أقلام حرة

خطاب السيد علاوي: يأس التابع وجزع سيده / وليد العبيدي

... وعلى المستوى الداخلي كان يظن السيد علاوي أن العراق سيكون عجينة بيد "مالئة الدنيا وشاغلة الناس" أمريكا تصنع منها كرسيا يعتليه الملك الجديد  بينما يصطف العراقيون طوابير بانتظار أن يأتي دور كل واحد منهم للفوز بفرصة لتقبيل  يد الملك السعيد الذي جاء لهم بأمريكا من أعالي البحار لتنقذهم من ظلم عقود البعث العجاف...

شعب جائع، مكسور، مهان ليس أسهل من حكمه...هكذا كانت صورة العراق في ذهن علاوي وسيده امريكا عشية 2003...من اين كان لهم أن يعرفوا أن ارض العراق سوف تزيل الغطاء وبسرعة لم تكن في الحسبان عن مرجعية دينية شيعية  ذات كلمة مسموعة وتيار صدري شعبي يتقن التشويش وشيخ قبلي مغوار كعبد الستار أبو ريشة يجعل من "أسطورة القاعدة" أضحوكة الزمان وأكثر من ذلك كله قادة محنكين يملئون الطريق أشواكا أمام حفلة اعتلاء العرش؟

منذ اللحظة الأولى التي أحست بها الولايات المتحدة مع حكومة الجعفري الأولى في بداية 2004 أن العراق ذاهب في غير الطريق الذي رسمته بدأت باستخدام عقاقير الإجهاض التي تصنع في مخابر أجهزتها المختلفة  وما أنتجته مخابر إسرائيل من تقنيات، وعلى رأسها تقنية القتل وإثارة الفتن، لمنع العراق من السير في الطريق الذي اختاره لنفسه..

 

كان الأمريكيون يعون أن مجموعة علاوي التي ضمت إلى جانب حركة الوفاق عناصر أخرى منها شيوعية والتي لم تمتلك أكثر من 24 مقعدا في البرلمان الأول الذي دشن اول حكومة منتخبة في بداية 2005 بزعامة نوري المالكي لم تكن مؤهلة لتطرح نفسها حاكما للعراق رغم ممالئة القادة الكرد وعلى راسهم مام جلال الذي انخرط في المخطط الأمريكي للتشويش على حكومة الجعفري وعبر صراحة عن ميله لعلاوي كرئيس للوزراء لهذا كان الرهان على جبهة التوافق وبالدرجة الأولى على محطة  طارق الهاشمي للقيام بالتشويش المطلوب لعرقلة سير الحكومة في طريق البناء السياسي والعمراني، تشويش كان مدعوما بموجات إرهاب ضنت أمريكا أنها كانت كافية لتهد حكم تحالف غير منقاد لرغباتها...

 

واستطاع الربان المالكي وبحارته في رحلة شاقة دامت خمس سنوات أن يوصلوا سفينة العراق وسط أمواج الإرهاب العاتية واسماك القرش التي تمخر البحر إلى شاطئ الانتخابات التالية محققا الكثير من التقدم على طريق ترسيخ أسس الدولة العصرية وسط ذهول وامتعاض حلف أمريكا..غير أن الجزع لم يكن بعد قد أحاق بأمريكا فلا زال لديها الورقة الكبيرة لتلعبها هي ورقة الانتخابات التالية التي كانت تهيئ لها جيدا بالتعاون مع خدمها المخلصين إد ملكرت وفرج الحيدري (الذي افتضح أمره في الاستجواب البرلماني على يد النائبة جنان الفتلاوي) ...وهذا ما كان...فقد أخرجت الولايات المتحدة هذه المرة من قدرها طبخة جديدة ظنت أنها ستروق للعراقيين رمت فيها خليطا غريبا من ليبراليين وإسلاميين وبعثيين ويساريين وطامعين من كل لون وأخرجت لهم من مطابخ ملكرت وفرج الحيدري نسبة تؤهلهم لتشكيل الحكومة...غير أنه ليس كل ما يتمنى المرء يدركه..فكانت ضربة ائتلاف  دولة القانون الجديدة بأن دخل في تحالف جديد مع حلفاء الأمس وقد ظن الأمريكيون أن الحلفاء القدامى أصبحوا في صف أعداء المالكي  بعد ان خاضوا الانتخابات منفردين: كتلة دولة القانون لوحدها وكتلة الصدريين والمجلس الأعلى لوحدها..وهكذا تلقى الأمريكيون ضربة جديدة لم تكن في الحسبان فكان لا بد من العودة إلى إستراتيجية العرقلة والتشويش  القديمة وقد كثرت لديهم المحطات الآن...

 

ابتدأ الأمريكيون لعبتهم التي ظنوا أنها ستكون هذه المرة مسلية  بعرقلة تشكيل حكومة برئاسة المالكي: عرقلة على مستويين الأول خارجي من علاوي ورهطه وثاني داخلي من بين التكتل الذي انبثق حديثا بين دولة القانون والإتلاف الوطني العراقي بالرهان على شخصيات "علاوية الهوى" .. أما الحديث عن الدور الإقليمي في التشويش والعرقلة فهو بالأساس دور مكمل للدور الأمريكي...وبعد مخاض دام قرابة تسعة شهور لتشكيل حكومة جديدة برئاسة من أذاقهم العذاب في الدورة الفائتة نجح المالكي المحنك وبفضل أناس مخلصين بالخروج مرة أخرى من العاصفة وهو ينفض عن ثيابه الغبار..وكان هذا أكبر مما كانوا يحتملوه...

وبينما واصل "الزلم" في القائمة العراقية المهمة التي "انتخبوا" من أجلها أعضاء في البرلمان وهي ممارسة شقاواتهم بالجلوس على الطريق ورمي المارة بالحجارة يقودهم هذه المرة شقاوة من طراز رفيع لم تعرف مثله  درابين الفضل وباب الشيخ اسمه حيدر الملا هام الأمريكيون يبحثون عن وسائل غير تلك التي في أرشيفهم والتي لم تنفع مع العراقيين فوجدوا في الثورات الشعبية العربية ضد الأنظمة الصنيعة لهم ما قد يبعث الأمل في أنفسهم المكلومة فعمدوا من خلال فضائياتهم إلى تحريض العراقيين للقيام بما يشبه ما يقوم به اقرأنهم العرب مع الفارق: أن يكون الرمي ليس عليهم بل على حكومة المالكي تحت عناوين الفساد وتدهور الخدمات رغم علم الجميع أن المالكي هو من دشن حملة مكافحة الفساد في أواخر ولايته الأولى ثم ليستكملها في ولايته الثانية..

فراحوا يدفعون الأموال ويجيشون العاطلين عن العمل ويعبئون الفضائيات ويخيطون الأعلام القديمة التي تهرأت ليرفعوها في ساحة التحرير ظنا منهم أن ساحة التحرير سوف تتحول إلى بوسطن والاحتجاجات إلى "حفلة شاي" تنذر باندلاع ثورة شعبية ضد المالكي وحكومته كما حدث في بوسطن في سنة 1773 عندما تحولت الاحتجاجات ضد شركة الهند الشرقية والحكومة البريطانية على احتكارها للشاي المورد إلى أمريكا إلى ثورة ضد التاج البريطاني...

ومرة أخرى وبحنكة وحسن تدبير استطاع المالكي أن يمتص الصدمة عن طريق تدشين حملة المائة يوم فوضع أعدائه الذين يمتلكون الكثير من الوزارات في موضع الدفاع عن النفس ووجد وزراء القائمة العراقية أنفسهم أمام خيارين: إما عرض أنفسهم كوزراء مزيفين جدول أعمالهم هو العرقلة وليس خدمة الناس او الانخراط بمجهود جدي لإثبات أهليتهم للمنصب وليذهب السيد علاوي وجوقة التشويش "إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم" فكان اختيارهم، وبعضهم مكره أخاك لا بطل، الثاني الأمر الذي زاد مرجل علاوي والأمريكيين حماوة...

ثم جاء السيل العرم المتمثل بمجزرة عرس التاجي والذي أسقط ورقة التين التي كانت تستر عورة علاوي  كعراب للإرهاب  و جرف ما بقي من تجمعات المطالبين بالخدمات في ساحة التحرير ليحل محلهم المحتجون على الإرهاب ومن يدعمه من السياسيين والذي هو رأس البلاء في العراق وليفتضح أمر من يستخدم الخدمات سلاحا سياسيا...

 

ولا أظن أن وفد الكونغرس الأمريكي قد جاء إلا ليتعمد إثارة ضجة من نوع ما تتناقل أخبارها  الفضائيات التي تقف كالغرسون على طاولة أمريكا  لتغطي على فضيحة حبيبهم علاوي فاثاربعض أعضاء الوفد قضية تعويض أمريكا عن خسائرها في العراق ليشتت انتباه الجماهير العراقية عن قضية المجزرة..غير أن المالكي الذي لم يكن لأي سبب معنيا بيد يد المساعدة لمن أنفضح على الملأ شر فضيحة بادر إلى استكمال هجومه ليشمل أعضاء الوفد الأمريكي الذي جاء لينقذ علاوي فجاءت ضربته الثانية التي نزلت بردا وسلاما على قلوب العراقيين بقيام الحكومة بإعلام السفارة الأمريكية في بغداد بأن بعضا من أعضاء الوفد الأمريكي غير مرغوب فيهم بسبب تصريحاتهم وهذا يعني في العرف الدبلوماسي أن عليهم مغادرة الأراضي العراقية..

ولم يكن خطاب علاوي امتعاضا من الصور التي رفعها المتظاهرون ضده في ساحة التحرير بل هو خطاب منسق مع الطرف الأمريكي من باب تبادل الخدمات: أخدمني وأخدمك..والموضوع درء الفضيحة... ثم يذهب "دهاء" أمريكا بعيدا في رد "الإهانة" التي تعرض لها وفدها ليثير موضوعا ممقوتا من العراقيين (وليس من صالح المطلك) ألا وهو موضوع مجاهدي خلق...

يعرف العراقيون جميعا سنة وشيعة أن مجاهدي خلق كانت تعمل جهازا من أجهزة نظام صدام وليس في قلب العراقي حتى من يعادي المالكي تعاطفا مع هذه الزمرة وليس موضوعها سوى واحدة من أدوات التشويش على الحكومة على الضد من القانون العراقي والدولي وكل القيم والأعراف التي يجعل من وجود منظمة إرهابية فوق القانون العراقي وأهم من مصالح الشعب...

 

 عواء ثعلب يطغى على زئير أسد جريح..

هكذا كان خطاب السيد علاوي...

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1786 الاحد: 12 / 06 /2011)

 

 

 

 

في المثقف اليوم