أقلام حرة

التضليل في عبارة "التحالف البعثي التكفيري"!

واستتبابه في العراق لم يعد أمرا سهلا ولا مطلبا بالإمكان تحقيقه في القريب العاجل بل انه قتل الأمل الصغير الذي كان لدى المواطن العراقي الحالم بعراق مستقر، بحسب وصف الصحف الغربية، على الرغم من التصريحات الرسمية للمسؤولين العراقيين وقادته الأمنيين، فضلا عن النجاح النسبي لقوى الأمن، والهدوء المؤقت لأعمال العنف في عموم مناطق البلاد .

الانفجار المهول الخسيس بكل معاني الكلمة الأخلاقية والدينية، والذي لم يكن له مثيل منذ  الأول من كانون الثاني 2008 حينما قتل انتحاريان 109 مواطن عراقي، أعاد إلى الأذهان أجواء الحزن والدمار في بغداد حينما كانت تنظيمات القاعدة والمليشيات الخارجة عن القانون تسرح وتمرح في العاصمة بغداد وتمارس القتل الجماعي المجاني لأبناء العراق بينما كان السياسيون قابعين في المنطقة الخضراء غير قادرين على الخروج منها .

التصريحات الإعلامية التي أعقبت الانفجار كانت مثاراً للجدل والدهشة، حيث تعجب المواطنون العراقيون، أن لم اقل سخروا منها، وهم في أتون الحزن غارقين في الدم حتى أعناقهم، ومن هذه التصريحات التي أطلقها بعض القادة الأمنيين والسياسيين العراقيين بعد صمت غريب دام لفترة أعقبت الانفجارات، اتهامهم "" التحالف البعثي التكفيري " وتحميله مسؤولية ما حصل من تفجيرات دامية .

صاحب التصريح أعلاه لا يعرف، وربما لن يعرف، أن الوعي السياسي للمواطن العراقي قد تطور ونضج على نحو كبير، وأن  الذكاء والفطنة التي يملكها تحول دون التصديق الساذج بهكذا تصريحات، فالعُصب التي غطت أعينهم قد أزيحت إلى غير رجعة، ولا يمكن بعد هذا أن تنطلي عليهم ألاعيب الخطابات السياسية والتصريحات الإعلامية لبعض القادة الأمنيين بعد كل تدهور وانحطاط امني تمر به العاصمة.

الشعب العراقي يعلم بجرائم النظام السابق الذي حكم العراق طيلة ثلاث عقود منصرمة وهو أيضا لا تخفى عليه الأفعال الشنيعة والجرائم النكراء التي اقترفها أعضاء تنظيم القاعدة في العراق منذ سقوط النظام السابق وحتى الآن، ويدري هذا الشعب المكلوم انه قد حصل في بعض الأحيان تحالفا بين بقايا النظام السابق وعناصر القاعدة ...إلا أن الأمر الذي لا يريد هذا الشعب أن يقبله، ولا يمكن أن يقبله، أن يظل المسئول الأمني العراقي يعزف على

 وتر "التحالف البعثي التكفيري" بعد كل جريمة وتفجير يرتكبه المجرمون، حيث في هذه العبارة تنصلا واضحا من المسؤولية التي تقع على عاتق الأجهزة الأمنية، فــ" التحالف البعثي التكفيري" لا يستطيع لوحده أن يقوم بعملية كبيرة منسقة ومنظمة كالتي حدثت يوم الأربعاء دون حدوث تواطئ أو إهمال أو غفلة أو تراخ من قبل عناصر الأجهزة الأمنية العراقية ! .

المسئول العراقي الذي يعزو، وسط ركام الدم وأطلال الخراب، أسباب التفجيرات

إلى " التحالف البعثي التكفيري" بدلاً من الوقوف بدقة على حقيقة ما جرى، يغفل ذكاء المواطن العراقي الذي يتساءل بدوره عن المعنى الحقيقي لهذه العبارة والواقع الفعلي لوجود هكذا تحالف قادر على فعل ما فعل لوحده  فضلا عن أمكانية وحجم وقوة  هذا التحالف الذي أستطاع في يوم الأربعاء تعطيل الحياة في بغداد وشل حركة المواطن وضرب الدولة ومؤسساتها في عقر دارها !.

هذا المسئول الذي تورط في هكذا تصريح، لم ير، كما يبدو، الوضع الذي آلت اليه بعض السيطرات الأمنية وكيف يتصرف أفرادها بلا مسؤولية، كما أشار إلى ذلك بعض الصحفيين الأمريكيين حيث لاحظوا وجود تكاسل وتراخ في الدوريات والسيطرات بالإضافة الى قيامهم بشرب الشاي في أوقات غير ملائمة، وقد وضع  المستشار العسكري الأمريكي الكولونيل تيموثي ريس قائمة بأفعال سلبية غير مقبولة للقوات الأمنية العراقية كسوء الإدارة والمحاباة والافتقار لروح المبادرة وعدم الأهلية والفساد والفشل في التخلص من سيطرة الأحزاب السياسية الشيعية بحسب ما نقلت عنه صحيفة الكارديان البريطانية يوم الخميس 20-8-2009، وصحيفة نيويورك تايمز، يوم السبت 22-8-2009 في مقالة الكاتبة كيلي كريتون والتي كانت بعنوان " مغادرة العراق سريعا ".

صحيفة نيويورك تايمز أشارت، في عددها الصادر يوم الجمعة 21-8-2009  بحسب تقريرها الذي كتبه مارك سنانتورا، إلى أن هنالك اتهامات متبادلة بين وزيرين عراقيين حول التقصير والفشل في مواجهة التحدي الأمني، حيث، كما رأت الصحيفة، ان هذه الاتهامات المتبادلة أوضحت الخلافات العميقة والخطيرة بين المؤسسات الحكومية المختلفة التي تتحكم بالقوى الأمنية  في العراق، فالمسؤولية تقع على عاتق هذه المؤسسات المتباينة التي تتنافس وتتصارع بحسب ولاءاتها السياسية فضلا عن السلاسل الهرمية غير الواضحة لقياداتها وبالتالي فان هذا  العوامل قد وفّرت وخلقت الظروف التي سمحت لشاحنتين بالانفجار وحصد أرواح الأبرياء .

 

وهنا يحق لنا أن نتساءل :

أين هو "التحالف البعثي التكفيري" بربكم؟

أن تبادل الاتهامات والتصريحات المضادة بين المؤسسات الأمنية حول المسؤولية التي تقع على عاتقها هذه التفجيرات دفعت الكاتب بين ليدون في صحيفة "التايمز البريطانية" السبت 22-8-2009، الى القول بأنه بعد تفجيرات الأربعاء الدامية بدأ قادة العراق يمارسون لعبة الاتهامات ! ولهذا نرى في اجتماع الجمعة الطارئ الذي حضره كبار قيادات الأمن في العراق احد الشهود الذي حضر الاجتماع يقول، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الجمعة 21-8-2009، أن هنالك خلاف واضح قد ظهر حول المؤسسة الأمنية المسئولة عن امن بغداد ...تصوروا المهزلة !!! حيث قال وزير الدفاع عبد القادر العبيدي قال بان مسؤولية أمن بغداد لا تعود للجيش العراقي وأنما لوزارة الداخلية... فرد عليه وزير الداخلية جواد البولاني بأنها ليست مسؤولية وزارته بل مسؤولية قيادة عمليات بغداد !! وهي المؤسسة التي ترتبط مباشرة برئيس الوزراء نوري المالكي ...

 

وهنا يجب ايضاً علينا ان نتساءل وسط هذه الفوضى:

أين هو "التحالف البعثي التكفيري" بربكم ؟

الناطق باسم وزراة الدفاع اللواء محمد العسكري قال لبعض القادة الأمنيين الأمريكيين، كما نقلت عنه وكالة رويتر يوم الخميس 20-8-2009، "علينا مواجهة الحقائق، نحن يجب أن نعترف بأخطائنا كما نحتفل بنجاحاتنا". وهي كلمة جديرة بالتقدير والاحترام، وعلى المسئولين الأخذ بها واعتبارها حكمة ومعيار لعملهم، بدلا من تصديع أدمغتنا وتضليلها بعد كل انفجار بمصطلح " التحالف البعثي التكفيري" الذي أظنه أقل بكثير من أن يقوم بعمل ضخم هكذا لوحده من غير وجود فراغات وتقصير أمني  من جانب القوات العراقية .

 

مهند حبيب السماوي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1147 الاثنين 24/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم