أقلام حرة

الانتهازية صفة يكتسبها الفرد في المجتمعات المضطربة

فهذه هي اهم الصفات العامة للشعوب التي تمرر الايام في ظل الانظمة القلقة غير المستقرة ولا تتسم باي شيء يقربها من المساواة والعدالة الاجتماعية والاطمئنان ولم تضمن الحرية وهي تُحكم في جو بعيد عن الديموقراطية الحقيقية والعلمانية والحداثة،و لم تتوائم الحياة فيه مع المستجدات التي تفرضها المتغيرات العالمية مرحلة بعد اخرى .

في ظل حكم ونظام لم يُعرف بعد اهم مبادئه الاساسية وخطوطه العامة ونوعه وابعاده واهتماماته واعمدته الرئيسية، وفي واقع متقلب بين لحظة واخرى ووضع اقتصادي غير امن او ضامن لمستقبل الفرد، وفي ظل البطالة المقنعة المنتشرة، وانخفاض دخل الفرد وعدم التكافؤ مع التضخم المستمر الحاصل في الوضع الاقتصادي، وفي وقت تاتي فرص متنوعة وان استغلت ستنقلب حياة الفرد راسا على العقب نحو الاحسن او في حالة فشله نحو الاسوء او الحضيض، وفي جو لم يعلم بعد المعالم الرئيسية للنظام السياسي الاقتصادي والفلسفة او السياسية الاقتصادية المتبعة بعد، وفي حالة يمكن ان نصفها بالفوضى والعشوائية في تمرير الحكم دون الاستناد على القوانين . هذا من جانب الظروف الموضوعية وما فيه المجتمع من المستوى الثقافي، اما الجانب الذاتي وما يتميز به الفرد من الصفات والاخلاقيات وما يؤمن من المباديء والعقائد والفلسفات ومدى التزامه بالعادات والتقاليد وما يتسم به المجتمع من المستوى الثاقفي العام ووضعه الاقتصادي وانتمائاته الفئوية والطبقية والشريحة والاسرة التي ينتمي اليها وترعرع في كنفها، كل ذلك من الظروف الذاتية التي تخلق الشخصية غير المستقرة للفرد ولم يستتب وضعه في اتباع مسيرة حياته بشكل مستقيم. وهناك من الصفات الوراثية المتنقلة من مرحلة لاخرى حسبما اثبتها العلم والتقدم، ولكن المكتسبة هي الاكثر تاثيرا في الاوضاع الحالية على حياة الفرد وفق ضرورة احتياجاته المصيرية التي لا يمكن المساومة عليها مهما زهد في معيشته وتعامله مع الحياة ومتطلباتها . وبين الفرص السانحة لانحراف الفرد من جميع النواحي والضوابط المتعددة الاخلاقية والادبية والثقافية والاجتماعية سيضطر لاختيار نوعية المعيشة التي توفر له ما يعتقد، ويختار ما بين المباديء والقيم والتزاماته حتى الرمق الاخير او يفلت منها في لحظة ويعيش خاليا من الضوابط، وان كانت الظروف العامة هي الاكثر ملائمة للفلتان مما للالتزام بالمثاليات، فان الانتهازية تنتشر كآفة بين افراد المجتمع بالاخص في المجتمع الذي غاب عنه فرض القوانين وانعدمت الطرق السالكة للمساواة والعدالة وعاش تحت ثقل الترسبات الدكتاتورية طيل هذه الفترة وما امتاز به من الفوضى والعشوائية والاضطراب لحد اليوم .

اذن الانتهازية والانقلاب على الذات ستصبح من صفات الفرد والمصلحة هي الداعمة والمشجعة لذلك المرض المعدي . اي انتهاز الفرص يبعد الانسان عن الفكر والمباديء والمصالح العامة، وكل ما يبحث عنه الفرد في هذه الحالة هو ضمان مصالحه الخاصة والعمل من اجل ازدياد نفوذه وسلطته ومكانته دون الالتفات لاية مباديء وقيم وعقائد، والغاية لديه هي التي تبرر الوسيلة وهي الصفة الانتهازية بكل ما فيها من معنى الكلمة، ومن المعلوم ان ادعائه الظاهري بالالتزام بكل القيم والعقائد المثالية وخطاباته ودفاعاته عن المصالح العامة نظريا وهو يضحي بكل غالي ونفيس من اجل الذاتية والشخصية فقط عمليا .

في هذا العصر الذي تسيطر عليه المصالح الاقتصادية لما موجود فيه من الدوافع وما تفرضه الاحتياجات والضرورات وسعة مساحة الملذات، وازدياد الاعتماد على الماديات كاحد افرازات العولمة والنظام العالمي الجديد، فان الواقع يفرض العديد من الضغوطات على الفرد وهذا ما يدفع اية شخصية الى المناورات الضرورية واللعب المتموج من اجل الحصول على الوسائل وان كان معتمدا على المساومة عن المباديء الاساسية والمعتقداتن التي يؤمن به، وكما نرى من هذه الصفات ملصقة بالقادة اليوم اكثر من الافرادفي ظل الوضع المتوتر في هذه المنطقة، وبه نشاهد يوميا التناقضات والانقلابات على الذات والتقلبات الفكرية المتعاقبة وتغيير المواقع والانتماءات، والاتيان بمثل ما نهي عنه من الخلق والادعاء والاساليب دون اي اعتبار لاي عار او خزي يعود عليه، ويتجه الانسان نحو الآلة في زمن العولمة وما فيها من المؤثرات والمستجدات .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1141  الثلاثاء 18/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم