أقلام حرة
جراح أليمة في جسد بغداد
الأربعاء الدامي أو (أربعاء الرماد) كما قالها اليوت.
موت تربع على شكل خفاش اسود أحاط بغداد، خيم عليها بظلام مقيت ورعب ارتجفت له القلوب قبل أن تهتز به البنايات وتتحطم، انكسرت النفوس وفقد فيه العراقي الأمل حتى أمام وجه الله المضيء .
هجوم مريع وتفخيخات مدروسة، تنظيم لا مثيل له وكأن بغداد لا دولة فيها ولا حارس يحمي منام الآمنين .
الذي حصل اليوم في التاسع عشر من آب 2009 وبعد ست سنوات من احتلال مقيت وحكومة منتخبة، يوجب علينا أن نقف وقفة تأمل واسترجاع وتساؤل .. فمهما كانت الدوافع ومهما كانت الجهات المنفذة وهي جهات إجرامية بالتأكيد .. فمسؤوليتها ثانوية، لأن المسؤولية الكبرى تقع على من يحمي البلاد من قوى عسكرية وأمنية متمثلة بالحكومة العراقية المنتخبة، لأنها رضيت بالنزال وقبلت بتسلم الملفات الأمنية وحماية العراقيين، وسمحت لقوات الاحتلال بأخلاء الساحة لها .
وهنا نتساءل بصراحة .. من يحمي العراق؟
وزارة الدفاع أم وزارة الداخلية؟ قوات عمليات بغداد وفرض القانون؟ المخابرات الاستخبارات؟ قوى الأمن الداخلي؟ البرلمان؟ الأحزاب؟ الميليشيات؟ شركات الحماية الخاصة؟ حماية المنشآت؟ حماية الأفراد؟ وغيرها من التسميات .
في كل يوم خرق امني، وفي كل يوم تفجير وفي كل يوم اغتيال، كلها والعراقيون ينظرون إلى الأمر كمن ينظر إلى، البعيد ويلمح ضوءا في الأفق، ولكن الذي حصل اليوم دمر الأمل في النفوس وأربك الحياة برمتها في بغداد .. بغداد عروسة دجلة، ومعشوقة الفرات الذي ينظر إليها بعين الغيرة والاشتياق .. دمرتها أياد خفية مجرمة لا شأن لها سوى الأطماع والأحقاد والوصول إلى منابع النفط الغنية .
هل من المعقول أن تزال العوارض والكتل الكونكريتية في بغداد، وهذا مظهر جميل من مظاهر الاطمئنان والأمن لو توفر الأمن فعلا، ولكننا فوجئنا هذا اليوم بأعمال مدبرة ومنظمة وبقوة هائلة من المتفجرات وإعدادا كبيرة من الصواريخ بإمكانية دولة تحارب دولة أخرى وليس بإمكانية فرد أو جماعة .. استهدفت وأصيبت فيها وزارات مهمة وحصينة مثل الخارجية، والمالية، والإسكان، والصحة، والتربية، وأصيب مجلس النواب ومجلس الوزراء، واحترقت مئات السيارات ، وتهدمت البيوت وتحطمت الجسور في يوم واحد فقط، بل قل في اقل من ساعة أو ساعتين .
أين خطة فرض القانون؟ أين تصريحات محمد العسكري، ومؤتمرات قاسم عطا الصحفية؟ أين إرشادات عبد الكريم خلف الأمنية؟ أين كل هذا وذاك من تفجيرات اليوم الدامية المرعبة، المنظمة التي توحي بأن المعركة الحقيقية ابتدأت من هذا اليوم، وان النزال سيكون عنيفا وعنيفا جدا، وساحته دماء العراقيين الأبرياء، الفقراء الذين لا يمنعهم من الخروج في البحث عن الخبز، لا القنابل ولا المفخخات ولا حتى التفجيرات التي لا يعرفون لها موطئ قدم، ومثلما يقول المثل (مجبر أخاك لا بطل) لأنهم يعتقدون إن موتهم بالتفجيرات خير لهم من أن يموتوا من الجوع، ولله وجهتهم وفي رحمته شكواهم؟
من هو المسؤل عن إيقاف نزيف الدم العراقي الجاري؟
استغرب لأمر هام .. وزارة الدفاع تتنصل عن المسؤولية وتلقي باللائمة على قيادة عمليات بغداد، ووزارة الداخلية تتنصل هي الأخرى وتلقي باللوم على قيادة عمليات بغداد ..
هل كل وزارة تعمل على حدة؟ والى أي جهة تتبع قيادة عمليات بغداد وقوة فرض القانون؟ أليس الذين فيها هم جزء من الجيش العراقي والشرطة العراقية والأمن العراقي؟ ألا تتبع جميعها إلى أوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء؟ أم كل منها تتسلم أوامرها من الجهة التي تنتمي إليها، والتي تنتمي هي الأخرى إلى كيانات واخزاب سياسية متناحرة ومتخاصمة، وكل منها يريد أن يطيح بالآخر لمصلحته؟ وإلا كيف تدخل شاحنة محملة بالمتفجرات إلى مناطق مدججة بالحراسة والتفتيش والأجهزة الكاشفة التي صرف عليها من دماء العراقيين ملايين الدولارات
لماذا يحصل الذي حصل اليوم ونحن على أبواب الانتخابات البرلمانية التي تمنح السلطة والثراء؟ لماذا يحذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما من تصاعد وتيرة العنف في العراق في الأيام المقبلة؟
ما ذنب الشعب العراقي الصامد وما ينزفه من دماء؟ أم أن دمائه في عيون الساسة المتصارعون على المناصب هي ماء فحسب؟
النتيجة في كل ما قلت إن الجهات الأمنية المكلفة بحفظ الأمن في بغداد هي المسؤلة مسؤولية كاملة عما حصل وسيحصل مستقبلا لا سامح الله ،لأن هذه هي مهمتها وواجباتها وان حملت المسؤولية إلى جهات أخرى فعليها أن تعتذر إلى الشعب العراقي عن عدم قدرتها في حمايته وتترك الساحة إلى من هو أكفأ منها وهذا شرف لها وحفاظا على ما بقي من دماء العراقيين ..
شكرا لكل كلمة قيلت في هذا المجال ولكل دمعة سقطت متأسية.. شكرا لقناة البغدادية الفضائية العراقية التي لملمت وتلملم جراح العراقيين في كل مصيبة تصيبهم، وتفرد لها برنامجا خاصا وسريعا مثلما برنامج اليوم الذي قدمه الزميل الشاعر المبدع والعراقي الأصيل الأستاذ عبد الحميد الصائح في برنامجه الخاص عن تفجيرات اليوم (العراق إلى أين؟) وشكرا لكل قلم عراقي شريف وقناة عراقية تشعر بهم العراقيين وألمهم، وان تشاركهم بلواهم في ساعات المحنة لا أن ترقص على جراحهم أو تبتعد عن آلامهم بأمور ليس لها علاقة بأحداث الساعة .
نتمنى أن تعطي الحكومة أولوية للدم العراقي، وتقول للسيد اوباما إننا هنا، وإننا جديرون بحماية أبنائنا، وان الذي حصل اليوم لن يتكرر ثانية وان لا رجعة لقوات الاحتلال إلى مدننا العراقية ..
إن حصل هذا فعلا فعلينا رفع قبعاتنا لها دليل شكر وامتنان وبعكسه فعلى افرادها خلع قبعاتهم والى الأبد .
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1143 الخميس 20/08/2009)