أقلام حرة

مسؤولون.. ولله في خلقه شؤون

أي كل زمان ومكان، يرتدي ثياباً بألوان علم الولايات المتحدة الأمريكية، الأحمر والأزرق، دلالة على القوة الجبارة والقدرة والشجاعة لتلقين الأطفال دروساً منذ الصغر أن أمريكا هي الأقوى، خاصة بعد انتصارها والدول الحليفة لها في الحرب، والله أعلم هل هو انتصار أو انكسار للبشرية.. ولله وحده العلم.

والغريب في الأمر أن هذه الشخصية بالذات تقمّصها العديد من مسؤولينا (بالعراق) بالفطرة، أو بالتعود أو بالتدريب.. لله وحده العلم أيضاً في ذلك.. فبُحكم عمري، ودخولي مُعترك السياسة منذ مرحلة الشباب.. تكرّر على مسامعي وتردّدت كثيراً من الأسماء، ممن خاضوا تقلبات بهلوانية كثيرة، وانتقلوا من فكر أيدولوجي إلى آخر (وهذا ليس فيه مثلبة لأحد)، شرط ألا يُصبح الشخص وبقدرة قادر مع من يمتلك زمام الحكم وأمور الدولة، ومفاتيح السلطة.. ولا تُحرّكه أي قناعة سوى الانتهازية والحصول على المكاسب والأموال.

غريبٌ أن تكون قومياً ثم تُصبح شيوعياً، وبعدها تكون مُتديناً حتى النُخاع، وتُصبح رمزاً من الرموز الوطنية. نعم هؤلاء مسؤولون وفي نفس الوقت غير مسؤولين على شيء). سُبحان الله.. هكذا نحن في عراقنا الجديد، نجد من كان شُرطياً يكتب التقارير على الناس ويُدمّر حياتهم، يُصبح في أقل تقدير سفيراً للدولة العراقية الجديدة (أتريدون اسمه؟؟).. هكذا هم صالوا وجالوا واعتلوا المناصب وقادوا الوحدات والأقسام والإدارات وترأسوا اللجان وشاركوا في المؤتمرات المحلية والدولية من عمان إلى اليابان مروراً بكازابلانكا والدوحة، وكانوا السبّاقين لكل حفل غداء أو عشاء أو مُعايدة أو... وإلى أموال الخزانة العامة! وأعتقد أيضاً أنهم يُجيدون قيادة السفن والطائرات والغواصات ومركبات الفضاء وأحياناً الدبابات ويُجيدون جميع اللغات الحية والميتة، ويُتقنون فنون القتال الخفي بالسلاح الأبيض والأسود وبالدسائس وعدم المواجهة، طبعاً فهم من شريحة السوبرمان العراقي الأصيل وليس الأمريكي، أستطيع أن أصفهم بأنهم رجال المستحيل.. لا يرتدون ملابس بلون علم أمريكا فحسب بل يرتدون ملابس بجميع الألوان والأنواع والأشكال، فما أسرع تغيير ثيابهم، فتارةً هُم مُعارضون وتارةً أُدباء مُخلصون للدولة، وتارةً أُخرى بزناسة وتُجار وفهلوية وحُذّاق قادرون ومقتدرون.

إلى جانب قدرتهم على قيادة الشلل والمجموعات ودخولهم السريع في العديد من الدوائر المُظلمة وانتمائهم إلى فرق أسوأ منهم سمعةً وفعلاً، فالطيور طبعاً على أشكالها تقع.

فوقعوا في العديد من المشكلات الإدارية والقانونية وحتى المالية، ولكن لخبرتهم واتصالاتهم ولكونهم ملاعق (خواشيك) لناسٍ آخرين.. فكان من الواجب حمايتهم وإنقاذهم في الوقت المناسب (حتى يجتمع شمل العصابة مرةً أخرى بالكامل).

يهرب البعثيون من الشباك.. ليعودوا ويدخلوا من الباب وبترحابٍ دولي، وكأن العراق يا سادة قد أصابه العُقم، ولم يعد يلد قادةً للعمل غيرهم وغير أشكالهم.. أين رجال ومُفكّري العراق من الشرفاء المتوزعين في كل بقاع الأرض خُبراء وعُلماء لدولٍ أخرى. هل هو فعلاً عُقمٍ أم إقصاء وإبعاد؟

لله في خلقه شؤون..

من أين جاء هؤلاء، وكيف ركبوا الموجة.. بالتأكيد من دائرة مُظلمة واحدة مُميّزة ومُتميزة وصالحة لكل زمانٍ ومكان، شُلّة خبيرة تمتلك المال والنفوذ وهُم نفس الأشخاص ونفس الوجوه.. نفس الأعمال يتواردون على المناصب والإدارات ويتبادلون العمائم والقبعات والأثواب، النتيجة (صفر) والكل شاهد عليهم وعلى تاريخهم وعلى أخلاقياتهم الشخصية والعامة، ومن المؤسف جداً أن نراهم يقودون التنمية الجديدة نحو عراقنا الجديد، وهم أنفسهم من أفسد العراق بالأمس، فهل يُصلح المُفسد ما أفسد؟؟

وهل يستطيع فاقد الشيء أن يُعطيه؟

وكل ما أخاف عليه في هذا المقام هي ثروة هذا المجتمع التي ستتقاسمها بل تقاسمها هؤلاء الأبطال القادرون المقتدرون، فبُشرى أزفّها للعالم الخارجي أنتم تمتلكون سوبرمان واحد، ونحن في العراق نملك عشرات السوبرمانات..

سُبحان الله العلي العظيم..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1149 الاربعاء 26/08/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم