أقلام حرة

الهدف الاخير لانفجارات بغداد الذهاب الى طائف عراقي!

فقد عبرت قوى معروفة عن شماتتها بما حصل، وتبرعت باقصى سرعة للتبشير باهداف الضربة، معلنة بصراحة ان من يحكم الان لايصلح للحكم، وان الاستقرار المنشود منوط باعادة السلطة الى من خسروها، او المراهنة على استمرار العنف والدماء، لحين اقتناع المستهدفين بالموت، برفع الراية البيضاء والاستسلام للمشروع السلطوي القومي المذهبي المدعوم عربيا، يكفي ان تستمع الى فضائيات وتقرا افتتاحيات وتعليقات اعلامية، لتكتشف ان اهداف الة الموت تجد دعما وتاييدا على اعلى المستويات، وباسماء ومسميات متعددة تحسن استخدام مصطلحات الدفاع عن الاستقرار والامن، وهي تقصد دعم استراتيجية التدمير المنظم للوجود العراقي.

هذا الفريق الذي يدعي الدفاع عن هوية العراق وعروبته يقدم نفسه امتدادا للمشروع السلطوي التاريخي الذي حكم العراق ويتوعد من يقف بطريقه بالموت والدمار، مستخدما معادلة بسيطة، وهي مقايضة الوجود العراقي بعودته الى السلطة، فاما ان تعود سلطة بلاد الرافدين الينا، او نهلك الحرث والنسل، وليس بين ذلك خيار اخر .

الفريق الاخر الذي كشفته الضربة الاخيرة الناقمون على الحكومة من داخلها وهؤلاء لم يوفروا وسيلة لاظهار عيوب السلطة ومثالبها، ولم يدخروا وسيلة لابعاد انفسهم عن كل مسؤولية، والقاء تبعات الاخفاق والفشل على عاتق من يدير الامور، لانهم لايشعرون باي مسؤولية تضامنية في الحكم ويريدون المشاركة في المكاسب والتنصل من مسؤولية الاخفاق.

اما الفريق الثالث فهم الفريق المعني بمسؤولية ماحدث، وعلى اكتافه تقع اعباء الادارة وهم موضع الرصد والمراقبة، وهؤلاء في موقف لايحسدون عليه، فقد استعجلوا قطف الثمار قبل اوانها، وخدعتهم مظاهر لم يسبروا اغوارها، فكانوا مستجيبين لدواعي انتصار اعلامي اكثر مماهو واقعي، واندفعوا في هتافات ومقولات عن امكانيات وقدرات، ومادروا انهم يحكمون بلدا من اصعب واشد البلدان قسوة على الحاكم اذا اخفق، واكثرها نقدا للمسؤول اذا وعد ولم ينجز، انهم بصريح العبارة قليلو الخبرة في سيكولوجية الشعب العراقي .وقراءتهم طفيفة للتاريخ، وربما ينتمون الى الجنس السلطوي العربي المعروف عنه انه لايقرا!!.

هذه الاطراف الثلاثة تتقاسم المشهد الان، والسباق على اشده بينها في الامساك بخيوط اللعبة الامنية والسياسية، لاسيما والانتخابات على الابواب والاحتمالات مشرعة على تحالفات وائتلافات قد تنجز او لاتنجز، فمن يضادد العملية السياسية سيمضي في مشروع التدمير، لان هذه فرصته الاخيرة كما يظن، واذا نجحت الانتخابات وشارك العراقيون فيها فمعنى ذلك ان الشعب قد انحاز للخيار السلمي التداولي، ويرفض العودة الى منطق السلطة السابق القائم على الاحتكار والقهر والاقصاء، ولذلك سيواصل هؤلاء مسلسل التفجير والعنف بامل اخراج الوضع السياسي والامني من حالة السيطرة، والدخول في مشروع التدويل للمشكلة العراقية، بتعريف المشكلة على انها صرع طائفي اهلي يحتاج الى وصاية دولية ورعاية اقليمية من دول نافذة في المنطقة ومؤثرة في الشان العراقي، ليصار الى الدعوة الى طائف عراقي على غرار الطائف اللبناني، القاضي بقسمة السلطة بين مكونات متصارعة ليعاد انتاج ديمقراطية العراق الناشئة على شاكلة ديمقراطية لبنان التوافقية، باعتبارها الحل الوحيد للصراعات الاهلية والطائفية، وعن طريق هذا الحل سيكون تاهيل حزب البعث احد الخيارات المطروحة، ليعود مشاركا في السلطة في هذه المرحلة، ربما باسماء وعناوين جديدة وبمضمون سابق وهذا هو الشرط العربي الاكبر لتطبيع علاقات العرب او بعضهم مع العراق .

اما الذين يناؤون بانفسهم عن المسؤولية، فانهم يراهنون على فشل الحكومة او ضعفها، ليقولوا ان الوضع المعقد في العراق يحتاج الى شراكة فعالة وتضامن واسع، ولايجوزلطرف جاء الى السلطة بالشراكة ان ينفرد بالقرار ويهمش الاخرين ، وهدف هؤلاء المعلن هو الاحتفاظ بقدر من امتيازات السلطة والنفوذ، لان اغراءات السلطة لازالت قوية، ولان البقاء في السلطة هو عنوان القوة والوجود، فمن لايملك سلطة لا وجود له خارجها.

بقي على الطرف الحكومي الذي بدا متفاجأ رغم تحذيراته لنفسه من قساوة المرحلة، ان يعي ان تحمل المسؤولية لوحده سيكون خطا جسيما، فالمرحلة لازالت خطيرة وتحتاج الى دعم وشراكة فعالة، وتعبئة سياسية واعلامية ونفسية وتحالفات وتضامن وطني واسع، رغم ماقد يوجد من مرارات من تحالفات هشة سابقة، وتفاهمات تنقض في كل يوم، لكن الظرف العسير يستدعي حذرا شديدا وتانيا مدروسا للمواقف والخطوات، فلا القوى الامنية بالمستوى الذي يمكنها من تجاوز التحديات بسهولة، ولا الامكانات المتاحة كافية للتغلب على الصعوبات، والاخطر من كل ذلك تقلبات مزاج الشارع وماقد ينجم عن ذلك من احباط قد يقود الى نتائج لاتحمد عقباها.

ان حوارات الامريكان مع قوى المشروع السلطوي السابق وحماسة تركيا للحوار ودعم دول عربية ذات توجهات طائفية لهذه المشاريع وتركيز الاطراف المختلفة على الانتخابات القادمة، يجعل الاشهر القليلة القادمة حاسمة في عمر الجمهورية الثانية في العراق، فالاطراف المختلفة باتت مقتنعة ان ادارة اوباما جادة في الانسحاب من العراق، وان ملا الفراغ الامريكي يمر عبر مشاريع التدويل واللبننة، خصوصا وان المزاج العام في المنطقة صار مهيئا لمشاريع من هذا النوع، على قاعدة لاغالب ولامغلوب، فاليمقراطية العددية مرفوضة، وديمقراطيات الصفقة هي الملاذ الاخير للهروب من حمامات الدم، وكل ماتحتاجه هذه الحلول هو انكسار ارادة طرف، ونفاذ صبر شارعه، وقلة خبرة سياسيه وجزعهم من الهجوم المضاد.

 

               ابراهيم العبادي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1148 الثلاثاء 25/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم