أقلام حرة

البخلاء اجتماعيا / نبيل قرياقوس

هي عوامل مساعدة لتفعيل صفة (البخل) أو (الكرم) المتوارثة لدي الفرد .

دعوني أعرض علي حضراتكم نماذج من صور بخلاء حقيقية، حصلت عليها من مواقع مختلفة من ثنايا مجتمعنا خلال خمس عقود عمر:

عسكري مطوع ذو راتب شهري عال عام 1980 كان يوميا يقطع مشيا مسافة لا تقل عن عشرين كيلو مترا ذهابا ومثلها ايابا من بيته الي وحدته العسكرية في مدينة البصرة ايام تموز وآب لئلا يدفع اجرة نقل قدرها (25) فلسا لكل مرة . تزوج وطلق زوجته بعد أقل من عام وشكي حينها لنا من ثقل ما يتحمله الانسان عندما يتكفل بمعيشة انسان آخر!!

 صورة اخري لرجل تعرفت عليه مطلع التسعينات موظفا متقاعدا حالته المادية ممتازة، له بيت واسع وقطعة أرض سكنية وآخري زراعية وذهب وأموال، وهو يصر علي مليء معدته حد التخمة المفرطة عندما يدعي لأية مأدبة طعام، بل لا تتواني زوجته عن ملء حقيبتها اليدوية الواسعة ببقايا طعام تلك المأدبة كي ترحلها للبيت لتكون ذخيرة لليوم التالي!

 

 

صورة ملونة لامرأة في عقد عمرها الخامس، غير متزوجة، تملك بيتا ورصيد مال ومورد عمل شهري، لازالت للحظة ترتدي ملابس كانت تلبسها منذ ان كانت طالبة جامعية قبل نحو ثلاثين عاما ! من طرائفها انها تتألم وتعيد كثيراً من حساباتها عندما تنفذ قنينة غاز الطبخ لديها قبل مدة اربعة أشهر ! وعندما تأتي الايام التي يرتفع فيها سعر الغاز فانها تصطاد ساعات الليل المتأخرة لتنهض كي تغلي ماء لصنع الشاي علي المخسن الكهربائي، ثم تقوم بعزل (القوري) بالاقمشة ليحافظ علي درجة حرارته حتي الصباح حيث تنهض لتفطر وتشرب الشاي الدافيء دون الاستعانة بالغاز!!

صورة آخري لرجل في عقده الخامس، له أملاك كثيرة تجارية، لكنه يثير الشجار يوميا مع زوجته (ربة بيت) كما كان يخبرنا، فهو دائم العتاب عليها، فهي تسبح مرتين في اليوم صيفا، وذاك ما يعده تبذيرا وصرفا غير معقول لـ (الصابون).

لم أرصد في حياتي حالة بخل لدي شخص فقير الحالة ماديا، وارجع سبب ذلك الي عدم كفاية الاضواء التي تكشف لنا حقيقة بخل الشخص من ضعف قدرته المالية فعلا، ويمكن ان نتصور ان اعدادا من الفقراء هم بخلاء فعلا اذا ما اتجهت الظروف لامتلاكهم ثروة.

لما كان البخل يشمل فلسفة التصرف والانفاق في التعاملات المادية للمجالات التي لا تحكمها او تحددها الانظمة والقوانين، كمدي الصرف علي الذات او العائلة ومدي مساعدة الاشخاص المحتاجين المتروك لتقدير الانسان وطبيعة سلوكه، لذا فان البخلاء تجمعهم عوامل اجتماعية مشتركة اهمها: انهم يشعرون بدواخلهم بمتعة الكسب و(الشطارة) حينما يمارسون البخل يوميا لغرض المزيد من ادخار المال، بينما هم يكرهون علنا صفة (البخل) وينتقدون اي بخيل يصادفهم، فالبخيل لا يحب التعامل مع بخيل آخر لانه يدرك في دواخله صعوبة الحصول علي ما يبتغيه من الطرف الآخر. البخيل عموما يحاول ملاصقة من هو أفضل منه ماديا طمعا في الوصول الي اسباب وسبل الرقي الي مستوي مالي أعلي باقصر الطرق وان كان البخل احدها.! يتقرب البخيل الي شخص فقير اذا طمع في حاجة لديه او جهد له وليحاول الحصول علي مراده بازهد وابخس الاثمان استغلالا لظرف من هو في عوز .. رحم الله عالمنا المبدع علي الوردي، الباقي معنا دوما، فهو كريم علينا ليعيرنا ريشته كي نتمكن مواصلة رسم صورة البخل والبخلاء .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1579 الاربعاء 17 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم