبنت الدعوة والعمل على مشاركة السُنّة في العملية السياسية التي بنيت على اساس محاصصي طائفي وقومي مما جعل الحكم بيد الشيعة لكونهم الأغلبية الى جانب الأكراد. فاعتبر السنة العملية جارية ضدهم لتهميشهم والانتقام منهم بسبب ما لحق الشيعة والكرد خلال فترة حكم صدام حسين من خلال تحميلهم وزر جرائم ما جرى ضدهم خلال تلك الفترة. وعلى هذا الأساس جرى ما جرى من عنف وقتال طائفي وتدمير وارهاب ومفخخات ومليشيات مسلحة وفرق اعدام، حتى وجدت امريكا نفسها حقاً في مستنقع مأزوم من كل الأطراف، كان سيقودها حتماً الى تورط يصعب عليها الخروج منه، فيخرّب كل ما ادعته بنشر الديمقراطية في المنطقة من خلال بوابة العراق ليكون مثالاً يُحتذى. فإذا به مثال على التخريب والدمار والموت والفساد واللصوصية جهاراً نهاراً.

 

ترى الولايات المتحدة الآن أن مصالحها تقتضي مفاوضة كبار أركان النظام السابق وقادة حزب البعث لتأمين ما تراه من نشر الأمن بسبب خبرة هؤلاء الطويلة في هذا المجال، وذلك من خلال العمل على انضمامهم الى العملية السياسية تحت يافطة ما يسمى بالمصالحة الوطنية، فتخرج أمريكا بماء وجهها. اضافة الى الضغوط التي تتعرض لها من قبل أصدقائها العرب وبخاصة السعودية والأردن، مثلما تقول الأنباء أنهما وراء هذه الاتصالات ومعهما تركيا.

 

ويعتبر الكثيرون أن في هذه الاتصالات والمفاوضات تمثل خطراً على العملية السياسية في العراق، إذ يبدو في نظرهم أن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط لعودة البعثيين بقوة لادارة الحكم من خلال مشاركتهم الفعلية والفاعلة، الى حدِّ أن البعض يتوقع انقلاباً عسكرياً يعيد الأوضاع الى ما قبل التاسع من نيسان 2003 . وأظن أن هذا ليس مستبعداً. فتاريخ امريكا في العالم يثبت صحة هذا الهاجس والخوف من القادم من أيام. فالذي معها اليوم، صديقاً أم حليفاً أم عميلاً، سائراً خلفها واضعاً كلّ أوراقه بيدها  سيجد نفسه غداً عارياً عن المساندة مكشوفَ الظهر مطارداً مطلوباً رأسُه!

 

وسواءاً رضيت الحكومة العراقية وغيرها من القوى المعارضة لهذه الاتصالات أم لم ترضَ، فإنّ أمريكا ماضية في اتصالاتها، وإذا اتفقت مع فصائل القوى المسلحة وكبار قادة البعثيين فإنها ستفرضهم على العملية السياسية فرضاً، لأنها فعلياً هي صاحبة القرار والإدارة والآخرون ماهم إلا خيّال مآته، وعلى نظرية (لك الإمارة ولنا الإدارة)!

 

ومما يحزُّ في النفس أنّ البعض من الكتاب العراقيين الذين يعتبرون أنفسهم مفكرين ومحللين سياسيين يقرأون ما خلف الأحداث وما أمامها لا يزالون يعبّرون عن ثقتهم بأمريكا وسياستها في العراق ضاربين مثالي اليابان وألمانيا في تكرار مملّ ناسين أو متناسين الفرق الكبير بين هذه الشعوب والشعب العراقي وظروف كل بلد وأمة. فيكيلون للولايات المتحدة ورئيسها السابق بوش آيات الثناء والتمجيد والشكر والعرفان بالجميل لأنها خلّصتهم من أعتى ديكتاتورية وأقمع نظام. وكأنها اسبغت علينا النِعَم والأمنَ والأمان والعيش الرغيد ففتحت لنا أبواب الجنة واسعةً وإننا فيها لناعمون مرفهون! غافلين أو متغافلين عن تاريخها المليء بالعِبر البغيضة والتحركات السوداء التي دفعت الدول الصغيرة الفقيرة والشعوب الضعيفة المقهورة والفقراء منها ثمناً باهضاً لسياسات البلطجة وتمزيق عرى الشعوب والبلدان، واغراق العالم في الفوضى والرعب وبين فكي الارهاب والفساد والمافيات والتدمير والموت وتعليم السياسيين كيف ينهبون ويسرقون وهي تغضّ الطرف عنهم، بل وتوفّر الحماية لهم وتهرّبهم من وجه العدالة والمحاسبة القانونية، وكل ذلك بدعاوى نشر الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وتخليص الشعوب من الطغاة والعبودية.

 

وهناك أمثلة لدول ديكتاتورية وحكام طغاة وقتلة وأنظمة شمولية، للولايات المتحدة علاقات طيبة معها بل واستراتيجية، فتسكت عما يجري داخلها من قمع وظلم واضطهاد، مع ذرّ الرماد في العيون باصدار نقد هنا ووثيقة انتهاك حقوق الانسان هناك.

فيا تُرى هل تحولت هذه الأنظمة الى حضارية مدنية ديمقراطية ترعى حقوق الانسان وتنشر الحرية والرخاء ؟!

إنّ هذا كيل سياسي بمكيالين، ورؤية متعمدة بعين واحدة، وتعامل بحسب المصالح في كل منطقة ودولة.

 

الذي يحرّك الولايات المتحدة الأمريكية كما غيرها من بلدان العالم هي مصالحها لا سواد عيون الشعوب المضطهدة، وحين تقتضي هذه المصالح تضرب عرض الحائط بكل تعهداتها وكلّ من يقف في وجهها حليفاً كان أم عدواً. والأمثلة كثيرة معروفة في العالم، لاحاجة لاعادتها.

 

فالذي يجب أن يتوجه الاحتجاج اليه هم من دفعوها الى هذا الموقف بمواقفهم وسياساتهم الجاهلة المتخلفة المدمرة وغير المبنية على مصالح شعبهم ووطنهم، والذين فسدوا وأفسدوا ونشروا الفساد وسرقوا المال العام في وضح النهار دون حساب أو رقيب، وتفرّغوا لمصالحهم الذاتية والحزبية والسياسية والطائفية والقومية والفئوية دون أدنى اعتبار للناس ومعاناتهم، وفي مقدمتها الثقة بالسلطة من خلال توفير الأمن والخدمات والاعمار. فأثبتوا بذلك فشلهم في الحكم وخطرهم على شعبهم وعلى غيرهم، لذا توجهت الولاايات المتحدة الأمريكية صوب معارضيهم من مؤيدي النظام السابق من بعثيين وغيرهم، والذين ينتظرون الفرصة المواتية حتى من خلال المصالحة والديمقراطية للانقضاض عليهم شرَّ  انقضاض.

وإنّ غداً لناظره قريب!

 

عبد الستار نورعلي

السويد

الأحد 26 تموز 2009  

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1121  الاثنين 27/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم