أقلام حرة

دلالات النقاط المشتركة بين هوية الفيلية والشبك / عماد علي

ما جرى في الحقبات الغابرة بتحليل المتوارث منه، ويمكن تحديد المؤثرات التي تكون سببا للتحولات البارزة التي اثرت على التركيبات فيه، ولكن عندما تكون العملية بطيئة وجارية في مراحل طويلة الامد سيكون الزمن هو العامل الحاسم في نسبة التغييرات التي تحصل ولن تكون واضحا للعيان في حينه، اي التغييرات والتحولات واحيانا القفزات في الشكال والطبيعة وبامتداد الوقت تصل وتتعمق الى الجوهر، ربما لا تكون محسوسة في وقته، فيحتاج الى جهد وعقلية لاعادة الامور الى نصابها.

انطلاقا مما سبق وليس نابعا من اي ايديولوجيا او تعصب او انحياز، يمكن دراسة واقع الكورد الفيلية والشبك في زماننا هذا، ان الموقع الجغرافي للمكونين الفيلي والشبك يعتبر من اهم الابواب التي يمكن لاي باحث الدخول الى عالمهما وبيان النتائج العلمية الصحيحة حول هويتهما ومن ثم اعلان الراي والموقف استنادا على الواقع وبدلائل مقنعة.

الكورد الفيلية كموقع جغرافي يعيش في جنوب كوردستان وعلى جانبي الحدود العراقية الايرانية وبمحاذاة قوميتين سائدتين هما العرب والفرس ومنتشرون في المدن المشابهة في التركيب والشكل، فالمدن خانقين وجلولاء ومندلي وبدرة وجصان وحتى النعمانية والعزيزية قريبون جدا فيما بينهم من حيث الخصائص والسمات والتركيب  على الرغم من ان بعضهم اكثر التزاما باصالتهم نتيجة قربهم من العمق التاريخي لقوميتهم الكوردية وبُعد المؤثرات والضغوطات الخارجية شيئا ما عنهم وافساح المجال لهم اكثر من غيرهم لاسباب ذاتية او موضوعية ليس مكان لذكرها هنا، وهذا ما ادى الى بقاء شدتهم وعزمهم في الارتباط بالبعد القومي على الرغم من وضوح تاثيرات الثقافة العربية على كيانهم في هذا الجانب من وطنهم . اما في الجانب الاخر، فنرى مدن كرمانشاه وعيلام وخوزستان، فان الثقافة الفارسية وتداعياتها وقربها الشديد عن الكوردية تدخلت في صب المؤثرات على التغييرات الحاصلة في حياتهم وطبيعتهم، فان كان للجانب العراقي دور كبير كمؤثرات اللغة او العادات او التقاليد التي اكتسبوها او دخلت اليهم بشكل من الاشكال، فان الجانب الايراني كان له التاثير الديني المذهبي الواضح المعالم عليهم، ولذلك نرى اختلافا واضحا فيما بين جانبي الحدود بشكل معين لو دققنا في خصوصياتهم وطبيعة معيشتهم بشكل كبير، والجانبين من اصل ومكون واحد على الرغم من تسميتهم في الجانب العراقي بالكورد الفيلية وفي الجانب الايراني باللور او الكلهور.

اما الشبك فهم يشكلون هلالا واضحة المعالم حول مدينة الموصل ومتواجدون في تلكيف وشيخان وحمدانية وباشيك وبرطلة وحتى الكوير، اي جغرافيتهم مرتبطة ايضا ببعضها كما هو حال الفيلية الا انها تقع بمحاذاة العرب فقط دون الفرس مهما قيل عن مجيئهم من سفوح جبال زاكروس وانهم انتشروا في سهول وسفوح جبل مقلوب، لذلك نجد ان التاثيرات البائنة على محياهم المظهري نابع من جانب واحد فقط، والضغوطات التي تعرضوا  لها اشد واقوى من الكورد الفيلية من ناحية محاولات تغيير معالمهم  وبزمن اطول، وهل رضخوا لها ام لا فهذا كلام يراد التعمق فيه من اجل بيان الاصح وفق الابحاث العلمية. ولكن الكورد الفيلية تعرضوا للابادة والمسخ وطمس الهوية في مدة قصيرة جدا نسبة الى الشبك.

النقطة السلبية المشتركة المساعدة لنجاح فعالية المؤثرات على كيان الاثنين معا هي موقعهم الجغرافي لهم وهم بمحاذاة الشعبين وفي الاطراف ولم يكونوا في العمق مما سهل من مهمة المعادين لهم في جميع الجوانب، وكانوا نقطة فصل بين عمقهم القومي مع القوميات السائدة والمسيطرة واصحاب الدول والهيمنة والقوة، وهذا ما كان العامل المساعد الاخر في التاثير فيهم من حيث الفكر والثقافة والطبيعة الاجتماعية  والاعتقادات والطقوس والعادات والتقاليد.

كان للحكم الجائر في العراق في تاريخه الحديث اثاره السلبية عليهم اكثر من غيره، لكثافة الضغوطات في فترة زمنية قصيرة ولمراحل عديدة والتي استغلوا فيها تشتتهم، ومما نستنتج كيفية تغيير المعالم والمظاهر فيهم، الا ان الاصالة والايمان المعمق باصلهم وعقلياتهم وافكارهم لازالت العامل الهام في بقاء تعلقهم بقوميتهم واصولهم وهو العامل الرئيسي الحاسم لازالة الرواسب والبقاء على الاصالة في تركيبتهم الحقيقية مؤمنين بالانسانية والتعايش واحترام الاخر.

فان كان للجغرافيا دورا سلبيا عليهم فان الحكومات المركزية والسلطات القمعية والسياسات المتبعة من قبلهم ومحاولات تغيير الهوية وطمس الكيان زادت الطين بلة فيهم وتمكنت هنا وهناك في ضرب وحدتهم، وكانت للدكتاتورية البعثية في المرحلة الاخيرة اسلوب فضيح في الضغط عليهم وبحجج واعذار واهية محاولا طمس هويتهم الخاصة والتي لا تختلف عن الهوية الكوردية الاصيلة باي شكل كان، ومن المفرح ان نقاط الالتقاء اكثر من الاختلاف في جوهر ومكنون تركيبتهم، وما تاثر بهذه الضغوطات هو المظهر فقط.

اما الاقتصاد الذي يعتبر الركن الاساسي في بقاء هوية اي مكون، فانهم حوربوا في هذا الجانب ايضا، وكان للعملية التي تعرض لها الكورد الفيلية من الاثرياء  التجار والمسيطرين على مفاصل التجارة في بغداد اهداف في هذا الجانب وكانت بحق قرصنة بايدي حكومة مركزية، وارادت به النظام القمعي الضرب في العمق من اجل خذلانهم وبقائهم تابعين، ومن ثم اكمل الجريمة بتسفيرهم وترحيلهم بعد الابادة الجماعية التي تعرض لها شبابهم وشيوخهم.

فان كانت هذه من العوامل السلبية المؤثرة على وحدتهم  الا ننا نجد ما يبشر بالخير في اعادة عافيتهم نتيجة تشخيص المصاعب ومحاولة ازالة الصعوبات امام اعادتهم الى ماكانوا عليه من الكيان النظيف النشط وهم يحملون روح الالتزام بجواهرهم واصالتهم ويتمتعون بثقافة ووعي يمكن ان تفيد الكيان الكوردستاني بشكل عام، ويجب ابتداءا اعادة مياههم الى مجاريها وقطع دابر المؤامرات التي تحاك ضدهم وما يتربصون من استغلال الثغرات التي بناها الحكومات المركزية المتعاقبة في كيانهم.

اهم العوامل التي يمكن ان يتفائل بها الباحث ويستند عليها هو ارتباط هاتين الشريحتين بالارض التي ولدوا  وترعرعوا فيها وبقاء تلك الروابط النفسية الروحية القوية بينهم ومع ابناء جلدتهم  من الكورد على العموم وبقاء حس الانتماء الى المجموع وعدم نسيان التاريخ، والثقافة المتراكمة تبقيهم دون تغيير جذري والهوية المشتركة ونقاط الالتقاء اكثر من الافتراق، وبعد مسح  العقبات التي بنيت امام تقدمهم من قبل النظام الدكتاتوري  الذي مارس عليهم ما شاء، ستعود العافية الى كيانهم وطبيعتهم ومعيشتهم كما يعلمنا التاريخ العميق لهم .

النقاط المشتركة بين الشبك والفيلية سوى كانت ناتجة من مجريات الامور التي تعرضا لها  ام من طبيعة المكونين وجوهرهما وبنيتهما فانهما يدلانا على انهما ضمن النسيج الكوردي الاصيل والزمن كفيل لاعادة موقعهما والعيش على ارضهما بسلام وامان، وما يُسمع من النعيق هنا وهناك حولهما ليس الا صادرا من بقايا وحاشية الدكتاتورية البغيضة. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1594 الخميس 02 /12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم