أقلام حرة

مخاضات ما قبل الهوية / حافظ آل بشارة

 الذي تلعبه العولمة الثقافية كتحد جدي للهوية الحضارية للبلدان والاثنيات المستهدفة في العالم الاسلامي، ولكن ثبت عمليا ان هذا التيار الاستعراضي لا يمكن ان ينتج حلا للازمة، حتى ان النقاشات التي تتناول اشكالية الهوية تبدو في بعض بلدان العالم الاسلامي سابقة لأوانها، هناك حلقة مفقودة في سياق الموضوع وهي حلقة العثور على الذات الاجتماعية قبل العثور على الهوية، وتتألف ذات أي مجتمع من مكونات أولية ليست ذات هوية خاصة يمكن تسميتها بمكونات ماقبل الهوية ومنها منظومة المفاهيم المشتركة بين الشعوب والامم وتحتوي في تفاصيلها الحد الادنى من القيم الاخلاقية والمثل الروحية وقواعد التعايش والاندماج والتضامن الفاعلة مما لا يحتمل الخلاف او التناقض والتي تخص البشرية وتميزها عن بقية المخلوقات، فالانسان قبل ان يحدد هويته الدينية او العرقية يسأل نفسه هل هو انسان بالفعل وهل استكمل تلك الصفاة التي يستحق بها الفوز بتسمية الانسان ؟ وكيف يثبت انتماءه الى الانسانية ؟ وبعد الوصول الى الحد الادنى من الانسانية يمكن طرح اسئلة الهوية لذا فهذا الموضوع يزدهر في المجتمعات التي بلغت مرتبة (الامة) وهي المجموعة البشرية المتماسكة ككيان واحد وقد حققت تراكما تاريخيا في الوحدة والتضامن، حيث تصبح مؤهلة لتشكيل ظاهرة الهوية الواحدة، وتستطيع ان تدرك فورا ان كان لديها خلل أو تهديد للهوية . وهنا يأخذ الموضوع بعدا جديدا فالعنصر الاكثر تاثيرا في نمو المجتمع وتماسكه نوع نظام الحكم السائد، كانت الدولة ظاهرة ايجابية ومصيرية في حياة المجتمع البشري، لكن النظام الاستبدادي جعل دور الدولة سلبيا وخطيرا، فهيمنة الطواغيت لمدة طويلة على شعب من الشعوب تنتج نوعا من العبودية المنظمة، فيفقد المجتمع الحرية والاسترخاء والأمن والكرامة فيتفكك وتزول صفته كمجتمع فهو أقرب الى كونه تجمع مازوم من الاسرى وبؤرة لنمو الانحرافات الأخلاقية والنفسية التي تزيده تشتتا ليعيش مرحلة ماقبل المجتمع وما قبل الهوية، وقد يتستر الحكام ويمارسون تغطية متواصلة لمظاهر التدهور ورسم صورة مغايرة للواقع، ولكن المشكلة تظهر بحجمها الطبيعي عندما يتم يتغير نظام الحكم بعملية مفروضة من الخارج فيكون الشعب في هذه الحال مهيئا لقبول مستبد جديد وحتى اذا كان التغيير ايجابيا فلن يلقى تعاونا واعيا من قبل الناس ولن يوفروا له الغطاء الشعبي اللازم بل قد يرفض بعضهم التغيير ويبدي حنينا الى نظام العبودية السابق، ولكن اذا حدث التغيير من الداخل عبر الثورة نتيجة تحول تدريجي وظهور قواعد وهيئات اجتماعية تتبنى الثورة فذلك يعني ان ارادة الامة هي التي اصبحت تتحكم عبر تيار معكوس وهي التي تصنع الدولة والسلطة، والمشروع السياسي الذي يسانده الجمهور دال على وجود مجتمع حقيقي بدأت تتوفر لديه عناصر الانتماء الى الانسانية وهو مؤهل لكي يتصدى للاسئلة الكبرى ومنها سؤال الهوية لكي يحدد من خلالها اطاره ورؤيته ورسالته بوضوح .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1597 الاحد 05 /12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم