أقلام حرة

هل من مصلحة العلمانية محاربة الدين بشكل صارخ؟ / عماد علي

فاننا يمكن ان نطرح ونتعمق فيما يخص الدين والفرد على حد سواء. ليس من العقلانية ان يحارب احد فكر وعقيدة وما يؤمن به الاخر بالتعنت والتضاد من دون امتلاك المعلومات الضرورية على ما يؤمن به الاخر ودون الخوض علميا في تفسير وتحليل وشرح  العقيدة والفكر الذي يؤمن به المقابل، ولن يكون مصير الغوص في هذا الركن من الفلسفة الا فشلا، الا اذا كان بيان الراي والموقف استنادا على الاركان والمقومات العلمية التي يجب ان يتسلح بها الباحث. وعكس ذلك سيؤدي اي بحث او بيان راي مخالف الى الاحتكاك السلبي وعندها تضيع الحقيقة على الطرفين. وهنا ستحدث ما يبعد الاطراف عن بعضها، وبين المتقاربين ايضا ممن ينظرون الى الدين كساحة وموضوع علمي مع من يعتبرونه شانا ايمانيا بحتا لا علاقة له بالبحث العلمي وما يستوجب الغور فيه استنادا على الارضية الواقعية او الحياتية، ناهيك عن التشاحن والتباعد والخلاف الذي يحصل بين المؤمنبالدين دون مسند علمي وبين الباحث العلمي المجرد والمحايد في فلسفة الحياة.

نحن نعتقد بانه لكل فعل رد فعل مضاد، فان توصلت ردود الافعال الى حد لتصبح القوة المؤثرة على الفعل الى حد نفيه وفنائه والاضرار به في مرحلة ما فعندها لا يستوجب اتخاذ اي فعل يحتمل ذلك بشكل صريح ومباشر مهما تطلبت الاسباب والعوامل، بل من الواجب الخوض في عملية تجسيد ارضية مناسبة لبحث تلك الامور، وهذا ما سيجعل انخفاض مستوى تلك الردود واحتمالات التضاد والمحاربة واردا والتي يمكن ان تبرز فيها  النتائج التي هي  الافضل والاحسن من التعامل مع الدين بفعل مباشر، ويمكن تطبيق ذلك بدءا بالامور التي توائم اكثرية الشعب ومن خلال الافراد، وهذا ما يحتاج الى وسائل وجهود علمية عالية.

الاصح في مجتمعاتنا ان يُبحث الدين كموضوع هام يمس الجميع ويجب الدقة والاعتناء به كميدان لانتاج المعرفة ومادة دسمة للبحث والتحليل للعلوم الاجتماعية الانسانية ولتوضيح مكنونة وجوهر ما يمس الانسان، وحينئذ يكون الفرد حرا في اعتناق ما يؤمن وفق مستواه الثقافي العلمي وما اكتسب من العقليات من العائلة والمجتمع والمؤسسات المدنية، مستندا على مدى نظرته العميقة الى المثاليات والماديات وايهما الاصح عنده.

اي البحث العلمي الدقيق للدين وتداعياته يبعد الكثيرين عن التشدد وخاصة لدى المهتمين بالامور العامة للمجتمع ومن الجانبين المؤمنين والملحدين، وتتم هذه البحوث عن طريق العلوم الاجتماعية الانسانية المترامية الاطراف والاقسام. الحياة بما فيها، تحمل من عوامل الجذب لتلك الافكار والاعتقادات  بما تؤثر بدورها على الفرد والمجتمع بشكل مستمر، فان الدين يجيب عن مجموعة من الاسئلة( وليس جميعها) التي تنبع من الفكر الفلسفي للانسان وخاصة ما يرتبط بالروح والعاطفة والانفعال والهيجان النفسي وغير ذلك من الذي يمس الجانب المثالي، ويمكنه ان يريح النفس من الاحتكاكات المباشرة مع الضغوطات النفسية والاجتماعية الناجمة عن مسيرة الحياة وما تتضمنه المعيشة من التحديات، وهذا ما توضحه وتؤكده مراحل التاريخ البشرية منذ عبادة الاوثان والتفكير في الطواطم وماكانت سائدة من تعددية الاله الى مرحلة التوحيد والاله الواحد وما وصلنا اليه اليوم من الاديان السماوية. والايمان الديني هو المصدر الاساسي للبحث عن الوجود لدى الفرد البسيط المتواضع الفكر والعلم والمعرفة. وعند البعض الاخر يكون الدين هو معنى الحياة بما فيها ويجمع كل ماهو فيه من التركيب والتفكير والفلسفة والعقلية في ايمانه واعتقاداته وطقوسه، واي خلل او تاثير مفاجيء على ذلك الربط الذي يسنده سيشوه معيشته، وعندئذ يقاوم بكل ما لديه حتى اخر الرمق او يفني نفسه بشكل ما سوى كان جسديا او روحيا وفي اكثر الاحيان سيؤدي ذلك الى الجنون عند المتعمق ان لم يختار الانتحار. هذا عند الفرد، وينعكس ذلك بشكل عام على الجماعة وتكون لها ردود افعال واضحة في هذا الشان ويشابه الى حدما ما يجري للفرد . هذه الحالة تنطبق على الذين ينظرون الى الدين كمصدر للايمان فقط ولا يمكنهم الخروج منه وتعتمد حياتهم الروحية النفسية وبكل ما يملكون ويتصفون على الدين وما يرتيط به من الابعاد والتداعيات، وهؤلاء لا يمكن الوقوف امامهم الا بطرق سلسة وايجاد السبل لتوضيح الامور التي تخص الدين او الاشارة اليه من بعيد ومن ثم التقارب حول محيطه الضيق وبوسائل بسيطة مرتبطة بحياتهم اليومية.

اما العلوم الانسانية والاجتماعية ومن يخوض فيها فانها تعتمد في بعض جوانبها على الدين كمصدر للبحث والتحليل والتمحص والتدقيق والتفحص لشؤون المجتمع وتاريخ الشعوب، وعند الغور في العديد من المجالات التاريخية والفلسفية التي يكون الدين الجانب المهم فيها، ويمكن تداول الموضوعات بشكل محايد والنظر الى جواهرها وتقبل الاراء والمواقف المخالفة لها ايضا وعلى العكس من غيرهم من الذي ينظر الى الدين بشكل وطريقة ايمانية مطلقة  بحتة ويعتقد انه لا يمكن البحث فيه او المساس به.

اي ان هناك اتجاهين في هذه الحال، هناك طرف يعتبر الدين او الله بحد ذاته موضوع للايمان والسماع والاتباع والتقديس ولا يمكن التفكير فيه بعقلانية لانه خارج نطاق عقلية الانسان كما يعتقد، ولا يحتمل الشرح والخوض فيه، اما الطرف الاخر وهو قريب من الاول ايضا بفارق انه يبحث كل شيء بعلمية وهو ليس بملحد ويعتبر الدين او الله وما يرتبط به موضوع يقبل البحث والتساؤل والتحليل والشرح والتعمق والتفسير وحتى الرفض ايضا عند بعض منهم، اي الطرفين مكملين لبعضهما وليسا مضادين، ولكن يبدا عمل الطرف الثاني عند حدود انتهاء فكر وعمل وعقلية الطرف الاول.فهناك ما تفرز من التشبث الاعمى وغير العلمي بالدين من السلبيات المؤثرة على المجتمع، وفي المقابل هناك افرازات مساوية لها ان لم تكن اكثر من تاثيراتها وتتشكل   نتيجة المحاربة العشوائية الصارخة للدين وبالاخص في المجتمعات ذات المستوى الثقافي والوعي العام المنخفض مقارنة مع الاخرين .

من هذا المنطلق يمكن ان نقول ان العمل على انتاج المعرفة بالبحوث والطرق العلمية البحتة هو الطريق المسالم لبيان الحقيقة للفرد والمجتمع في هذه الفلسفة المعقدة الغامضة بعيدا عن المهاترات والاراء الصبيانية حول الرموز المقدسة من قبل من لا يمتلك من العلمانية والعلم والمعرفة بشيء يمكن ان يقدم ويثبت بالدليل القاطع رايه الصائب، وانما العمل والجهد المضني المتواصل في هذا الاتجاه يمكن الوصول الى الاهداف المرجوة وليس بالمحاربة والرفض والمعاداة الشكلية والمواقف السطحية السافرة  التي تخلق المعوقات امام تقدم العقل البشري بشكل عام ولا تزيد من المعرفة العامة للمجتمع بشيء يذكر.

ان وضعنا الدين لدى الفرد في موقعه المعين، ستبدا الخطوة الاولى لمسيرة العلمانية التي تحوي في طياتها على عمليات متفاعلة  مع بعضها من الاجتماعية والانسانية والفلسفية  والسياسية والنفسية والتي تضع عملية التعايش على السكة رغم الاختلافات بين المكونات والافراد، وتضع العلمانية والديانة على المحك  .هذه العملية العلمية الصحيحة هي الي تنتج المعرفة بعيدا عن الجمود والديماغوجية ويرفع من مستوى الوعي العام.

و عند التوصل الى التوافق او اختيار الصح بهدوء سوف تسهل تلك العملية من التنمية والتطور للمجتمع، وسوف يبدا بناء صرح المجتمع العلماني، وبدايتها تكمن في الحوار الناضج وتقبل الاخر مهما كان اعتقاده  الشخصي بعيدا عن معاداته وليس  الوقوف في حدود الايمان المتوارث ايضا كماهو حال المجتمعات الشرقية دون البحث في المواضيع الفلسفية . 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1590 الاحد 28 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم