أقلام حرة

متى يتجه العراق الى العمل الجماهيري وليس الحزبي القح

والعراق سائر على هذا المنوال منذ قرن من الزمان تقريبا وهو يستند على التنظيمات الحزبية والايديولوجيا في كسب الموالين ولمنتمين بجميع انواعهم، وهذا ما يدع الخسائر المالية والاستهلاك والصرفيات الهائلة على حساب المواطن المغلوب على امره، وفي اكثر الاحيان تعتمد الاحزاب الموجودة في السلطة على المال العام في ادارة شؤونها الحزبية القحة، اضافة الى الاستاثار بمناصب الحكومة والسلطات من اجل تحقيق اهداف وشعارات حزبية وايديولوجية خاصة، وتركز العمل في هذا الاتجاه واستفحلت المشاكل وازدادت مساحة عمل الاحزاب بشكل مخيف وتدخلت في كل ثنايا معيشة المجتمع من الفرد الى العائلة والعشيرة والقبيلة والفئات والشرائح والطبقات، وخاصة بعد سقوط الدكتاتورية ولحد اليوم، وهذا جانب من جوانب هدر الاموال العامة والذي على المهتمين التباحث عنه ومحاولة التقليل من اثاره السلبية على الوضع السياسي والاقتصادي العام .

 

لو قارننا ما موجود هنا مع ما يعتمد عليه الغرب في الوقت الحاضر سنتمكن من ايجاد الخلل الواضح والواسع في بنية العمل السياسي العراقي وبالاخص ما هو عليه من اداء الواجبات الحزبية، بحيث يكاد يكون كل بيت مقر حزبي ان لم نبالغ في تقديرنا، وان فسرنا ما يجري في بيوت المواطنين من المناقشات والتنظيمات وانشغال العائلة العراقية جل اوقاتها في الجدالات الايديولوجية والتنظيمية والسياسية اكثر من حياتها الخاصة واعتقادها بان مصالحها تكمن في العمل الحزبي فقط، وهذاما يفصح لنا ما يؤثر بدوره على سعادتها ورفاهها المعيشي، وبدوره سيؤثر على الحياة الاجتماعية العامة للمجتمع العراقي قاطبة .

 

لو تناقشت الاحزاب يوما سبل تحسين الوضع النفسي كجانب هام للظروف الاجتماعية العامة لابد لها ان تتطرق الى كيفية اداء العمل السياسي ودوره على المجتمع،عدا ما يجب ان يهتم به وهوضمان الوسائل الضرورية والخدمات العامة ورفع دخل الفرد ومحاربة البطالة التي تعتبر من الاولويات .

 

الاسلوب المتبع في العمل التنظيمي الحزبي معقد بشكل كبيرهنا، بحيث يؤثر حتى على العلاقات العامة بين الافراد الاسرة الواحدة ناهيك بين ابناء المجتمع جميعا، لم تزل التقارير والوشايات والصراعات الشخصية هي المسيطرة ووتسيطر على كل مقر ومكتب حزبي، فلا يبرح يوم الا وتظهر مشاكل عويصة اخرى وتتراكم وتشغل العقول في حلها وهذا ما يجعل العقليات التي يمكن الاعتماد عليها في بناء البلد وكل في اختصاصه تذهب ثمرة تفكيرهم سدى ويدورون في حلقات مفرغة .

 

رتابة العمل الحزبي وتكراره يوميا يمنع الابداع والابتكار ويغلق الطريق امام تفتح العقول . يجب ان نعلن هنا ان هذه العملية مستمرة منذ عقود ولازالت ترسبات العقلية الدكاتتورية والحزب القائد وكل العراقين حزبيين وان لم ينتموا باقية في العمل السياسي العراقي لحد اليوم وان كانت باشكال متغيرة .

 

من المعلوم، العراق الجديد يتميز بالتعددية وحسب مميزاته وخصائصه الاجتماعية الثقافية الاقتصادية والسياسية، وله تاريخ طويل وهو حاضن للافكار والمعتقدات وبلد الحضارات وكذلك المآسي والويلات . وجماهيره المتعددة المستويات الحاوي على مختلف الشرائح والفئات وهو موزايكي التكوين متنوع الثقافات والفنون والادب . وهذا جانب ايجابي وعامل مساعد ان استغل في الحفاظ على التعددية المطلوبة والحصول على نتائج وثمار طيبة من تفاعل الاطراف وتعاملهم المختلف مع الاحداث والمستجدات في كافة المجالات .  ومن هذه الزاوية يمكننا ان نتفائل بعض الشيء على ان العمل السياسي والحزبي يمكنه ان يعتمد على الكسب الجماهيري والموالين بشكل عام وان يتلقى الدعم من الجهات المختلفة في الانتخابات وهو الضروري وليس في ثنايا الغرف الحزبية الايديولوجية الضيقة، ويمكن ذلك من خلال النشاطات المدنية والاجتماعية والاعلام، وهذا ما ينعكس لصالح الشعب من جانبين هامين وهما الزهد في الاستهلاك المالي في العمل السياسي الحزبي وتقديم الافضل والاحسن من المشاريع المدنية الخدمية بالفائض الباقي .

 

 ربما سيتغربل الوضع السياسي طبيعيا اليوم كان ام غدا،  وهذا ما يحتاج الى وقت ان ترك على حاله، بينما المنظمات المدنية والجهات المسؤولة والمؤسسات عليها الواجب الوطني الاستراتيجي الهام في توجيه المسار وحض وحث وتشجيع المكونات المختلفة الاجتماعية الثقافية والمدنية على اداء الواجبات الجماهيرية والتخفيف من العمل الحزبي التعصبي القح الجاري الان من اجل تقصير المسافة والزمن، ومنذ مدة ليست بقليلة نعيش في خضم تلك الحالة والتي اثر ت على حياة المواطنين بشكل جذري . وما نحسه ان الشعب العراقي يعيش في المعسكرات والثكانت  وان تغلب الجانب السياسي عليه، وطبيعة الفرد العراقي في اداء واجبه الايديولوجي والفكري تعتمد على السخونة في العمل والتشددلاسبابه الموضوعية والذاتية، لا يسع المجال هنا لذكرها . الكثافة في عدد الاحزاب والحزبية الضيقة والعمل المزدحم على الساحة السياسية العراقية ازدادت الطين بلة . وهذا ما يحتاج الى التأني في التفكير والتحليل من اجل ايجاد الوسيلة المناسبة والالية التقدمية الحديثة لتوجيه المجتمع وتطبيع الوضع الاجتماعي من اجل انصرافهم لحياتهم الخاصة اكثر لضمان سعادتهم ورفاههم، وهذه هي اهم الاهداف الانسانية في الحياة البشرية .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1151 الجمعة 28/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم