أقلام حرة

كيف تُمحى مخلفات عقلية البعث في العراق؟ / عماد علي

من المشابهين لما انتموا اليه او من وريثيه على الارض لم نتيقن لحد الان من استئصال مخلفاته وترسباته، ومن يحمل بذور تلك الافكار وهو مستمر على تلك الافعال ويتبع سلوك تلك التجربة المشؤومة نفسها والتي لا يمكن تسميتها بالحزب او مؤسسة، وبالاخص منذ تسلم الدكتاتور البائد راس السلطة بشكل رسمي، ان قيمناها علميا وبشكل قاطع.

لو اعدنا النظر وبعين محايدة بعيدة عن التحزب والافكار والعقليات المنتشرة هذه الايام في هذا التركيب الذي يمكن نسميه فرضا الحزب وهو تجربة شاذة لا مثيل لها من قبل ولن تكون مستقبلا في اية منطقة في العالم، وما كان عليه منذ البداية وهو يتسم بوجود مجموعة من الكتل المتنفذة والتيارات والتوجهات والمحاور المختلفة بعض الشيء في تركيبته وكينونته من الداخل، ومحاط باكثر من قوة متنفذة جماهيريا على الاقل نسبيا كالحزب الشيوعي والاحزاب الكوردية في مراحل معينة مع تيارات هنا وهناك. نرى التحولات التي جرت على بنيته وتغيرت ملامحه من تركيب شبه حزبي وفيه شيء من الضبط والربط الحزبي  الى تجمع شرذمة من المرتبطين مع البعض لاجل مصالح شخصية بحتة.

منذ اعتلاء الدكتاتور الموقع بدا بتصفية من كان يمتلك شيئا من القيمة بحيث يفكرويدفعه ان يقف يوما بكلمة امام رغباته، وحادثة قاعة الخلد دليل قاطع على نوايا الدكتاتور منذ البداية، وعند تفرغه من مهمته الداخلية بشكل كامل واطمئنانه على تصفية الحسابات بدا بما حوله من محاربة القوى الاخرى واكتمل المهام ايضا وفرغت الساحة الداخلية العراقية بشكل واسع لتحقيق رغباته الخبيثة وبهذا سيطر على العراق ومقدراته ومصير ابنائه بمساعدة حفنة من الاميين وباموال النفط، والبعث كهيئة واداة لتحقيق الاهداف الشخصية الضيقة، ولم يكن اعتماد الدكتاتورعلى (الشقاوات) اعتباطيا بل نفذ ضد مناوئيه ما لا يقبله العقل بهم من القمع والقتل والارعاب والتخويف والتعذيب باعتى الاشكال مالئا افواههم باموال النفط.

لو نبشنا في تركيب هذا الحزب لم يبق فيه في مراحله الاخيرة من يمكن ان يشار اليه بانه فيه من السمة والمميزات او صاحب فكر او فلسفة او ايديولوجية معينة، بل مجموعة من الاهل والاقارب وابناء العشيرة والقبيلة والمتملقين، وبهم سيطر على كافة مفاصل الدولة الرئيسية، وهناك من الارقام او الاسماء الصورية الذي طرحهم الى الاعلام كلما احس باحتياجه اليهم، لا يسعنا ذكر اسمائهم هنا ومنهم من ندم او لم يتحمل كثيرا وهجر ومنهم تلقى الضربة القاضمة بعد ان صحى ضميره بعد مدة.

اما من حيث الفكر والعقيدة والايديولوجيا التي كانت تربط بالبعث ظلما وبهتانا لانه تفرغ منها بعد فرض الدكتاتور نفسه عليه،و تبجح به هذا الحزب في بداياته ولم يكن الا تجربة مقززة وخلط ومزيج من مظاهر الحداثة وقشرة علمانية على الظاهرايضا  مع الانحراف والتزييف واستغلال الدين لجوانب سياسية في نهاياته.

اي لا يمكن وصف هذه التجربة الخبيثة التي خلط فيها المظهر العلماني مع الدين والايديولوجيا مع فلسفة بانها ليست الا خلطة (التضليل الفكري الايديولوجي) كما اشتهاه الدكتاتور، وكل هذا من اجل مصالح شخصية بحتة، لذا لا يمكن تسميته بالحزب او تيار وفق المقومات الاساسية للحزب والاسس العلمية المطلوبة لها.

اعتمادا على المستلزمات المتوفرة لديه، تبنىالدكتاتور العديد من الشخصيات الضعيفة والمهزوزة التي لا يمكن تسميتهم الا بالخدم، وسيطر بهم على الدولة العراقية واقنعهم بتلبية المصالح الخاصة لهم ووفر لهم من مستحقات الشعب العراقي، بينما عامل الشعب كقطيع وهو يفعل ما يشاء ويعامل المعارض بالحديد والنار وكان مصير من يئن غياهب السجون او الاعدام، واشعل الحروب وراح ضحيتها الكثير الكثير. وساعدته على هذه العملية الطويلة اللاانسانية كما نجح فيها الظروف الدولية وما كانت عليه العالم من الحرب الباردة، وفيها فسحت المجال للتلاعب بالدول المعنية، والمصالح منعت التكلم او الاعلان عن اي سوء يتعرض له الشعب استنادا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان بما فيهم العراق.

استمرارية هذه الحال طوال اكثر من خمس  ثلاثين سنة افرزت شخصيات تتمتع بهذه المواصفات والعقلية والفكر ولا تمتلك غير هذه الاعمدة الخبيثة التي تبنتها الدكتاتورية، سوى كانت في ادارة الاحزاب او الدولة بمفاصلها المختلفة، وتركت هذه المرحلة اثارا ومخلفات من جميع النواحي على الشعب وما فيه ووفرت ارضية مناسبة لانتاج تلك العقليات وادامتها، وهم بذاتهم الذين يتعاملون مع الواقع الجديد بعد سقوط الدكتاتورية بالروحية والعقلية والسلوك والنظرة ذاتها ولم يتعلموا من التغييرات العالمية والنظام العالمي الجديد وما افزتها العولمة الا القليل، فلازالت عقلية الانقلابات والبيان رقم واحد مسيطرة على تفكيرهم، وهم يحاولون لهذا بطرق شتى ان توفرت امامهم فسحة ومجال ما، والى اليوم يفكرون بالشكل المطلق كما كانوا ولم يعلموا مفهوم الحوار وكل ما يؤمنون به هو الغاء الاخر غير الموافق معهم، ويعملون على انهائه بكل السبل والاشكال، وبنفس الذهنية الدكتاتورية ينظرون الى حياة الجديدة ولم يتعظوا ابدا لا بل يعتبرون المرحلة مؤقتة مؤملين العودة ويتربصون فرصة لاستغلالها لضرب هذه الجربة والهامش من الديموقراطية الموجودة وبدعم اقليمي وبعفل نابع من المصالح الضيقة التي تبث السموم من قبل هذه الانظمة في المنطقة وتعتبر الديموقراطية مزلزلا لكيانها لو اقتربت من باب دارها.

اليوم نتلمس مخلفات وترسبات وعقليات شبه ميتة تريد احياء تلك التجربة البغيضة بحجج ومبررات واعذار واهية مستغلين الديموقراطية والمستوى الثقافي العام والديموقراطية لضرب البلد والديموقراطية بنفسها مستندين على ذات الاركان والاعمدة والقواعد والفكر والعقلية التي تبنتها الدكتاتورية المقبورة ويحلمون بفرض ما يمكن ان يعيد بنا الى الماضي، واليوم نراهم مستخدمين المال الخارجي والامية المتفشية وكياناتهم التي سمحت لهم الديموقراطية بتاسيسها.

من اجل عدم الدخول في النفق الضيق الذي يصعب فيه محاربة هؤلاء والعمل على استئصالهم وقطع دابرهم بشكل نهائي لابد الحذر والعمل الدؤوب على محو ما خلفها البعث وقطع الطريق امام احيائه بشكل وقشرة اخرى وبنفس الجوهر واللب. ويتم ذلك من خلال منع بناء تركيبته المعروفة والا يسمح لمن يحمل تلك الذهنيات ان تصل يدها الى تلك المقومات التي تقف بها في بناء تيار او حزب كما كان . ومن جانب اخر على المهتمين تفسير وتوضيح ما كان البعث عليه للجيل الجديد وخير وسيلة هو  رفع المستوى الثقافي والوعي العام وتوفير الخدمات العامة لعدم فسح الطريق لاستغلال ولو ثغرة من قبلهم، وكلما قلت نسبة الامية ضاقت الطريق وقلت نسبة واحتمال انبعاث تلك المخلفات وعندئذ يمكن استئصال البقايا من جذورها. وهو خير ما نعمل من اجل تامين الحياة الحرة الكريمة والديموقراطية الحقيقية والمعيشة الصحيحة لابناء شعب العراق المغدور، وعلى الجميع وخاصة الخيرين من الوطنيين عدم التغفل عما يجري والا العواقب لن تكون مضمونة .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1593 الاربعاء 01 /12 /2010)

 

في المثقف اليوم