أقلام حرة

اليسار الكوردستاني بين الواقع والضغوطات المختلفة

كانت لها اليد الطولى والعقلية المتنورة ليس في كوردستان فحسب وانما في المنطقة باكملها .

 

يمكن استبيان عمل ومهام اليسار على مرحلتين اساسيتين وهما قبل ثورة 14 تموز 1958 وتاثيراتها المباشرة على الحياة العراقية وبعدها بما مرً بها من الظروف وما واجه اليسار من المعاناة والتحديات العديدة، اما في كوردستان، فيمكن ان نقول انه كان على نوعين ومر بمراحل متعددة، اي اليسار اثناء الحركة التحررية الكوردستانية ودوره البارز في فكر وفلسفة وتنظيماتها، ان لم نقل قاطبة وانما الاكثرية الساحقة من الاطراف الرئيسية فيها كانت تؤمن باليسارية والفكر الماركسي وتمتعت بفلسفة ونهج عمل وتنظيمات لينينية، واثرت بشكل مباشر بالثورة والتنظيمات البلشفية، وهذا واضح للعيان ولا يخفى على احد . المنحنيات البيانية للحركة اليسارية توضح لنا مدى تاثرها بما كان يجري في الاتحاد السوفيتي وما حملها من المستجدات والمتغيرات . اما اليسار بعد اخماد الثورات والحركات التحررية الكوردستانية فهومن النوع الاخر والمرحلة الاخرى، نظرا لبقائه بعيدا عن السلطة وعدم استلامه لها في العراق لاسبابه المتعددة لا يسع هنا شرحها .

 

اليوم وبعد التغييرات العالمية وما جرى للمنطقة بشكل عام متاثرا بانهيار المعسكر الشرقي وما حدث في العراق، وما نشاهده في كوردستان ونلمسه بعد انتفاضة اذار 1991 وتحررها من قبضة الدكتاتورية وما بعد سقوطها، فان اليسار لازال يتراوح في مكانه لاسبابه الموضوعية والذاتية العديدة .

 

ان الوضع السياسي العالمي ومتطلبات العمل السياسي لها ضروراتها في كافة بقاع العالم، وتتاثر اية منطقة بما يجري على الساحة الدولية، وما حصلت كانت جذرية التغيير واستجدت معها الظروف العالمية العامة في كافة الجوانب، وهذه بديهية منطقية لا يمكن استثناء اية بقعة عنها ومنها كوردستان وما فيها من اليسار واليسارية، وكل ما يمس بها من حيث الفكر والفلسفة والايديولوجيا والية العمل . دور النظام العالمي الجديد وتاثيرات العولمة والتطورالتكنولوجي والاتصالاتي وسيل فيضان الثقافة الغربية وانجراف ما موجود امامها اينما وصلت بحيث غيرت معالم العديد من الدول بشكل كبير، وهذا لا يمكن ابعاده عن كوردستان وما فيها من الافكار والتنظيمات ومنها اليسار بالذات . لو بقينا في هذه البقعة بالذات نتلمس التغييرات الجذرية في بنية الكيانات وكذلك المجتمع بشكل عام وسريع لا يمكن تصوره، ما هو الحال وصول ما تتمتع بها الراسمالية من المواصفات الى المنطقة واثرت على تركيبتها، فهناك في المقابل وصلت ما يخرج مما هو منتعش من الافكار والفلسفات السلفية من الدينية والمذهبية وحتى العرقية بشكل مباشر وسريع لكونها تنبع من المنطقة ذاتها او القريبة لها ولها تداخلاتها وتماساتها مع كوردستان، وما يتمتع به مجتمعه من العادات والتقاليد والعقائد والثقافات متوائمة معها فان كانت لم تؤيد الشواذ وما تصدر من التطرف والتشدد فانها لا تعارضها بشكل كامل، وهذا ما احدث خرقا في الطبيعة الاجتماعية لشعب كوردستان متلازمة مع الثقافة العامة ومستوى الوعي العام والوضع الثقافي الاقتصادي غير المستقر وما حملها لنا التاريخ من الترسبات ولتراكمات مما مر به من الناحية السياسية والثقافية .

 

اليوم نحن في كوردستان نحس بان الارضية الموجودة غير متهيئة لعمل اليسار بشكل جيد والمساحة ضيقة، وهي تمر بفترة عصيبة ومحصورة بين مطرقة الضغوطات العالمية ومتغيراتها وتاثيراتها الفكرية الفلسفية الثقافية المباشرة على المنطقة باجمعها ومنها كوردستان،و سندان الواقع الكوردستاني المليء بالتناقضات العديدة ومن كافة النواحي المتصلة باليسار . يمكن ان نتصور بان المرحلة متنقلة ولا يمكن ان تظل على هذه الحال من كافة النواحي، وما على اليسار الا الجهد والعمل المضني والقراءة الواقعية الدقيقة لما نحن فيه واتباع التكتيكات الانية المتعددة من اجل تحقيق الاستراتيجيات البعيدة المدى  والاهداف الخاصة بما يهم الفكر والفلسفة اليسارية، والعبور بامان الى المرحلة الاخرى لحين تطبيع الاوضاع والظروف العامة ويعود العمل السياسي والفكر اليساري الى سكته الطبيعية ونامل ان يصل الى اوج حيويته وتنمية قدراته وتطوره .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1154 الاثنين 31/08/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم