أقلام حرة

موشي موشي بغداد – المذكرة الثالثة / نبيل قرياقوس

الفندق كان في حالة غليان لم اشهدها في حياتي بفنادقنا السياحية، عشرات يغادرون وامثالهم يسكنون، دخلت غرفتي متصلا بالشركة المضيفة واعلمت بضرورة ان اطير غدا الى اوساكا حيث مقر الشركة، عرفت ان اليابانيين ينطقون مصطلح (موشي موشي) حال رفعهم سماعة الهاتف بدلا من مصطلح (ألو) الدارج عالميا . ارتحت لساعة ونزلت الى شوارع طوكيو أملي منها نظري، انها فرصتي الوحيدة في العمر، فمن ذا الذي سيعيد ني الى اليابان مرة اخرى، حلم هو هذا الذي اعيشه، مشيت مندهشا أنظر أولئك البشر، اتفحصهم من قمة اعلى شعرة في رأسهم الى كعب حذائهم، وددت ان اعرف ولو واحدا من الاسرار التي جعلتهم يهزون العالم بلا سلاح بينما تهزهم الزلازل، لحظات لا تنسى وسأموت دون ان تتكرر عليّ، نفوس طوكيو وحدها كان اكثر من (20) مليون نسمة، وتقع طوكيو في جزيرة كبيرة هي واحدة من (3000) جزيرة تكون اليابان، طوكيو خيال من عمارة وجسور معلقة وضخمة، خيال من انفاق رهيبة تجري بها قطارات تنقل الملايين بتناغم ثوان، شوارع طوكيو لا نهاية لها، ارصفتها تنقل المشاة وراكبي الدراجات الهوائية، ولا تخلو زاوية في المدينة من كراج هذه الدراجات، الغني والفقير، الكبير والصغير، الرجل والمرأة، الاغلبية تنتقل بالدراجة الهوائية، اجواء طوكيو كأجواء بغداد ايام الربيع بينما تمتد في سما ئها، شامخة في كل الفصول، ابنية لم يطل نظري نهايتها، طوكيو مالا نهاية من اسواق ومحلات تلمع بزينتها وانارتها ليلا ونهارا، الالاف تتدفق في اسواق مزدحمة، فرادا وجماعات، لا احد له علاقة بالاخر، لا احد يراقب الاخر، ولا احد يصدم كتفك فان حدث هذا تأكد ان الذي صدمك ليس يابانيا . الاشجار والخضرة تراها اينما تلفت، واتحدى ان تجد شجرة مائلة في اليابان، فالشجرة تراعى وتقوم ميكانيكيا لتكون منتصبة دائما ..

 

مطاعم طوكيو جمعت ثروة البحر كلها، احيانا افكر واقول ربما يكون تناول اليابانيين لهذه الحيواتات البحرية هو احد اسباب تميزهم في العالم، لكني اتراجع عن هذا الاحتمال عندما استدرك بلدانا كثيرة يتعاطى سكانها نفس الثروة الغذائية لكنهم ليسوا كاليابانيين !!

 

اخترت مطعما للـ (كنتاكي) وكانت مشكلتي فيه انه لا يقدم خبزا او صمونا، وكيف لي ان اشبع او اتلذذ بالاكل دونهما ؟! علما ان الاسعار عالية جدا، ومعروف ان اليابان في مقدمة اغلى دول العالم معيشة ويكفي ان اذكر لكم اني حينها وجدت ان سعر الصمونة الصغيرة يعادل نصف دينار بالعملة العراقية بينما كان سعر الصمونة في بغداد (10) فلوس .

 

رجعت ليلا الى غرفتي، شغلت مذياع سريري وبقيت ادير مؤشره عسى ان احظى بصوت ينطق كلمة بغداد المظلومة، بنت بابل عاصمة بناء الدنيا، بغداد الغارقة في ظلمات الحروب، فشلت مثلما فشلت طيلة النهار والليل في سمع صوت منبه سيارة (هورن) في مدينة (20) مليون انسان.

نمت لاستيقظ من حلمي .

الباقي من الرحلة امتع .

 

نبيل قرياقوس

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1592 الثلاثاء 30 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم