أقلام حرة

يا لاعب السيرك تدرَّب على القفز جيِّداً: في حوارٍ بناءٍ مع السيِّد رئيس اتحاد أدباء العراق

أو أنهم سيعتبرون كلامي بتأويلٍ أكثر غباءً من التأويل السابق مناصراً لمواقف من يعادون العراق، أو من يتهمونه بشتى التهم الطائفية والعنصرية البغيضة التي يعتبر باسم الماضي الحسناوي والفئة التي يؤمن بتوجهها السياسيِّ والوطنيِّ في العراق من أكبر المناهضين لها على الإطلاق.

ليس هذا مهمّاً ألبتة في رأيي، فأنا واثقٌ من حقيقة أنَّ المثقفين السلطويين على حالين لا ثالث لهما:

الأوَّل: إما أن يكونوا ممن لا يفهمون الوقائع والأحداث والنصوص وكلَّ السجالات والنقاشات التي تدور عادةً بين العقلاء فهماً حركياً ذكياً، يستطيع تجاوز الكثير من عقبات الفهم الخاطئ، مع أنهم يعتقدون في أنفسهم أنهم فوق مستوى أن تفهمهم الأجيال الحاضرة، لفرط ما في ذهنياتهم من أسباب الصدمة العلميَّة التي لا تتحمَّلها العقول الحاليَّة القاصرة، وهؤلاء كارثتي معهم تفوق الوصف، إلا أنني اعتدت على غبائهم مؤخَّراً، فلم أعد أجد في بلاهتهم وتفكيرهم ذي البعد الواحد ما يسيء إلى مزاجي الهادئ، لذلك تراني مع هذا الصنف بالذات في غاية السعادة وأنا أستمع إلى نقاشاتهم وأحاديثهم الطفوليَّة المضحكة، مع أنَّ الغالبيَّة العظمى منهم من حملة الدكتوراه، أو أنهم قد تجاوزت أعمارهم السبعين، فأصبحوا على شفير الهاوية.

الثاني: وهناك صنفٌ ثانٍ من هؤلاء، وقاك الله شرَّه أيها القارئ، لا تستطيع أن تقول عنه إنه غبيٌّ أو أبله، لأنَّ أفراده أذكياء فعلاً، وهذا واضحٌ من خلال نقاشهم وحوارهم في المواضيع المحايدة التي ليس لها مساسٌ بمصالحهم الشخصية الآنيَّة من قريبٍ أو بعيد، وبدليل أنهم عندما يتجاوزون المرحلة الزمنيَّة التي اقتضت منهم أن يعتنقوا وجهات نظرٍ معينةً بطريقةٍ تنمُّ عن الغباء وعدم الفهم، يعودون فيسوقون في مقام التدليل على خطأ ذلك التوجُّه الذي استماتوا في الدفاع عنه أوَّل الأمر عشرات الأدلة مما خطر على ذهنك أو مما لم يخطر، فتعرف أنهم كانوا منافقين ليس إلا، وأنهم إنما كانوا يحوطون مصالحهم البعيدة عن منطقة النزاهة العلميَّة والوطنيَّة كلياً بتلك التبريرات التي يوحي حماسهم الكاذب بأنها حقيقيَّةٌ وصادقة.

إنَّ ما دعاني إلى أن أقدِّم بهذا الكلام الآنف، هو ما أقرأه في مواقع الانترنت والصحف والمجلات من التصريحات والمقالات التي يتقدَّم بها عادةً المسؤولون المباشرون عن إدارة اتحاد الأدباء المركزيِّ في بغداد حول السببين اللذين جعلا اتحاد الأدباء والكتاب العرب لا يمنحون هذا الإتحاد البائس حقَّ العضوية، أو بكلمةٍ أدقَّ إنه جعل عضوية اتحاد أدباء العراق معلقةً حتى يتمَّ الإيفاء بذينك المطلبين اللذين هما:

 أوَّلاً: إدانة الإحتلال.

ثانياً: إجراء انتخاباتٍ حرَّةٍ وديمقراطيةٍ لاختيار الأعضاء.

فرئيس الإتحاد الأستاذ فاضل ثامر يصرُّ على أنَّ الإتحاد قد أنجز هذين الشرطين، إذ يقول: "الإتحاد العامُّ للأدباء والكتاب في العراق كان وما يزال معادياً بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ لوجود الإحتلال الأمريكيِّ وللحرب التي أدَّت إلى احتلال العراق، لكنه رفض أن يكون في خنادق الإرهابيين وقوى العنف والتطرف الطائفي وآثر أن يخوض نضالاً سياسياً وثقافياً من أجل استكمال شروط السيادة الوطنية وإنهاء كلِّ مظهرٍ من مظاهر الإحتلال".

وأنا أناقشه حول هذه النقطة، لكني أقترح على الأستاذ فاضل ثامر الذي أحترمه كثيراً وأقدر فكره ومؤلفاته التي أغنت المكتبة الأدبية العراقية، وأضافت إليها جديداً بالتأكيد، أن أجيب نوعين من الجواب، أحدهما مختصرٌ جداً، والآخر يتضمَّن في طياته بعض الإسهاب.

أما الجواب المختصر، فيتمثل في أني مستعدٌّ أن أقدم له أعمالاً أدبيةً شعريةً وقصصيةً تدين الإحتلال والإرهاب في نفس الوقت، ولا تعترف بالقيمة الوطنية المزعومة للمشاريع السياسية التي يقدمها العملاء في الحكومة العراقية الحالية، فإن نشرها باسم الإتحاد وتبناها ودافع عن قيمتها الأدبية وحقها في أن تنشر تحت مظلة الإتحاد، فلا حقَّ لأحدٍ من بعدُ أن يشنِّع على هذا الإتحاد الوطنيِّ المناضل على حدِّ وصف الأستاذ ثامر، وسنهبُّ للتنديد بموقف اتحاد الأدباء والكتاب العرب هبَّةً واحدةً حتى يرضخ للحقّ، فيمنح هذا الإتحاد الفاشل حقَّ العضوية فيه.

فإن رفض اتحاد الأدباء والأستاذ فاضل ثامر ومعه الهيأة الإدارية المناضلة ضدَّ الإحتلال، أن تنشر تلك الأعمال وأن تتبناها بالرعاية والإهتمام، على العكس تماماً مما عليه حال الأعمال التي يكتبها أناسٌ لا مشكلة لديهم مع هذا الإحتلال، فلا أعتقد أنَّ إنساناً عاقلاً من الممكن أن يقول عن هذا الإتحاد إلا أنه اتحادٌ منحازٌ للإحتلال، وأنَّ هيأته الإدارية لا تمتلك الجرأة الكافية لأعلان ذلك الموقف، أو أنها تتبنى وجهة النظر التي تريد إضفاء الشرعية بمختلف الوسائل على جريمة أمريكا في احتلال العراق، وقتل شعبه، وتدميره من الشمال إلى الجنوب.

هذه هي الإجابة المقترحة المختصرة.

أما الإجابة التي تعتبر مسهبةً وطويلةً بعض الشيء، فسأجعلها ضمن النقاط التالية:

النقطة الأولى: إنك يا سيدي تقول: "وهذا الموقف وللأسف الشديد هو استمرارٌ للنهج المسيَّس السابق منذ مؤتمر الجزائر عام 2003 وحتى اليوم والذي حرم فيه الأدباء العراقيون من حقهم الشرعيِّ في استعادة عضويتهم لأسبابٍ وحساباتٍ وأجنداتٍ سياسيةٍ بعيدةٍ عن المعايير الثقافية والمهنية والنقابية"

وأنا أورد على الإتحاد جواباً نقضياً في هذا السياق، فإذا كان اتحاد أدباء العرب يتصرَّف بهذه الطريقة، فليس من حقِّ اتحادكم أيها الأستاذ الفاضل أن يورد عليه الإشكال، لأنكم في العراق تتصرَّفون بالمنطق نفسه، فتقصون الأدباء الحقيقيين على أساس انتماءاتهم الإيديولوجية والسياسية تقرباً وتزلفاً وتملقاً للسلطان، وإلا فقل لي كم من الأدباء في العراق تحرمونهم من حقوقهم في العضويات والمشاركة في المهرجانات القطرية الهامَّة على هذا الأساس، فمن جهتي لم أسمع إلى الآن أنكم أنصفتم أحداً من الأدباء العراقيين على قاعدةٍ من الموضوعية والحيادية العلمية، وكلُّ من يقرأ مقالتي إلا أعضاء الهيئات الإدارية في اتحادات العراق الفاشلة يوافق على هذا القول.

فلماذا تريد إنصافاً من الإتحاد البعيد، في حين أنَّ اتحادكم القريب غارقٌ من رأسه حتى أخمص قدميه في أوحال الإنحياز الإيديولوجيِّ البغيض، دعك من هذه، وانتقل إلى حجةٍ أخرى لا تكون قابلةً للردِّ أرجوك.

النقطة الثانية: يقول الأستاذ فاضل ثامر أيضاً: " فالإتحاد العامُّ للأدباء والكتاب في العراق كان وما يزال معادياً بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ لوجود الإحتلال الأمريكيِّ وللحرب التي أدَّت إلى احتلال العراق".

كلامٌ طيبٌ للغاية أيها الأستاذ، فإذا كان اتحادكم رافضاً للإحتلال فعلاً، فلماذا لا تدعون إلى إقامة الأصبوحات والأمسيات لإدانة هذا الإحتلال بالشعر العراقيِّ المقاوم، أم أنكم تريدون أن تكونوا في عظمة جيفارا وإيمي سيزار ومحمود درويش من دون أن يكون لكم همٌّ إلا الحديث الفارغ الأجوف في حديقة الإتحاد التي لم تشبع شجيراتها من ماء الإسالة الملوَّث، ثمَّ تقصون كلَّ أديبٍ تعرفون عنه أنه يحمل رأياً ضدَّ الإحتلال حتى لو كان مناوئاً للإرهاب ومتقاطعاً معه؟.

 ألا إنَّ تلك قسمةٌ ضيزى أيها الأستاذ لا أعتقد أنَّ رجاحة عقلك وحكمتك تقودك للموافقة عليها.

النقطة الثالثة: لَّمحت في مقالتك المنشورة في أحد المواقع إلى إمكانية أن يستغلَّ الإرهابيون الموقف المضادَّ للإحتلال، فيما لو أقدم عليه الإتحاد، وتلك ذريعة المماطل في رأيي، لأنكم تستطيعون أن تعلنوا موقفكم بشكلٍ صريحٍ بأن تقولوا: نحن ضدُّ الإحتلال، ونقاومه مقاومةً صريحةً، وندين اعتداءاته على الشعب العراقيِّ المظلوم، ونطالبه بإنهاء الإحتلال فوراً، ونطالب الحكومة بأن تأخذ على عاتقها حماية البلاد، وإلا فعليها أن تتنحّى. ثمَّ تدينون الإرهاب بالقوَّة ذاتها، أليس هذا ممكناً، أم أنكم تخافون من أن يكون رأيكم متقاطعاً مع رأي الحكومة، فذلك ديدن الإتحاد القديم في الحقيقة أن يكون متلاحماً ومتطابقاً مع رأي الحكومة أياً كانت، وليذهب الموقف الوطنيُّ النبيل إلى السعير.

النقطة الرابعة: ثمَّ إني قرأت في ما بين السطور تلميحاً إلى أنَّ مقاومة القوى الدينية لا تعتبر مقاومةً تستحقُّ الإعتراف، فذلك نابعٌ من تعصُّبكم الماركسيِّ القديم، فليس الشيوعيون بأقلَّ تعصُّباً من بعض الإيديولوجيات الدينية في واقع الحال، وإنَّ المقاومة الدينية التي أخذت على عاتقها تحرير البلدان في مختلف الأطوار والظروف كانت مشرِّفةً للغاية مهما صاحبها من الأخطاء، وليس معنى أن يشوِّه سمعة المقاومة الدينية الإرهابيُّ الكبير أسامة بن لادن ومن لفَّ لفَّه هو أنَّ كلَّ مقاومةٍ دينيةٍ في العالم هي على هذه الشاكلة.

النقطة الخامسة: يقول الأستاذ فاضل ثامر كذلك: " والأدباء العراقيون يرفضون أية مزايدةٍ على وطنيتهم ومواقفهم القومية والإنسانية المعروفة من قبل بعض الأطراف التي تعوَّدت أن تمجِّد الأنظمة الإستبدادية وتضع الخطاب الثقافي والأدبي العربي في خدمة هذه الأنظمة".

أسال الأستاذ الحبيب فاضل ثامر، والله يعلم أني لا أشاء إغضابه، لأني لم أحمل في أعماق روحي عنه إلا الحبَّ والودّ، وهو يعلم ذلك: أيَّ أدباء عراقيين تقصد بحقِّ الله، هل هم الغالبية العظمى من المنتسبين إلى اتحادكم، فإنهم بعثيون شوفينيون كانوا يقرأون القصائد المخزية التي تمجِّد الطاغية تحت لافتاته الدموية الحقيرة، اللهمَّ إلا أقلَّ القليل منهم، وهل هناك ثقافةٌ عربيةٌ أو عالميةٌ شوِّهت وتعرَّضت لهذا الكمِّ الهائل من الصفعات كالثقافة العراقية التي أهانها المثقف العراقيُّ نفسه، وليس أيّ مثقفٍ عراقيٍّ بالطبع، فحاشاي أن أقصد ذلك، لكنهم المتحكمون الآن في مصير الأدباء في الإتحاد المركزيِّ والإتحادات الفرعية في المحافظات، فإنهم، إلا أقلَّ القليل كما قلت، طبّالون زمّارون للطغاة في كلِّ العصور، ناهيك عن أنهم كانوا يمثِّلون الوجه الأبشع في تأريخ الثقافة الإنسانية على الإطلاق للمثقف الإنتهازيِّ الوضيع الذي يقبِّل قدم الطاغية، وإنهم جميعاً كانوا مستعدِّين لأن يتوضَّأوا ببول صدام استعداداً للصلاة.

دعك من هذه أيضاً، فلو كان أدباء اتحادكم الفاشل يحقُّ لهم الإعتراض على الأباعد من الناس كونهم مجَّدوا الطاغية ومدحوه، لامتنعوا هم من أن يبيعوا شرفهم الثقافيَّ في مقابل عاناتٍ قليلةٍ يحصلون عليها إثر كلِّ مشاركةٍ في مهرجانات الطاغية المقبور.

ولو كنتم صادقين أيضاً في نبذكم للدكتاتور حتى ولو بعد زوال حكمه، لكرَّمتم الأدباء الذين قاطعوا مهرجاناته وكان موقفهم ضدَّ النظام واضحاً ومعلناً.

أما عن القضية الأخرى المتعلِّقة بالإنتخابات، فلن تأخذ مني وقتاً طويلاً للردّ، أوَّلاً: لأني لا أعلم شيئاً من التفاصيل التي تحدَّثت عنها في انتخاباتكم الخاصَّة بالإتحاد المركزيِّ البغيض في حينها، وثانياً: لأني سأتخذ وجهةً أخرى في الإجابة، وهي أنَّ الطريقة المعروفة بدليل النظام في علم الكلام الإسلاميّ، وأنَّ البعرة تدلُّ على البعير كما يُؤثر، فأقول:

سيدي الأستاذ فاضل ثامر، أسألك بالله أليس من حقِّ هذا الإتحاد أن يطالبكم بانتخاباتٍ نزيهةٍ وبالدليل عليها، ولنفترض أنكم محقون في الإعتراض على اتحاد الأدباء العرب، لكن ألا يشير تأخيركم للإنتخابات وتأجيلها المستمرِّ إلى درجة أننا فقدنا الأمل من الأصل في الإنتخابات المرتقبة، إلى حقيقة أنكم مزوِّرون، وأنكم لستم جادِّين في تسليم مقاليد الأمور إلى من تتوقَّعون أنه سيخلفكم، فكذِّبوا زعم اتحاد الأدباء العرب بأن تقيموا هذه الإنتخابات حالاً، حتى لو كان ذلك بإمكانياتٍ ماليةٍ بسيطة، وإلا فإنَّ التهمة بحقِّكم ستكون أقرب إلى الصدق بطبيعة الحال.

هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، فإني أعرف بالتفصيل ما جرى في الإنتخابات التي جرت في اتحاد أدباء النجف السابقة، فإنَّ نصابها لم يكن مكتملاً من الناحية القانونية، فلم تنتخب الهيأة الإدارية التي تتعاملون معها وتضفون عليها الشرعية الكاملة إلا الجدران وأربعة عشر شخصاً ليس أكثرهم من الأدباء الحقيقيين، فربما أشار الوضع الإنتخابيُّ في اتحاد أدباء النجف إلى حقيقة ما جرى في انتخاباتكم التي أتوقع أنها لم تجر إلا بالطريقة غير القانونية ذاتها، والله الموفِّق.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1152 السبت 29/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم