أقلام حرة

كلنا هناء أدور .. هناء أدور رمز عراقي أصيل / جواد وادي

 للحقائق لتتكشف الأشياء بشكل تلقائي ودون تدخل مقصود أو غير مقصود إنما رائحة الفساد وتردي الوضع بكل مكوناته أخذت بالانتشار لتزكم الأنوف وتلوث البيئة السياسية برمتها من أحزاب إلى منتمين لها إلى وزراء فاسدين وموظفين فاحت عفونة أفعالهم إلى ممارسات يندى لها جبين من هو شريف ومن بقي من الأنقياء من فاعلين سياسيين رغم قلتهم لأن العراقي الأصيل لا يرضى أن يعمل في هكذا وضع فاسد ومتعفن من أعلى موقع لأدنى وظيفة والقبول بتواصل العمل يعني الصمت وبالتالي القبول بما يحصل من فساد وتدني خطير في مفاصل حياة الناس بكل بلاويها وخرابها لتصل المأساة الى تهريب قتلة العراقيين من السجون وإفلاتهم من القصاص والصمت إزاء ما يحدث ويا ويلتاه على العراق الجريح.

لا أعرف كيف لمن كان ملاحقا من الوضع الفاشي السابق كما يدعي أن يتغير بين لحظة وسواها ليتحول هو نفسه إلى طاغية إن لم يكن أنه مدّعي وكاذب ولم يكن سوى شريك في نظام الطاغية المنهار أو قريب منه ويمارس ازدواجية العمل وخيانة المواقف وهذا النوع أخطر بكثير من فاشست صدام.

معالم الوضع في العراق بانية للعيان ولا تحتاج إلى أدنى إثبات أن الوضع في أخطر مراحله من حيث الفساد وتناميه وعلى أيدي أحزاب تدّعي الوطنية والنضال ومقاومة نظام صدام  والأغرب من ذلك أنها أحزاب دينية وتتبجح بالفضائل وهي غارقة الآن في الفساد من رأس السلطة حتى آخر متسكع على هبات هذه الأحزاب وما أكثرهم من متزلفين ومنتفعين وطائفيين وناهبي لقمة العراقيين المنكوبين من منعدمي الضمائر والقيم الذين أسسوا لنظام المحاصصة المقيت والذي يعني أنهم عملوا على تفتيت العراق طائفيا ولهم السبق في ذلك بعد أن ورثوا أسسه من النظام المقبور ليخرجوه بهذه الحلة الغريبة.

ما قامت به الناشطة الحقوقية والجمعوية هناء أدور كان عملا وطنيا بطوليا بامتياز كونها اقتحمت صمت المرائين لتفضح المستور وبوقت حرج للساسة وهم يتشدقون بحقوق الإنسان وإنجازاتها الباهرة في العراق الجديد كما جاء على لسان إد ميلكرت وبتلقين منهم وكان الظرف مناسبا لكشف الحقيقة فكانت الصدمة لرئيس الوزراء الذي تصرف باحتقار شديد وسلوك لا ينم عن كياسة مسؤول ينبغي أن يتلقى الموقف بكثير من الاحترام والرصانة والمسؤولية والتقدير لسيدة معروفة بمواقفها الوطنية المشهود بها، فشتان ما بين السيد المالكي والسيدة هناء أدور وكلاهما كانا يناضلان ضد نظام البعث كما نعلم وها هي الصورة توضح نفاق الأول وصدق المنتفضة ضد التردي الأخلاقي للوضع السياسي ممثلا بساسة العراق الجدد وما وصل إليه العراق من انتهاكات صارخة لحقوق البشر وتغليب الطائفة والمذهب والقومية على صدق الانتماء للوطن والناس المحرومين.

كان السيد إد ميلكرت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أكثر لياقة وأدبا حين إستلم البوستر الاحتجاجي من السيدة أدور، أما السيد المالكي فرفض تسلمه وأبعده بخبث وكأنه يبعد ميكروبا، فكان المشهد معيبا ولا يليق برجل يدعي الكياسة والتعقل وهو بهذا الموقف من التطير والامتهان لسيدة فاضلة .

