أقلام حرة

مابين المثقف المحافظ والمعتدل في اقليم كوردستان

وانشغال الشعب المستمر بالحركة التحررية الكوردستانية وتشابك واختلاط المفهومين في المراحل التاريخية السابقة مع تدني المستوى الثقافي الكوردستاني العام ورضوخ المجتمع الكوردستاني لامر الواقع وهوتحت نير السلطات الظالمة التي كانت مهمتها ابعاد كل ما يمت بالثقافة عنه من اولوياتها وشغلها الشاغل لعقود متتالية، ولم يكن الشعب يهتم بالثقافة اكثر من امنياته في التحرر والحياة المعيشية الحرة الطبيعية، وهذا لاسبابه الموضوعية والذاتية، ويمكن ان نستثني ما كانت الحركات التحررية تهتم بها من الثقافة المتعددة الجوانب، وهذا هو مربط الفرس في ما اثر بشكل مباشر على واقعه الاجتماعي الثقافي السياسي العام .

 

اليوم وبعد الحرية النسبية والتغيير الحاصل على حال الاقليم، نرى وضعا مختلفا شيئا ما من الناحية الثقافية وما يرتبط بها، ولكن الواقع الثقافي العام لم ينضج بشكل طبيعي ونشاهد تاثيرات التاريخ والسياسة والواقع الاجتماعي ظاهرة على ملامحه .

 

لو قرانا ما تتمتع بها كوردستان من الصفات،  اننا نتاكد في بعض الاحيان بان الثقافة لم تظهر وتبان للعيان الا في الرواق والحديقة الخلفية والكواليس المغلقة للسياسة فيها . ما يمكننا ان نستنتجه هو استفادة الكيانات السياسية والسياسة والسياسيين بشكل عام من الثقافة في تسيير امورهم وهم يستلمون المعونات المختلفة والدعم الضروري منها في الاوقات الحرجة، ومن اجل بيان وتنصيع وجههم وباي ثمن كان، ومن ثم يهتمون بها من اجل ترويج سلعهم السياسية الخاصة، وبعد ذلك يظهر المثقف والثقافة بشكل عام كتابع وملحق للسياسة على ارض الواقع .

 

ماهو الملاحظ في هذه الاونة ان السياسي في كوردستان يحاول ان يكون ويظهر نفسه على انه مثقفا اوكاتبا ويظهره للراي العام، وعلى الملأ يعلن بانه له باع في الثقافة ويختار فرع من فروعها من اجل بقائه في موقعه المهني والسياسي وسلطته التي وفرها له انتمائه السياسي وفعاليته التنظيمية كيفما كانت ويعتبر نفسه مدينا له وليس لثقافته التي يتشدق بها . وفي المقابل هناك العكس، اي المثقف او الكاتب بشكل خاص لم يتحرر من تقمصه لصفات وملامح شخصيات سياسية وتصرفاتها وما تهمها من الصفات والسلوك والتعامل مع الاحداث . اما في حالات اخرى نلمس اختلاطا في الامور ولا يمكن التصنيف العلمي الدقيق الواقعي وافراز السياسي عن المثقف او الكاتب، وبه يمكن ان تُنفَذ الاجندات السياسية بسهولة من قبل ما يجمع الصنفين في بودقة واحدة دون اي اعتراض .

 

 السياسي المثقف او السياسي الكاتب، هو الشخصية التي لم تتمكن من الوصول الى اهدافها ومقاصدها وامنياتها السياسية التي عملت من اجلها، وبالتالي توجهت الى الكتابة والمجال الثقافي عوضا عنها، في حين كانت تعتبر نفسها بمستوى اعلى من الاخرين من الناحية الثقافية والمراكز الاجتماعية، وهي الشخصية الثقافية او السياسية البرجوازية في كثير من الاحيان، وهي التي تبحث عن ايجاد هوية اخرى توفر لها طموحها وتُسهٍل لها  الوسيلة المؤملة والطريق السليم حسب اعتقادها في المجتمع للوصول الى مبتغاها .

 

 واليوم ما نشاهده على ارض الواقع في كوردستان هو سيطرة الليبرالية الراسمالية التي تصنع الراي ولا تدع للفرد او المجتمع بالاخص ان يكون له رايه الحل المستقل المؤثر، لذلك نرى ان المثقف والسياسي اختلط عليه الامور ولا يجد ما يعبر عنه من خلاله، بحيث ان حاول طرح رايه لم يجد له اي صدى او تاثير على مجريات الامور، ولن يبقى سوى طرحا للراي دون تحقيق الهدف .

 

استنادا الى ما سبق، اننا نعتقد ان القوة التي من المفروض ان تنبثق وتلد من رحم المجتمع في هذه المنطقة وفي هذه المرحلة بالذات، لتقف حجر عثرة امام الهجمات المستمرة للقوى الجشعة والهيمنة الواسعة للقوى الراسمالية وفروعها المتعددة ووسائلها المنتشرة، هي اليسارية التي يمكنها ان تنقذ الحال وهي غائبة لحد الساعة وللاسف وبشكل خطير عن الثقافة العامة الانية للمنطقة، ويجب ان يعلم الجميع ان ولادتها ضرورة تاريخية ملحة، وللاسف في هذه اللحظات، ان المؤشرات التي تدلنا على انبثاقها لم تظهر في الافق بشكل واضح .

 

 وفي الواقع كما نرى ان الظروف والاوضاع الغارقة في سلبيات وافرازات اليمين فهي بحاجة ماسة الى ظهور وانبثاق اليسار كمنقذ طبيعي للحالة السياسية والثقافية الموجودة، من دون فرض فوقي او ثوري .

 

هناك من الامور والقضايا العامة المرتبطة بوضع اقليم كوردستان وما فيه، ولا يمكن لاية جهة ان تتطرق اليها وتحسن التعامل معها وتحل تعقيداتها اكثر من اليسار، مسالة العدالة الاجتماعية فهي القضية المصيرية الكبرى المتلائمة الموجودة في كافة الازمنة ولا يمكن ان يتنفذ تاريخ صلاحيتها مها كان وان وصلنا الى مرحلة يتوفر فيها مستوى ثقافي وسياسي واقتصاي مريح، او نسبة معينة من العدالة وفي اية منطقة كانت . وكذلك المساواة هي الطرف الثاني لكفة الميزان، وهي ليست بمفهوم مرتبط بما يريده المجتمع وما هي توجهاته، وانما مطلب ضروري واقعي يتناسب مع كافة الازمنة وفي جميع الوقائع، طالما هناك الفقر والغنى والفجوات الموجودة بينهما والاختلافات في المستوى المعيشي للمواطنين وبوجود الطبقات والشرائح المتعددة فان الالية والفلسفة الواقعية المناسبة لضمان الحلول هي اليسارية بحد ذاتها .

 

اي، تكون الثقافة العامة اسيرة الواقع السياسي في مثل هذه الظروف الموجودة في كوردستان بما فيها من النظام الليبرالي الراسمالي ومن النوع المتخلف، ولا يمكن ان تتحرر الثقافة من قبضة السياسة ومخالبها الا بانبثاق نظام يعتمد على المباديء اليسارية العامة . 

 

 

 

 

في المثقف اليوم