أقلام حرة

الكورد بين مصالحة التاريخ ومخاصمته / عماد علي

شامل لمجرياته كما يحدث اليوم، ولديه من الفرص المتاحة امامه بشكل كبير، وهذا ما يقوده الى تبرير ما تخلل تاريخه من كافة الجوانب  الثقافية السياسية الاقتصادية الاجتماعية، وبدوره يمكن قبول ما مرَ به طوال التاريخ والدفاع عنه او رفضه واعتباره طارئا عليه وليس من نتاج العمليات المتفاعلة اثناء جريان الحقبات المختلفة له جراء التغييرات الحادثة فيه او نتيجة احتكاكاته مع ما فرضه الاخرين عليه او استورد اليه بطيب خاطر .

الواقع الحالي يفرض عليه اثارا بالغة بشكل عام اثر تداعيات ومعطيات الثقافات العالمية والتطورات العلمية وبالاخص ما يتميز به وضعه في كوردستان العراق الذي يعتبر امتيازا نوعيا يدفعه للاحساس بالنخوة والتعامل مع المرحلة الحالية بعقلانية وبامكانه استثمارها من اجل قراءة التاريخ لاغراض متعددة، والهدف هو المصالحة وانهاء القطيعة الطويلة والمخاصمة وجلد الذات على الخطا المرتكب ومن اجل بناء الروحية الايجابية في اراحة الضمير والنفس السوية لتخطي الصعوبات وازاحة العقبات في طريق تمازجه مع الموجود والحفاظ على الخصوصيات لاثراء الثقافة العالمية المنتشرة ايضا وليس الذاتية او المناطقية فقط، وللاسف هناك من يصارع ما تاتي اليه دون تحليلها ومعرفة جوهرها ومدى تلائمها مع الموجود وهو مغمض ووقوفه ضدها نابع من التعصب فقط، والذي لا يمكنه الصمود امام عاصفة الافكار والثقافات والعقليات الانسانية المنبع والهدف الى الابد.

ان الارضية المتوفرة في كوردستان تخول الشعب للتساؤل عن النفس، اي عن الماضي والحاضر واستشراف المستقبل وفق استشفاف الاجوبة للاسئلة المتراكمة حول قضاياه والحوادث التي مر بها عبر التاريخ وما توصل اليه ومافيه اليوم.

الخير يدله دائما الى الترفع والتماس الاعذار الحقيقية في الاختيار لكل مرحلة وعما حصل له من قبل وما يفرض نفسه لو فكر بعقلانية، وما يتوصل هو عدم الانزلاق في بركة الانتقام والتعصب والمحاسبة، وهذا لا يمنعه البحث عن النقاط السوداوية وما يمكنه ان ينبش وينخر الذات ويبعد الحقد والسلبيات عن تفكيره ويتلقف النقاط المضيئة من تاريخه والاسترشاد بها.

ان كان حتى الامس القريب مركونا في الزاوية الدفاعية اما اليوم له الامكانية والقدرة في الغوص في كافة الجوانب، وان كان حلمه موؤود في الامس فاليوم امامه الكثير من الفرص للانتعاش وما يساعده على ذلك هو امتداد ووصول الثقافات الاممية الى الحال التي نعيش فيها وما احتكنا به من الجوانب الايجابية للعولمة والتقدم التكنولوجي الذي يساعده في الخوض في ما تعنيه من اجل اغناء ما لديه من الثقافة والفكر والفلسفة العامة.

النقطة الهامة في الامر لدى الكورد في كوردستان ويجب التعويل عليها هي الاحساس بالوحدة والمصير المشترك بين مكوناته وما يحتاجه هو توحيد الجهود من اجل التقاء الثقافات التي تثري ما لديه ضمن كيانه المقسم او مع الاخرين. والاهم هو التحلي بالصبر وقوة الارادة في استسهال القضية والاحتكام الى سلطان الفكر والعقل في تظفير العمل للاتحاد وتوحيد الكيان المتشظي وما يهدف اليه الجميع واضح وشعاراته ساطعة رغم العوائق التاريخية والحواجز الموضوعية، واخصاب التاريخ له تاثير مباشر وكبير على اخصاب العقل، ويمكن ان نستدل بتفعيله على المفيد ونختار ما يجب ان نتالق بشانه والذي يفرض نفسه وما يمكن ان نختلف فيه وليس ضيرا للقضية بشكل عام بل يمكن الاستفادة منه.

من اجل الدقة في بحث الثقافة عبر التاريخ يجب علينا اقتفاء مجرى التاريخ بما فيه وعدم السباحة عكس التيار فيه، من اجل اصابة الهدف السامي وهو مصالحته والابتعاد عن مخاصمته التي تضر بنا كشعب ووطن.

يمكن تركيز وتكثيف الجهود على قراءة الاختلاف الثقافي مع الاخر وانه لفيه العبرة لمن يريد اذابة الثقافات مع بعضها وازالة السلبيات الناشئة من عملية التفاعل والتمازج، ولا يمكن تحقيق ذلك الا بذات الثقافة ذاتها وليس بفعل السياسة كما يحدث اليوم في اكثر البلدان النامية لانها ستتصادم مع بعضها في اية لحظة ان اختلفت في المنشا والاصل والجوهر كما هو الحال لكل ثقافة مختلفة مع الاخرى، ولكن بترابطها بروابط ثقافية عامة التي تخص الجميع نبعد عنها التداعيات والافرازات السلبية المؤدية الى شللها ذاتيا.

اما اسهل الطرق بعيدا عن السياسة ومتطلباتها تكمن في الاهتمام بالخطاب الثقافي الفكري العام ومن دون حصره بمنطقة او جزء ومن ثم محاولة نشر الخطاب التوحيدي وقراءة مدى تاثيره وتاثره بالخطابات السائدة وباشكالها المختلفة وما نقطة الملاقاة بينه وبين ما يرتبط بكوردستان بشكل عام .

المصالحة الحقيقية الواعية النابعة من الاحتذاء بالنفس والايمان بالقدرة الذاتية والثقة تبدا ببدء القراءة الواعية للتاريخ ومجرياته وتكثيف الجهود لايجاد سبل الخلاص من ظواهر التبعية والخضوع والخنوع المزروع في نفسية المعروض للبحث، وهذه القراءة لن تكون مجردة وباحثة عن الايجابيات فقط بل يجب ان ترافقها مواقف نقدية حيال ما جرى فيه من الاحداث السلبية المتخلفة، وان ظهرت لدينا مجموعة من التناقضات، لكن يجب ان تستغل التباينات الموجودة سبلا لاغناء الثقافة العامة ووسيلة لخصبها وليس طريقة لتمزيقها او تفريقها. ويتم ذلك،اي الغور في تلك البحوث بالعمل على ارض الواقع والابتعاد عن الوعظ المستنبط بالارشاد والنصائح، وتحليل الواقع والاحداث التاريخية علميا لبيان نقاط الضعفف وتشخيص الخلل المرافق للاحداث.

اما اليوم وما متوفر فيه، الواقع يحثنا على قراءة التاريخ على ضوء الوعي الجديد وما تفرضه الحداثة في الفكر والتحليل وتقييم التاريخ وتفسير الزمن والمرحلة لكل حادث من اجل الدقة في الاستنتاج، ويكمن ذلك في فكر وثقافة متوحدة ليكون اساسا لوحدة الامة والدعامة الرئيسية لها.

بعيدا عن التعصب والانانية، يجب ان يكون خطابنا نبيلا سمو المقصد نابعا من الوعي والادراك مستندا على القيم الانسانية كمسؤولية حضارية وتاريخية لكافة الشعوب في الوقت الراهن.

و من هذا المنطلق يمكننا ان نتصالح مع ذاتنا ومع الاخرين ومواكبة  العمل بداية بنبش التاريخ محاولين توسيع الثقافة العامة لرفع منزلتها لدينا من اجل ترقيتها  وموائمتها مع المستجدات والاخذ بعوامل النهضة السريعة بعد المصالحة التاريخية التامة المقنعة المستفيدة من مجريات التاريخ وتداعيات المراحل المتعاقبة فيه، ويجب الاصرار على تكثيف الجهود لضمان المستقبل من كافة جوانبه الثقافية الاقتصادية الاجتماعية، والمهم هنا ومن الواجب اخذه بنظر الاعتبار هو الحذر من عدم اتباع العامل الثقافي للعامل السياسي والسياسة كما يحصل اليوم وان لا تكون محكوما بها.

ما نشاهده اليوم من انشاء وزارة الثقافة هو وضع الاغلال في اعناق الثقافة وطمس هويتها واختناقها وتضييق حريتها ومحاولة تقيدها بعوامل سياسية وما تلمسه من تحاشي الكثير من الدول المتقدمة في انشاء هذه الوزارة لانها ابعد نظرا، وا بقت على ثقافتها طليقة وحصينة، وانها تتعامل مع الثقافة على انها الجوهر وليس قرار اجرائي وتمنع انجرارها وراء السياسة.

على الرغم من تجزئة كوردستان الا ان هناك اعتقاد بان التوحد الثقافي موجود فكثيرا ما يخفى وراء التعدد السياسي توحدا ثقافيا ولكن هذا ليس بضرورة  ولا يمكن العميم  به، فهناك ما يمكن ان نقول ان التوحد السياسي يكمن فيه تعددا ثقافيا ايضا. وما لمسناه في هذه الحقبة ان الهوية الثقافية لا يمكن طمسه بالكامل بالصراع السياسي او بفرض التوحد السياسي الغاصب، والدليل ما حدث فيما بعد انفكاك الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وما وصلت اليه حال الثقافة العامة  بين مكوناتهما والانشقاقات التي حصلت لها.

و هذا ما يدعنا الى ان نعتمد الثقافة قبل السياسة في الحفاظ على الوحدة والترابط بين مكونات الشعب وفي تنظيمه  وارشاده، وهذا لخيره وسلامته وتعايشه السلمي مع الاخر، ومن الاجدر بنا  التغاضي عن ما اضر بنا في وقته واخذ العبر منه خير عمل وعنصر هام لبناء ارضية للمصالحة مع الذات وبناء الثقافة والتعامل مع الاخر، وخير وسيلة لاعادة النظر في السلوك المتبع كشرط لنشر السلام والوئام بين الشعوب، والتلاقح الثقافي خير طريق لابعاد شبح ما تنتجه الخلافات والمخاصمات.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1599 الثلاثاء 07 /12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم