أقلام حرة

الشيوعيون وخطل الاساليب والتوقيات / سلام جمعه المالكي

لقد زهدت الكتابة في عالم لا يسمع فيه أحدنا الآخر وسادت فيه لغة التشكيك والتخذيل والشتائم وصار يخوض كل خواض، من الجاهلين بأبسط قواعد الكتابة وأدب الحديث، في سوح الجدال العقيم... فما عاد للكلم تأثير على مجريات الامور ايجابا. غير أن الحملات ألاخيرة التي أنبرى فيها جمع من المحسوبين على "مثقفي" الامة العراقية لرفع راية الحريات العامة وحقوق الانسان، لم تترك في قوس الزهد منزع ويبدو أن لا مجال لهذا الفؤاد الكليل أن يستريح.

من الواضح أن غالبية الأقلام الثائرة هذه الايام للدفاع عن الحريات العامة من خلال رفض اغلاق المنتديات والملاهي والبارات (على الاقل هذه الايام)، هم من ذوي الميول الشيوعية سابقا أو حاضرا،( اضافة لبعض الجهات الثانوية الاخرى المعادية لكل شيء)، وهنا أستحضر واحدا من أسباب فشل الشيوعيين في الوصول الى زعامة العراق أو اي من دول المنطقة رغم انتشار الشيوعية، أو المبادىء العامة لها ضمن قطاعات واسعة من قطاعات الامة العراقية وتحديدا في وسط وجنوب العراق وشماله حيث الاغلبية المهمشة والمظلومة التي رأت في تلك المبادئ، لحقب طويلة من تأريخ الامة، أساسا لرفع الحيف عنها والتوزيع العادل لمصادر القوة والثروة التي أحتكرتها سلطات بغداد ورموزها الاقطاعية في تلك المناطق. أشهد أن غالبية ابناء الامة العراقية كانت تعتبر الشيوعيين الاكثر ثقافة وامتلاكا لمضانها وأن الكثير من رموز شعراء وكتّاب الامة كانوا منهم أو من المتأثرين بخطّهم، غير أن ذلك لم يشفع لهم في الفوز على جماعة أعرابية ضحلة الفكر والمواهب والرؤى كالبعث الذي أستخدمت عصاباته فشل الشيوعيين في التخلص من الخيمة الروسية (حينها) مع ما علق بها من "الالحادية" التي لم ولن تتقبلها أي نفس من نفوس الامة العراقية المؤمنة على الفطرة بمختلف أديانها ومللها. بمعنى آخر، فأن الشيوعيين لم يفهموا قبلا مزاج الشارع العاملين فيه رغم سعة ثقافتهم واطلاعهم، فانهزموا أمام حزب الجهالة والتجهيل الذي عرف من أين تؤكل الكتف. ذاك في الماضي، فما بالهم اليوم.... مع كمّ التجارب والخبرات الميدانية، حائرين في ايجاد محل مناسب لهم في الساحة العراقية؟... مع كل ما تتمتع به حركتهم من أمكانات فكرية ومرونة لا تضعهم في خانة الحركات الدينية (بمختلف مذاهبها) التي لابد أن تتسبب سيطرة أحدها في استثارة الاخرى، والتي وان سادت في فترة الفراغ السياسي لاسباب ليس هذا محلّها، فلا أظن أن سيطول بقاؤها بنفس الزخم والقوة، ولا هم ضمن خانة الموتورين من الاعراب والقومجية التي بانت عوراتها ومطامعها الدموية الحالمة بحكم الحديد والنار مجددا.  مرّة اخرى تقع تلك الحركة واتباعها أو المتماهين معها، في ذات الخطأ (وكأنه بات قدرا مقدورا عليها)، من ناحية توجيه الطاقات والموارد الوجهة المعاكسة تماما لنبض الشارع واعرافه وتقاليده العامة. يبدو أن "مثقفي" اليوم عاجزون عن فهم أن الامة العراقية وان كانت غير متدينة بالمعنى المتزمت المتطرف الذي تحاول قوى الظلام فرضه في مجتمعات اخرى، فأنها متدينة بالفطرة وأن الجميع، ملتزمهم والخاطئ، لم ولن يرضى عن شيوع الفجور والانحلال واجتراح الموبقات ضمن مجتمعاتهم، وبالتالي فان اتخاذ الاعتراض على غلق محال غير مجازة لبيع الخمور وملاه ضمن مناطق سكنية، شعارا للدفاع عن الحريات العامة خطل كبير لا أفهم كيف انجرت وراءه جموع من كتبة هذا الزمان كان بامكانها اختيار العشرات من الممارسات الخاطئة، حكومية وغير حكومية، شعارات يمكن من خلالها تحشيد رأي عام ضاغط ومؤثر...و الا فمتى كانت الامم تثور لمجرد السماح باشاعة شرب الخمور وشرعنة عمل الراقصات والملاهي؟ لو انتبهت تلك الاقلام الى مدى تأثير فضيحة "مونيكا" على مستقبل الرئيس "كلينتون" في بلد مفتوح كالولايات المتحدة الاميركية وفضيحة ساركوزي في بلد الليل والجن "فرنسا" لما طاشت سهامهم في بلد معتدل المزاج العام كالعراق...

وجه آخر من وجوه فشل حملات أقلام أولئك الكتبة، يتمثل في عمى اصحابها (وانما تعمى القلوب) عن الاساليب والطرق الصحيحة في التعامل مع الامور. لست أفهم لم عميت القلوب والالباب عن النظر للامور ضمن اطاراتها القانونية والتشريعية، حيث يمكن من خلالها البحث عن وجه قانوني للاعتراض أو الضغط من خلال القنوات الشرعية لتشريع قوانين لذاك الغرض بدلا عن حملات التشويه الفكري وتشتيت الرأي العام من خلال مهاجمة رموز لها وزنها وتأثيرها ضمن الاغلب الاعم من مكونات الامة العراقية..بل وزاد الطين بلّة، سوء اختيار التوقيت في هذه الاشهر الحزينة، التي تلعب دورا لا أظنه خافيا الا على الحمقى، في توجيه المزاج العام للامة وجهة أبعد ما يكون عن تقبّل مثل تلك الطروحات الضالة أصلا....و المؤسف أن جرّت تلك الحملات وآخرها حملة الدفاع عن اكذوبة غلق قسمي الموسيقى والمسرح في معهد الفنون، أقلاما معروفة كانت لها مقبولية واحترام بين الاوساط الثقافية دون التدبر والتحقق من صحّتها التي فضحتها الحقائق، فهل لتلك الاقلام شجاعة الفرسان في الاعتذار عن كبوتها؟ أنه لا يمتلك تلك الشجاعة الا النخبة، فهل سنسمع قريبا اعتذارات من (...)؟ أتمنى. 

      

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1601 الخميس 09 /12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم