أقلام حرة

الطائفية في منطقتنا: المعركة الاخطر

 زادها اشتعالا خبر الغاء الاذان بصيغته الشيعية من قناة العراقية رغم النفي اللاحق له فخطورة الموضوع وحساسيته تجعلان منه لغما قابل للانفجاروقضية تسترعي الحماسة الزائدة، وصراحة الكاتبين ربما شاركت في كشف المكبوت والتعبير عنه في ظاهرة تتيح لصاحب الراي التوقف مليا وهو يطرح قضايا من هذا النوع على الراي العام ليشاركه في ابداء الراي تاييدا ونفيا، خصوصا عندما تكون القضية مثار البحث ذات ابعاد هوياتية وعقائدية، تتداخل مع الابعاد السياسية والثقافية، وتكون جزءا من صراعات الماضي والحاضر والمستقبل .

وفي ظني المتواضع ان التخفيف من حدة الطائفية بالمقترحات التي قدمها الكاتبين لاتكون مجدية الا ضمن حزمة اجراءات متبادلة لاستعادة الثقة المفقودة بين ابناء طوائف متصارعة، في حين ان واقع الحال لايشيرالى صراع طائفي على شاكلة صراعات الطوائف التي حفل بها تاريخ اوربا الحديث كصراع الكاثوليك والارثوذوكس والبروتستانت بل ان الصراع عندنا هو صراع سياسي يستعين باغطية الطائفية ويتغذى من انتعاش الحس الطائفي الذي حركته اصوليات وسلفيات لغلبة الظن بان كسب هذه الصراعات لايكون الا وفق الاجندة الطائفية، ولان العامل الديني هو احسن ادوات التعبئة والتحشيد لذا كان ذكاء الزرقاويين وحلفائهم خارقا، عندما نجحوا في تحويل احتلال العراق وانكسار سلطاته المتحجرة الى مناحة طائفية تدافع عن سلطة المنكسرين لتحويلها الى تراجيديا شعورية ونفسية يسهل عبرها تنفيذ تعبئة واسعة على امتداد العالم الاسلامي لاستعادة الوجه السني للعراق (لاحظ تصريحات علي الجبوري المتحدث باسم المجلس السياسي للمقاومة الذي التقاه الامريكان في اسطنبول لصحيفة الراية القطرية). ويكفي التاكد من صدقية هذا الكلام مراجعة مؤتمرات اسطنبول والدوحة والقاهرة وبيانات المجموعات المسلحة وشيوخ المساجد لمعرفة تفكير القوم، فبغداد عاصمة الرشيد والخلفاء وابو حنيفة واحمد بن حنبل ولايجوز ان تضيع من ايدينا!! كما قال الزعيم السياسي المخضرم الذي احضر خصيصا من عمان بعد سن التقاعد، وهذا الشعار يلخص رمزية الصراع واهدافه ونتائجه، فالطائفية التي كانت سياسيا حاضرة بقوة في تاريخ العراق القديم والمعاصر تم تحريكها لتتحول الى طائفية اجتماعية وعقائدية ونفسية، مستفيدة من تسرع قوم وسذاجتهم على الجانب الاخرالذين ماانفكوا يتحركون بغرائزهم وسطحيتهم، ويتوهمون ان حصولهم على حقوق مواطنة متساوية يجسده ارتفاع اذانهم من الاذاعة حتى لو على حساب استحصال حقوق المواطنة هذه في ظل استقطاب حاد ودموي واستقتال من جميع المتربصين وكثرتهم العددية وقدراتهم المالية والاعلامية والتدميرية.

ان الطائفية بنية تفكير وشعور استعلائي وعقيدة خلاصية تتوهم انها وحدها الناجية وماسواها هالك، وهي المالكة للحق دون من عداها وبالتالي فان الاخرالمذهبي او الديني لايمثل غير الزندقة والهرطقة والبدع والاهواء وسيكون محالا على دعاتها القبول بهذا الاخر شريكا في حكم او نظيرا في هيئة افتاء او زميلا في مؤسسة ثقافية او تعليميةاو عسكرية، الا ان يكون تنازلا لضرورات امنية او سياسية او مصلحية، وعليه لم يكن مقبولا عند كثيرين رؤية العراق يتمرد على صورته التاريخية ويتحول الى بلد بدون احتكارات، يشارك فيه الجميع ويحصلون فيه على حقوق متساوية، لقد اصدر احد منظري فرع القاعدة في السعودية ويدعى يوسف العييري كراسا مبكرا في نيسان 2003 يتحدث فيه عن المغازي الخطيرة لسقوط بغداد (لاحظ دلالات التسمية) واثارها على اوضاع اهل السنة في المنطقة باسرها، ولنتذكر ان البيانات صدرت في الرياض من شيوخ الدين هناك قبل انطلاق العمليات العسكرية لاحتلال العراق تدعوا الى نصرة اهل السنة والدفاع عن حقوقهم وخذلان الطوائف الضالة وعدم تمكينها من اهتبال الفرصة!!

 وفي ظل شحن طائفي ومذهبي تستخدم فيه كل ادوات التقنية الحديثة جاء انهيار سلطة بغداد لتنهار معها جدران الخنق الطائفي ولينطلق لسان قوم توهموا انهم اصبحوا اسياد انفسهم فلم يقدموا سوى ماينكره عليهم غيرهم، فضائيات حاضرة لتغطية مواسم زيارات، وشيوخ فضائيات يقدمون كل شاذ ونادر ومرسل وضعيف من الروايات وصراع ومجادلات تاريخية وتنافس حاد على اسماع الاخرين ان الشيعية السياسية قادمة تجر خلفها شيعية مذهبية تخيف الاخر وتذكره بواجبه الديني ليقوم بمقاومة البدع والدفاع عن حياض الدين وحماية التوحيد من الشرك وصيانة الاوطان من خيانات احفاد ابناء العلقمي حلفاء كل صليبي وحاقد على الملة والدين!!!!!!؟؟؟؟؟فغدا العراق ساحة لمتطوعين من كل حدب وصوب.

ترى هل بامكان الشيعة ان يقاوموا كل مكونات هذا الخطاب والقدرات الاعلامية الهائلة بادوات هزيلة لايسمعها احد الا ليستهزا بها ام ان يعولوا على الغيب لنصرتهم ظنا منهم انهم على حق وان صاحب الحق منصور دائما!!؟ هل فكر المتنطعون في الفضائيات الشيعية انهم لايتحدثون في ازقة قم او النجف او كربلاء بل ان حديثهم يجب ان يقدم خلاصةا لفكر الشيعي العقلاني والعميق والجوهري؟، هل عرفوا ان يقدموا انفسهم للعالم بوجه ثقافي رفيع ويقدموا شعرائهم وفلاسفتهم وفقهائهم ومؤرخيهم وادبائهم ومثقفيهم ممن ساهموا في اغناء الفكر الاسلامي وحضارة المسلمين!!؟هل قدمنا ثورة الحسين كما ينبغي ان تقدم، ثورة اصلاح سياسي ودفاع عن حقوق الناس وكراماتهم ومن اجل نظام سياسي عادل ونزيه!!؟

ان اول مايقدمه هؤلاء ممارسات محلية وطقوس بلهجات دارجة ورثائيات باللغة المحكية ورؤوس مشجوجة ومناظر بائسة ثم لايحق لااحد الدعوة الى تهذيبها وتقديمها بلباس عصري مقبول تدفع من لايعرفها الى تلمس جواب شاف ومعقول عنها.حتى لايسيئ الظن والتحامل والتكفيربحق ممارسيها.

ثمة محنة عميقة داخلية قبل ان تكون خارجية، وعندما لاتحسن تقديم نفسك بالشكل المناسب، فانك ستخسر حتما معركة الدفاع عن الذات وتصبح عرضة للمساومات وانصاف الحلول، بامل درء مخاطر اكبر، فيجيئ الاقتراح بالغاء الاذان وتوحيد الوقف، مستفزا لكثيرين لايرون غير اطراف انوفهم، ويحسبون انها معركتهم الكبرى في حين ان التخفيف من حدة الطائفية التي يشكون من غلوائها فيه مصلحة لهم قبل مصلحة الاخرين.

.ان معركة الطائفية هذه تجاوزت حدود العراق والجزيرة العربية والشام الى منتديات الرباط والقاهرة واسطنبول وشوارع لندن وباريس والسويد والدانمرك والمانيا واسبانيا وامريكا وكندا وماليزيا وهي الخطر الماحق الذي ينذر بكل الشرورلانها غدت المحرك الاول والاخير لصراعات الحاضر ولنسج التحالفات وتدبير المواقف والسياسات وتوجيه الرسائل الاعلاميةوللتاليف والكتابة (تابعوا جهود الليبي علي محمد الصلابي في الكتابة التاريخية)، انها بصريح العبارة جوهر صراعات قرننا الحالي، والعراق هو بؤرتها الاخطر.!!؟. فمتى نحسن التفكير والتصرف؟

 

ابراهيم العبادي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1126  السبت 01/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم