أقلام حرة

تحديات السلم الاجتماعي / حافظ آل بشارة

ومع غياب القيادات القادرة على خوض معركة الاصلاح الجذري يغيب ايضا البحث العلمي القادر على تشخيص مشكلة البلد ووضع النقاط على الحروف، واذا توفر باحثون من هذا النوع فالخوف من العواقب تجعلهم صامتين، اصل مشكلة هذا البلد تكمن في التسوية الخاطئة لصراع القوى المتنازعة، واي تراض بينها يعتبر تراضيا هشا ويمكن ان ينهار في اي لحظة الا اذا استند الى قواعد شرعية وقضائية ذات طابع مهني جذري، وهذا ماتكشفه علاقات التوجس وسوء الظن بين مختلف القوى السياسية وسرعة انهيار التحالفات والصداقات والاتفاقيات بينها، ثم التخندق السريع والاستعداد للقتال في مواجهة اي خلاف، انها تسوية شكلية وسطحية لعداوات دموية عميقة وصعبة وقد تدخلت قوى دولية لجعل الاطراف المتناقضة تتصالح بطريقة فيها الكثير من الاستخفاف وعدم المبالاة، رفعوا شعار نسيان الماضي بلا مبرر ولا اي عوامل مساعدة على النسيان وحذف الذكريات البشعة، تعمدوا اصدار أمر للضحية كي ينسى قاتليه ويصافحهم، وامر للقاتل كي ينسى انه قاتل ومطلوب وملاحق، نزولا عند الأوامر ربما حاول كل ضحية ان ينسى مظلوميته و حاول كل قاتل ان ينسى جريمته، ما هي المكافئة التي تجعل تغييرا في الوعي من هذا النوع يحصل لدى الجلاد وضحيته ؟ لا توجد اي مكافئة، و ملفات اللاوعي تعمل باستمرار ولا يمكن لمقتول ان ينسى قاتله ولا يمكن لقاتل ان ينسى عقدة الذنب والشعور بالخوف والقلق الذي يلاحقه، اذا كان ممكنا صناعة أمة جديدة مكونة من قاتل تائب ومقتول متسامح فالانبياء احق بذلك في اممهم، لكن اي نبي لم يفعل ذلك، المصالحة الاعلامية الدعائية اي بلد ماهي الا كذبة ساذجة، المجتمع الذي تغلي في اعماقه مشاعر الثار في اي بلد يعد فاقدا لمقومات التعايش السلمي، صحيح ان المؤتمرات والملتقيات تضج بالمزيد من الخطابات الرنانة حول التعايش، لكنها مجرد اغطية على نار تضطرم تحت الرماد يمكن ان تتحول الى حريق في كل لحظة، الشعارات الدعائية تجد سوقا لها في التجارة والسياحة والفن ولكن من الخطر استخدامها لحسم العداوات بين البشر خاصة اذا كانت تنطوي على تاريخ من اراقة الدماء وهتك الاعراض وسلب الاموال، يجب احالة المجرم الى القضاء ومن شايعه وبايعه وموله واحتضنه، المجرم في اعماق نفسه يكابد القلق والخوف وفقدان الامان الذي يزيده انكفاء وسوداوية وعدوانية، لذا وجد القصاص (ولكم في القصاص حياة يا اؤلي الالباب) ووجدت الاحكام الجنائية التي تنظف المجتمع من المجرمين . المجتمع المسالم لا يسمح لاصحاب السوابق بالعيش في اوساطه لانهم عنصر تعكير للسلم الاجتماعي المدني، ولكن ما بالك بالبلد الذي يكافئ القتلة ويضعهم في مواقع السلطة ؟ هذا النوع من الاندماج الفاشل يقف عائقا امام مشروع بناء دولة حديثة، ويؤسس لانقلاب تآمري انتقامي يتحين الفرص .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1776 الخميس 02 / 06 /2011)

 

في المثقف اليوم