السيدة هناء أدور لم تفتعل الحدث ولم تلفق موضوعا بل هي احتجت بطريقة قانونية ومشروعة لوضع شائن يحدث يوميا في العراق من انتهاك لحقوق الإنسان وكانت المناسبة هو ملتقى عن حقوق الإنسان فلماذا الرفض لهذا الموقف الحضاري المعبر عن الاحتجاج لشطط يقع يوميا وتباركه سلطة المالكي وبطانته المنتفعة من اللصوص والفاسدين وخصوصا اعتقال الشباب الأربعة وهم لم يفعلوا شيئا سوى المطالبة بحق طبيعي ومشروع ؟

إنه لأمر غريب أن يحدث مثل هذا السلوك المرفوض من المسؤول الأول في السلطة فماذا يفعل إذن من هم أدنى منه مسؤولية وسطوة؟

كان المشهد فاضحا وتراجيديا ولا يحتاج إلى مواربة أو طمس للحقائق، أنا شخصيا تقززت من موقف السيد المالكي الذي كنت يوما ما قد أشدت بمقالة بمواقفه لفرض سلطة القانون وعليه أعلن براءتي مما كتبت عنه لأن الموقف الأخير ومواقف عدة بينت أن الرجل أخذه شغف الحب للسلطة وقوة الجذب للكرسي اللعين وبدأنا نلحظ تحولا في خطابه وسلوكه يشوبهما التشنج وضيق الصدر وعدم قبول الرأي الآخر، وهذه بداية الانحدار لحضيض السلطة وسطوتها السحرية الماكرة حين تنزع المرء من واقع وتنقله لوضع مغاير هو بداية نفق الضياع وغير المعروفة نتائجه وهي يقينا نتائج كارثية إن لم يتدارك وضعه وينتبه لنفسه قبل أن يجرفه طوفان السلطة وإغراءاتها المخيفة.

يعزز ما ذهبنا إليه من بين عشرات المواقف والهفوات ما قاله عن منتسبي منظمات المجتمع المدني بأنهم مجموعة من المجرمين والإرهابيين، ألف تحية يا سيدي الوزير الأول على هذا التوصيف لناشطين جمعويين متطوعين دون أن ينتظروا دعما من أحد بل هم من يدعم هذه الأنشطة من جيوبهم المتعبة أصلا لتأسيس تقليد حضاري لمقومات الدولة العصرية، دولة الحق والقانون التي تعتمد بالأساس على مبادرات وجهود نخبة المجتمع العراقي من مفكرين ومثقفين ومبدعين وأصحاب فكر نير وما هم بمجرمين أو خارجين عن القانون يا دولت المسؤول؟

كيف سمحت لنفسك أن توجه هذه الإهانة لشرائح عراقية معروفة بكفاءتها ووطنيتها ومطاولتها لأعتى نظام قمعي في الكون وقدمت القرابين من أشرف أبناء العراق على يد سلطة البعث وهو الطريق الذي أوصلك إلى ما أنت عليه الآن وبقية من يدور في ذات الفلك؟

هذا تحول ينذر بالكثير من الشؤم عما ينتظر العراق من التفاف على المنجزات حتى وإن كانت باهتة ونسيان أو تناسي أنهار الدم للعراقيين الذين عبّدوا بدمائهم الطاهرة طريق الإنعتاق من حكم الطاغية الأرعن ومن المخجل والصادم أن تديروا ظهوركم لكل هذا التاريخ الحافل بالشهادة والمواقف البطولية  لتصل بكم مواقفكم إلى هذا التوصيف المخجل ولا أظنها زلة لسان  لتنعتوا ناشطي المجتمع المدني من الشرفاء والمخلصين والمتضررين سابقا وحاليا بالمجرمين والإرهابيين.

كلنا هناء أدور في فعلها البطولي العراقي الأصيل لنقول لا لكل مصادرة للحريات وتجاوزات خطيرة على حق المواطن في التعبير والرأي والنضال من أجل العيش الكريم وبناء دولة الحق والقانون ورفع الحيف عن كل المظلومين لا ذنب لهم سوى معارضتهم للشطط والتجاوزات التي تحد من نشاط الفاعلين الأحرار والدفاع عن الحق في الحياة الحرة الكريمة.

وطوبى للعراق بأبنائه وبناته من الوطنيين الأحرار وعلى رأسهم المناضلة هناء أدور بمواقفها الفذة وفرسان ساحة التحرير الشجعان وكل من يحمل مشعل الخلاص من محاولات الإقصاء البائسة.

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1786 الاحد: 12 / 06 /2011)

 

في المثقف اليوم