أقلام حرة

الديموقراطية والطبقة الكادحة

في بداياتها ومنذ العقد الخامس قبل الميلاد، بانت ثغرات واسعة في اليات تطبيقها واصبحت محل انتقاد المفكرين والقلاسفة الكبار على الرغم من كونها افضل مفهوم طرح للنقاش والسجالات المتعددة في حينه واصبح محل التداول واقل سلبياتا مما كانت فيه ادارة السلطة البسيطة وما كانت فيه الشعوب من الاعتقادات والافكار والفلسفات والوضع الاجتماعي الاقتصادي السياسي الثقافي العام الذي كان المجتمع يعيشه .

 

و مرت الديموقراطية والياتها كما هو جميع ما يخص الحياة بتطور ومراحل وتدرج وحسب التغييرات والمستجدات على ارض الواقع . وكانت الية وطريقة تطبيقها موضع انتقاد الفلاسفة بجميع مشاربهم وفي مقدمتهم ارسطو الذي حللها وفسرها وانتقدها وفي بعض الاحيان رفضها مستندا على ان الديموقراطية تبرز حكم وسلطة الاكثرية فقط وتهمل الاقلية، وكان يركز على انه في هذه الحال سيكون الفقراء هم اصحاب السلطة المتنفذة لكونهم يشكلون الاكثرية وبه تهمش الاغنياء ولم يتمكنوا من فرض ارادتهم والحصول على مآربهم لكونهم الاقلية في حينه ولحد اليوم، اي اكد ارسطو على انعدام المساواة في تطبيق الديموقراطية بين الفقراء والاغنياء . وهكذا مرت العقود والقرون واستمرت الصراعات وبرزت الافكار والنظريات والفلسفات المتعددة الاوجه وتقدمت الشعوب وحدثت الاصلاحات والتغييرات وما اجبرها الواقع المستجد، وبها تعددت المفاهيم والافكار المتقاربة والمضادة لبعضها وتكاثرت الفلسفات المتضادة لبعضها والمتصارعة ايضا في نفس الوقت وتعقدت الاوضاع والمواصفات للمجتمعات واحوالها،الى ان طرحت الافكار والاراء والمواقف اليسارية والماركسية بداية وفلسفاتها ونظرياتها والياتها ومضامينها، وهنا اصبحت الديموقراطية محل الانتقاد الماركسية بشكل خاص واليسارية بشكل عام في اكثر الاحيان والى حد يمكن ان نرصد مجاميع مختلفة من المواقف الفكرية والاراء المتعددة،و استنادا على ان الية تنفيذ الديموقراطية تعتمد على مجموعة من العوامل المادية التي هي بالذات مُحتَكًََرة من قبل الاغنياء والتي بقدرتهم وامكانياتهم يمكنهم توجيه الراي العام، وبه يستمر الحكم والنظام كما يشاؤون وتكون السلطة الحقيقية وجوهر الافكار بايديهم مهما حاول الفقراء من مقارعتهم والصراع المديد معهم، وهذا ما يُفقد الامل بالمساواة وفي التمتع بالحرية والارادة لتحديد واختيار النظام المقبول من قبل القراء والسلطة المرادة،اي الانتقاد عند ارسطو هو انعدام المساواة في توفير الفرص لاختيار النظام المقبول من قبلهم جميعا، وانتقاد الماركسية كما هو انعدام المساواة في امتلاك الامكانيات والقدرات التي يمكن ان تؤثر على توجيه الاراء والتاثير على الشعوب، اي اعتارضاتهم جاءت من عدم المساواة ولكن بعكس الاتجاه، لكون الاغنياء هم اصحاب الامكانيات المادية وفي مقدمتها وسائل الاعلام والمالية المتوفرة التي تدار بها العملية برمتها، وفي المقابل اعتراض ارسطوا على ان الفقراء هم الاكثرية وستبقى السلطة مستمرة بايدهم .

 

اليوم وبعد اتساع الفجوة الكبيرة بين الاغنياء والفقراء وسيطرة القطب الواحد لمدة طويلة نسبيا وما اُفرزت من محاولاتها من فرض النظام العالمي الجديد والمستجدات المطروحة على الساحة واوضاع الشعوب وضرورات الحياة والمتطلبات الانية، وقدرة العدد المحدود من امتلاك دخل العالم باجمعه وسيطرتهم على مصائر الشعوب وعلى الوضع العالمي بنظام راسمالي ليبرالي وبمواصفاته المعلومة للجميع من الحرية الفردية والاقتصاد والسوق الحر،في ظل الاحتكار من قبل الاثرياء في جميع المجالات . الا انه في المرحلة الاخيرة حدثت من التغييرات الجذرية المشجعة في مجال امكانية توفر المنابر الاعلامية للجميع تقريبا من خلال انفجار العملية المعلوماتية وتوسع شبكات الانترنيت وعدد الفضائيات،غير انها تكون لاصحاب الامكانيات ايضا تقريبا وبشكل يمكن للفقراء المساهمة وليس الامتلاك لحد ما، وعلى الرغم من قصر وقلة امكانية الفقراء في هذا المجال ايضا، مما يدع الوسائل المادية المتعددة متوفرة لاصحاب القدرات والامكانيات العالية، اي فرصة المساواة لاستغلال الامكانيات في تنفيذ الية النظام الديموقراطي بما فيه الانتخابات قليلة جدا، وواضحة انها تكون بيد من . وهذا ما يدع امكانية توجيه الاكثرية الفقيرة سهل لاصحاب الامكانيات المادية فقط مهما كانت خطاباتهم وافكارهم ومعتقداتهم وارائهم ونظرتهم الى الحياة وما فيها . وهنا نستخلص الى ان الطبقة الكادحة هي المظلومة من الانظمة المطبقة على الساحات السياسية للشعوب في كافة صقاع العالم لحد اليوم، على الرغم من ان افضل الطرق والوسائل والاليات لادارة الشعوب والسلطة هو الديموقراطية الحقيقية والمتوفرة والمنتشرة لحد هذه الساعة في ظل عدم المساواة منذ انبثاقها . وكلما توفرت الامكانيات المادية الاتصالاتية المعلوماتية والمادية بشكل عام ، بسهولة وبالتساوي لجميع الطبقات، يمكننا ان نتفائل في ايجابيات النظام الحكم الديموقراطي، ولكن متى وما العملية التي  يمكن تطبيقها لحصول ذلك، لا اعلم .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1125  الجمعة 31/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم