أقلام حرة

نعمة الجهل عند المتنبي، غراي، المعري

فالغالب على هؤلاء أنهم ليسوا من الجهلاء أو السفهاء، بل هم عادة من العلماء والحكماء، فالذي دفعهم الى القول هو أختبارهم في ميادين العلم والفلسفه والشعر والاجتماع.

فقول المتنبي ان العاقل شقي بعقله حتى و لو كان في الجنه، وأن الجاهل سعيد بجهله أينما كان، صحيح في حالات كثيره لا ينكرها الاختبـــار.

فالعقل العامل يفكر وينتج الافكار والمشاريع والملاحظات، وهذه كلــــها لابدأن تتقابل مع نظائرها من نتاج عقول أخرى، وقد يحدث التقابــــل تآلفا، ولكنه أحيانا يحدث تباينا.

والتباين كما لايخفى يجلب التعب والهم، أما العقل الخامل فقلما يفكر أويحلم أو يلاحظ، فأيهما السعيد وأيهما الشقي؟

يختلف الناس في نظرهم الى هذا السؤال، فبعض العقلاء يقـــــولون أن العقل هو أن لاتكون عاقلا، فأنك ان كنت تعبت، وأن لم تكن استرحت.

 

وهناك اخرون لايدعون كثيرا من العقل لانفسهم، ولا يصح أعتبارهم من الجهل المطبق، فهؤلاءيقولون مع الشاعر الانكليزي غراي (من الحماقه أن تصطنع الحكمه حيث يعتبر الجهل نعمه).

فهذا القول يؤكد ضمنا الحكمه الوارده في قول المتنبي، ولكنـــــه أقـــل تشاؤما وأقرب الى الاختبار الانساني.

وليس معنى الجهل دائما عدم العلم، فمثلا عرف بعض الباحثين الجهل الذي كان فاشيا بين العرب قبل الاسلام، بأنه ضد الحلم لاضد العـلم، أي أنه يتعلق بالاخلاق لابالمعارف.وهو تعريف منطبق على حقيقة حيـــاة الجاهليه وماكان فيها من التفاخر والتنافس والتحارب، فالعــــــرب في جاهليتهم استجابوا لــــــــداعي العاطفه أكثرمما أستجابوا لداعــــــي العقل، فكانوا الى الغضب أكثر ميلا منهم الى التروي، والى الاخذ بالثار أسرع منهم الى العفو، والى العسر أقرب منهم الى اليسر.ولعل الجهــــل الذي هو عدم الحلم ناتج عن الجهل الذي هو عدم العلم، ولكن القاعـده ليست دائما مطرده، فقد يوجدالحلم في الجاهل غير العالم، وقديفقـــد في العالم.

وهناك نوع آخر من الجهل وهو التجاهل، وأليه أشار المعري بقولـــه اذ رأى الجهل فاشيا في عهده (تجاهلت حتى ظن أني جاهل) .والتجاهل فن من الفنون الرفيعه اذاأحسن أستعماله، فأذاكان المتجاهل( (سياسيا) يحب الى راي محدثه خلسة، كان التجــــــــــاهل مراوغه. اما أذا كان التجاهل عاده اجتماعيه يراد بها الاستزاده مـــــن الحديث السطحي السخيف، فهو مسبه، ولكن اذا كان التجاهل ناتجــا عن فشو الجهل بين الناس، فهو من المتجاهل اشفاق عليهم واحتقـــــار لشانهم وعطف عليهم في ان واحد.

لقد وجدت أحيانا أن المتنبي مصيب في ظنه، وأن غراي عمــــــــــلي في رايه، وأن المعري متعاظم في قوله، فكل منهم يريد الانسان أن يصــل الى قسط من السعاده والاطمئنان، فمن هم الذين أصابوا حظا اوفر :العقــلاء والحكماء، أو الجهلاء الحمقى؟

       

 

ناصريه.مدينة النبي ابراهيم الخليل(ع)

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1137  الاربعاء 12/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم