أقلام حرة

المزاج الشيعي الحاد يحرق رموزه وتاريخه!

 فثقافة اي مجموعة بشرية تفعل فعلها وتترك بصماتها وتاثيراتها على مزاج تلك المجموعة في الخصوصيات التي تتمايز بها عن غيرها، رغم الاشتراك الواسع العريض في الهوية الوطنية والهوية الدينية العامة، كالاشتراك في الهوية العراقية او العربية او الاسلامية، فالخصوصيات ذات البعد العقائدي والموغلة في تاريخ حافل ودامي ومايكتنفها من نظرات مثالية واحلام وطموحات تشكل بمجموعها نسقا خاصا قد يميز نظرة مجموعة بشرية لنفسها ووعيها لذاتهاومصالحها وموقعها ورموزها، ويدخل كعنصر ضاغط في بلورة المواقف والقرارات.

اردت ان لا ادخل في الموضوع دون مقدمة توضيحية بسيطة عما اعنيه بالمزاج الشيعي لاننا فعلا نواجه مشكلة في التوصيف طالما ان المزاج هو قضية نفسية فردية اكثر منها اجتماعية وهو مايميز الشخصية فنقول شخصية حادة واخرى عنيفة وثالثة متعادلة وهكذا.

عندما نتحدث عن مزاج شيعي ناخذ بنظر الاعتبار اوضاع شيعة العراق تحديدا فهم بوصلة المؤشرات في المنطقة، ونجاحهم او فشلهم، عقلانيتهم او لاعقلانيتهم هي موضع الرصد والمتابعة، رغم ان الاكثرية منهم غير مدركة لذلك بما فيهم سياسة وكتاب واعلاميين وحزبيين واداريين وتكنوقراطيين وشيوخ دين.

لقد اتيح لشيعة العراق اخيرا ان يشاركوا في حكم البلاد بعد اقصاء وتهميش وتاريخ من المقابروالظلم والحرمان، ويفترض بمن تتاح له الفرصة ان يتعلم من تجربة المشاركة في الحكم فيقدم نموذجا مقتصدا وحريصا وعقلانيا، فيعوض محروميه وجماهيره سنوات الحرمان ويبني الركائز والاسس لثقافة جديدة غير ثقافة التناحر والاستئثارالداخلي والحرص على الزعامة، وغير ثقافة النزق والتطرف والانفعال والشكوى المستمرة، ثقافة الاحترام والثقة بين الزعيم والجمهور، ثقافة الانجاز العلمي والاقتصادي والادبي، ثقافة التجربة السياسية المنفتحة على الاطراف المحلية والاقليمية والدولية.

طيلة السنوات الست الماضية لم تتبلور حالة من الوعي يدرك خلالها الشيعي البسيط والمتعلم فضلا عن السياسي، ان هذه المرحلة حسبت عليه رغم انفه ورغم انه لم يكن اكثر من مشارك في الحكم لااكثر، وان العالم باسره والشركاء المحليين يدققون في كل حركة وتصريح وقراروسياسة، وبالتالي كان على الشيعي ان يتابع صورته في الخارج والداخل وكيف يجري تشويهها بشكل منظم ومخطط ومدروس لاظهاره بمظهر النزق والسطحي والانفعالي لمحو صورته التاريخية العتيدة كمعارض وثائر غيور يحمل في جنباته مطالب العدل الاجتماعي وينحاز الى المحرومين والضعفاء ويقاتل من اجل الحرية والكرامة ويقدم ابداعا فلسفيا وفقهيا وكلاميا وتراثا ثوريا يقترب من النقاء.

كل ذلك يجري امام اعين الشيعي وهو غير مكترث، مستسهلا الاختباء تحت مظلة العداء الطائفي المتصاعد ودون ان يحسب حسابا لاخطائه وعثراته واهوائه وانقساماته التي تستخدم مادة لتحطيمه وافشاله.ابرز الظواهر التي تتحرك في هذه المرحلة ويقصد منهاالامعان في التشويه المقصود اوالناتج من السذاجة والسطحية هو شخصنة الامور والقضايا، واالاغتيال السياسي للشخصيات والرموز، تهويل المشكلات، تبرير الاخفاق، وتغذية الاتجاهات السطحية الدينية!!.

ان ظاهرة حرق الشخصيات والمسارعة الى الاتهام اصبحت ظاهرة عامة لاتقتصر على النخبة السياسية المتنافسة بل ان الاعلام يؤجج هذه الظاهرة لتحويلها الى ظاهرة شعبية لتيئيس الناس وبث الاحباط وصناعة اتجاهات راي عام تنحرف بالجمهور الى مرامي بعيدة، يخطط لها خبراء لاسقاط الرموز وتحطيمها دون ان تتبلور رموز جديدة وشخصيات ومؤسسات قادرة على ملء الفراغ.

من يلاحظ الساحة السياسية يدرك بوضوح حجم هذا العمل الذي يجري بالعلن ويساعده في الانتشار الحرية الاعلامية الواسعة وحرية الراي والنقد والتعبير، لكن خلف هذه الواجهات تختفي اهداف خطيرة ينبغي الانتباه لها.

ان المزاج الحاد وسقف التوقعات المرتفع وظاهرة الفساد المتفشي ماليا واداريا وضعف الخدمات وضعف الوعي السياسي تجتمع كلها لتصنع ظاهرة خطيرة اسمها ظاهرة حرق التاريخ والصورة التي استقرت للشيعي لتحل محلها صورة الانتهازي والسارق واللص والحزبي المتعصب والمتدين السطحي، وهي صور ذات اهداف سياسية وطائفية يجري الترويج لها ضمن مفردات الصراع السياسي في العراق ويساهم فيها شيعة كثيرون بغباء واستجابة لمصالح انية سريعة دون ان يدركوا اثارها المستقبلية.

ان المقارنة ربما تسمح في اضاءة بعض جوانب الصورة، ففي حين مثل صدام واركان نظامه ورموز سلطته، والتنظيمات الارهبية من القاعدة واخواتها، ورموز الظلم والارهاب القديم من شيوخ وفقهاء وسلاطين وولاة، صورة بائسة لفكر وسلوك وسلطات، الا ان احدا ممن يظن انهم محسوبون عليه لم يتبرا منهم او يذمهم او يشتمهم، بل العكس وجدنا من يدافع عن ظلمهم واجرامهم خلافا لكل منطق سليم وذوق انساني، بل وجدنا من كان يسمى عميلا في الماضي يصبح بطلا وطنيا ورمزا من رموز بناة الدولة ورجلا من رجالاتها، بينما لايتورع هؤلاء انفسهم عن توسيع دائرة الاتهام والشتيمة لمنافسيهم ماضيا وحاضرا، لان القضية تدور في اذهانهم مدار المصلحة الكلية فلايريدون ان تتسود صفحات من اوراق وجودهم لتصبح مثلبة قد يستغلها اخرون .

ان الانتصار للحق ونقد الظواهر السلبية وتسليط الضوء على الفساد وكشفه لاينبغي ان يكون سلاح انتقام وتشفي، بل من اجل نظافة التجربة وتحقيق الانجاز وتعويض سنوات الحرمان وترسيخ قيم العدل والانتاج والعمل المخلص. بيد اننا لانجد حرصا في جوانب كثيرة في هذا النقد الذي يجري بشكل شخصي لاينقد الظواهر بل يريد الانتقام من الاشخاص في حين ان الاشخاص هم نتاج ظواهر اجتماعية وثقافية وحزبية وسياسية، ومن الاولى ان تنقد الظواهر في سياق نقد اجتماعي وفكري لانتاج ممارسة سياسية وثقافية نظيفة ومقبولة.

ان ردود فعل الجمهور وانفعالاته تكشف جوانب قصور فكري وثقافي ونقص حاد في الرؤية السليمة ومن البؤس ان تنزلق نخبة ثقافية او سياسية الى نفس المستوى ليتعاون الطرفان في تسويد صفحات لن تعود على حاضرهم ومستقبلهم الا بالمزيد من الخسران، وماذاك الا بسبب المزاج المتطرف وقصر النظر والرؤى المتسرعة، وماحادثة سرقة مصرف الزوية عنا ببعيد، فهل من مدكر!!؟.

 

ابراهيم العبادي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1142  الاربعاء 19/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم