أقلام حرة

بطلا .. تسونامي العرب / قاسم حسين صالح

لكن بطليها الحقيقين شابان فقيران..عاديان جدا، الأول بائع خضار راح يشكو حاله الى الحكومة لتساعده في قوت أسرته، فصادرت بضاعته ودفرت عربته برجلها شرطية مع صفعه بيدها الى وجهه مصحوبة بتحقير ومسبّه.

ولأول مرّة في تاريخ ثورات العالم،تشعل حالة انتحار بالنار لهيب ثورة احرقت قصور حكّام عاهدوا السلطة ان يبقوا فيها مترفهين الى يوم يخصّهم عزرائيل بالزيارة..فهربوا من قصورهم مذعورين ملعونيين في (جمعات) كانت سودا" على الظالمين بيضا" على المظلومين.

ذلكم هو "بوعزيزي" الشاب التونسي الذي احرق نفسه في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 ،والمعروضه عربته الآن للبيع بالاف الدولارات..وما كان يدّخر منها في السنة دولارا واحدا!.

كاد حدث احراق بوعزيزي لنفسه ان لا يذكر أصلا، فقبله انتحر كثيرون، وأصيب بالجنون كثيرون، وأودع المصحات العقلية مثقفون وشعراء وفنانون ومناضلون، كان الجاني بهم حاكم عربي مستبد..وكانت ادواته شرطة سرية وأمن مخابراتي جرى لهم غسيل للضمير والاخلاق نظّفهم تماما من كل ما هو انساني، حتى صار فعل الشر عندهم سلوكا عاديا، بل واجبا وطنيا!.

وكاد حدث الشاب بوعزيزي ان يمر عاديا لولا شاب آخر كان عاديا مثله يسكن عبر المحيطات اسمه مارك زكربيرغ، لم يكن يملك عملا ايضا لكنه يمتلك عقلا يعادل وزنه ذهبا، بل هو يساوي الآن 45 مليار دولارا!.

كان مارك هذا هو مؤسس الفيسبوك، ابتكره اصلا" لاحساسه بأن منغصات الحضارة جعلت الناس تعيش حالة اغتراب نفسي واجتماعي وأنهم صاروا بحاجة لوسيلة سهلة للتواصل الاجتماعي..وما درى ان اداته هذه ستصبح اقوى واوسع واسرع واسهل اداة في تاريخ التحريض على الثورة.

ففي الثورة الفرنسية(1789) كانت الصحيفة اداتها،التي لا تصل الا الى الآف، وكذا كانت جريدة "الشراره" في ثورة اكتوبر 1917. وأذكر ايام كنت في وارشو عام (1982) كانت غدانسك توزع المنشورات بشوارعها، وكذا كان المنشور السياسي هو اداة التحريض عندنا، ثم تطورت الى جهاز لا سلكي يوضع على قمة جبل ويطلق على نفسه "اذاعة" لا يعبر مدى ارسالها مائة كيلو مترا.

كل ادوات الثورات السابقة كانت مسافاتها اعداد كيلومترات وتعداد مستقبليها الآفا،الا الفيسبوك..عبر المحيطات ومستقبلو رسائله مليارات!..معظمهم شباب بثقافة وطموحات تختلف عن ثقافة وطموحات انظمة حكم صارت خارج الزمن.

وما كان لعزيزي ومارك ان يكونا بطلا تسونامي ثورات العرب لولا ان الحكّام افرطوا في افقار الناس. فالفقر هو محرّك كل الثورات بالتاريخ، اذ يمكن للناس ان تصبر على استبداد الحاكم اذا كان عادلا"، لكن ان يكتنز المليارات ويعيش حياة خرافية عشرين ثلاثين واربعين سنة وشعبه يشقى، فان تراكم كبت القهر والشعور بالحيف يملأ "الحوصلة" فتنفجر بغرزة أبرة..وكانت "عربة" بوعزيزي الأبرة التي فجّرت "الحوصلة العربية". وكان مارك هو الذي اوصل الصرخة التي صاحت بالعرب ما نادى بهم امامهم قبل الف سنة: (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه) فصرخوا..وأدهشوا العالم بما يصعب تصديقه!.

اليس بوعزيزي ومارك هما بطلا هذا التسونامي المبارك..وان علينا ان نقيم لبوعزيزي تمثالا بميادين التحرير وساحات التغيير في عواصم العرب..فثمة تسونامي عربي يتكون الآن قد يوقظه بوعزيزي آخر ليطيح ليس بحكّام ظالمين بل بحكومات  فيها من يجهل أن فساد الحاكم أشدّ من ظلمه في اثارة الشعور بالحيف..وأقسى على الناس حين يشرعن ديمقراطيا!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1784 الجمعة: 10 / 06 /2011)

 

 

 

في المثقف اليوم