أقلام حرة

إياكم وخنق الحريات .. هل هي حملة إيمانية صدامية / جواد وادي

بعد أن فاجأته عاصفة  التغيير وكأني بهم قد أداروا ظهورهم لحتمية التاريخ ومنطق الأشياء ومسحوا من ذاكرتهم محطات هامة ينبغي على كل متعقل أن تكون بوصلة له كلما عزم، هو ومن معه في اتخاذ القرارات والقيام بإجراءات بعيدا عن الشطط الخطير بإلغاء الآخر ممن لا يدور في فلكهم وتطبيق ما يرونه على من يغايرهم في الفكر والسلوك والقناعات فما الذي تغير في العراق الجديد إذا.عدنا القهقرى بعد سنوات التغيير التي ابتهج لها الجميع من العراقيين المظلومين.

وهل من المعقول أن من كان يعاني من تسلط الحكم الفاشي من خلال امتلاك عين واحدة للنظر بها إلى الأشياء والويل له أن يدعي أن له عينان لكي لا يتزحزح نظره قيد لحظة عما مرسوم له والويل لمن يسمح لنفسه لمجرد رغبة غير معلنة انه يغاير الفكر الواحد والرأي الأوحد والنظرة السديدة للقائد لان طريق الاستقرار الوحيد للنظام هو أن يعرف العراقيون أن لا بديل لهم سوى الالتزام حرفيا بما خططه القائد وزمرته ومن يروج لأفكارهم الرثة، هل من المعقول أن يتحول مظلومي الأمس كما يدعون إلى جلادين وبوسائل العن من السابق لأن المحو في ما مضى مكشوف أما الآن وعلى أيدي المحروسين من متسيدي الوضع في العراق فله ألف حجة وحجة تمثلا بالمثل القائل أن كنت تريد أرنبا فلك ما تريد وان كنت تريد غزالا فخذ الأرنب دون أن يمسسك أذى ولكن حذار من الخروج من الدائرة المرسومة لأنك ستغامر بكل شئ .

إنها الكارثة أن يأخذ شكل الحكم أوجه مغايرة في الرؤيا وتتوحد الممارسات على ارض الواقع من حيث التطبيق، وكأن من اتخذ قرارا بملاحقة العركجية ومن يروج للعرك ومن يساهم في تفشي هذا الوبال برأيهم يفسد الإيمان ويتجاوز على القيم الدينية ويقود العراق إلى الإلحاد وكان هؤلاء أتوا من كوكب آخر وكأنهم لم يعيشوا في العراق في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فمنذ تلك العقود وخلالها وما بعدها كان العراقيون على قدر كبير من القيم والمبادئ النبيلة والالتزام بالمواطنة وعلى قدر كبير من العطاء والإنتاج الفكري الذي كان قبلة لكل المبدعين العرب، وكان العراق يمثل مدرسة للإبداع الشعري والأدبي المتميز وجل هؤلاء المبدعين كانوا عركجية ولكنهم كانوا قدوة ومثال في المواطنة واحترام الدين والقناعات التي يحتكم عليها العراقيون وما كانوا يوما أبناء شوارع آو منحرفين أو مارقين، إنما ومن باب المسامرات الفكرية والثقافية التي كان أهل العراق يشهدون بعطاء منتدياتهم الإبداعية في شتى صنوفها والتي أفرزت ظاهرة أسست لتقليد ما زال المبدعون ينهلون منه وفي ذات الوقت كانوا حريصين على احترام الشعائر الدينية وطقوسها حتى وسط العائلة الواحدة وهل يجهل المعممون الجدد نقاء القيم النبيلة لهذه الشريحة من العراقيين قبل أن يشتتهم النظام الفاشي وبعد خراب العراق وبقي هؤلاء المفكرون العركجية أمناء لذات القيم والقناعات والمبادئ وما حادوا عنها وهم في معظمهم من رواد الأندية والملاهي الليلية ومحتسي الخمور التي عادت بعبعا للساسة المعممين ويقينا أن الأمر الذي بات يقض مضجع أصحاب الامتيازات الجدد ليس الحرام والحلال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها كانت منذ ظهور الإسلام وما أضعفت أو قوضت الإسلام إنما هو الخوف من الخروج عن طاعة الفقهاء والمعممين بعد أن بات القرار بأيديهم، وللعلم فان ليس كل من لبس العمامة هو ما نقصد بل اؤلئك المعممين بعقولهم وطريقة تفكيرهم حتى وفي طريقة تزلفهم للآخرين وهم يرتدون أفخر البدلات المستوردة من بلاد الإفرنج الكافر.

ولعلم هؤلاء ما هكذا يمكن الإمساك بسلطة القرار أو الحفاظ على حرمة الدين من الانحراف الذي يعتقدون أن سبب بلواه هو العرك، إنما الاستقرار السياسي والديني والمذهبي واحترام الحريات العامة وعدم التدخل في حياة الناس، وان لكل إنسان الحق في أن يختار طريقة العيش التي يراها،  تلك هي الأسس الحقيقية لبناء الدولة والإمساك بقيم التحضر واحترام الدستور والعمل على ديمومة الحفاظ عليها من الوهن وبالتالي يضيع كل شئ في حالة التمادي باسم الدين فقط في سبيل جني الامتيازات الشخصية.

من هنا يأتي احترام الناس للدين والمتدينين إن هم ابتعدوا عن فرض الفكر الديني بالقوة لان الالتزام بالفكر دينيا كان آم علمانيا هو مسالة قناعات والتفاني من اجلها شريطة قضية إيمان وحق مشروع لكل إنسان للتعايش المجتمعي المطلوب بتحاشي الاحتكاك بمن يغاير آو يخالف الآخر.

هذه مبادئ بناء دولة المؤسسات ليستقر الوضع السياسي من اجل بناء الوطن والإنسان بعد سني المحن والمرارات إبان الحكم البعثي المنهار وتسلط مليشيات القتل فيما بعد والكل ذهب لمزبلة التاريخ لان البقاء للوطني الأصلح فكرا وتحضرا واحتراما للآخر ولمن يعترف بآدمية الإنسان  ويتساكن مع الجميع رغم كل اختلافاتهم في الدين والعقيدة والمذهب والقومية مهما كان مركزه وسلطة قراره.

فهل يرتدع الجهلة ويستفيدوا من هذه العبر أم أن وراء الأكمة ما ورائها وما دام النهب مستمرا فإطالة الألسن وإيقاف رجاحة العقل بات ديدن اللصوص الجدد، المدافعون عن القيم باسم الدين وهو منهم براء وما خفي كان أعظم.

ما حز في نفسي هو ما جاء على لسان آية الله العظمى السيد اليعقوبي من مباركة لهذه الأفعال من تضييق للحريات، إنها الصدمة بعينها لأنني كغيري من الكتاب نعتبر المراجع الدينية هم آباء لكل العراقيين بغض النظر عن طوائفهم وانتماءاتهم، إنما ما قرأته، إن كان فعلا منقولا عن السيد اليعقوبي يعد نكسة كبيرة لان المرجع هو الخيمة التي تحمي كل العراقيين من عوادي الزمن وهو من يفصل وبعقلانية وروح التسامح في الاختلافات مهما كان حجمها للوصول إلى روح التعايش والمحبة وما جاء في كلمة السيد المرجع من سب وقذف واتهام الناس بالانحلال والفسق، لأمر يثير الحزن في نفوسنا حقا حتى وان كنا، أولا لا نحتسي الخمر بسبب الأمراض التي غزتنا وثانيا كوننا على مفترق طرق مع الفكر الديني لكننا نكن لهذه الشخصيات الدينية التقدير والمحبة لأنها وكما تعلمنا ذلك منذ نعومة أظافرنا هم من يرأب الصدع بين مكونات العراقيين مهما اختلفوا وغلق كل المنافذ للاحتراب بين العراقيين وإعطاء الذريعة لنحر البشر ولنا في ما قاله آية الله العظمى الراحل السيد محسن الحكيم بان الشيوعية كفر والحاد ليبيح للبعثيين من الحرس القومي شن هجمات الإبادة ضد هؤلاء الوطنيين الأحرار وذهب خيرة أبناء العراق المخلصين على يد القتلة البعثيين المجرمين.

يعرف الجميع أن كلمة المراجع الدينية ذات وقع خطير على نفوس البسطاء من الناس وتسري كما النار في الهشيم، الأمر الذي يدفع الرعاع لشن حملات لا تختلف عن حملات النهي عن المنكر وقد تسيح دماء بريئة ويذهب ضحايا، وهذا بظني لا يقصده المرجع الكريم ولكن إن بات الكلام سلاحا وحجة بيد من يتصيد في المياه العكرة فان الآمر يأخذ منحى غير الذي قصده السيد اليعقوبي.

أملنا أن يكون أصحاب الفكر الديني أكثر تسامحا ورزانة ورجاحة عقل لان هذه الممارسات من تضييق للحريات الشخصية سوف لن توصلهم إلى بر الأمان وستعود وبالا على الجميع لان الشرب سيستمر ولا يمكن إيقافه مهما عظمت الحملات الإيمانية على غرار حملات صدام الهوجاء بعد أن أفلس سياسيا وهذا غير خاف على معممينا الجدد بل ستزداد شراسة الإدمان وسينتعش التهريب عن طريق مافيات يتحمل مسؤولية تفشي هذه الظاهرة أصحاب قرار المنع أنفسهم ولعلهم هم من يتخفي وراء هذه القرارات لإيصال العراق إلى هذا الدرك وكأن مجلس محافظة بغداد أنجز كل احتياجات العاصمة الغارقة في الوحل والإهمال والبطالة والجريمة المنظمة وهلم مصائبا ولم يتبق أمام المجلس المبارك سوى الحملات الإيمانية التي ستقود الى انتشار البدائل االخطيرة الأخرى من حبوب الهلوسة والمخدرات لتكون نارا باردة على قلب من يبارك لقيادة البلد إلى هذا المنحدر الخطير من دول تتصيد للعراق كل المكاره والويلات والكوارث.

والعبرة لمن اعتبر

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1606 الثلاثاء 14 /12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم