أقلام حرة

صدق الصدريون، وكذب كاتب المقال

والسياقة، والطبخ، وشؤون الأناقة، وكلّ ما يتعلَّق بشؤون الفجور والعفاف والأخلاق الكريمة على الطريقة الغربية طبعاً، فهم أناسٌ موهوبون جداً، إلى درجة أنهم عاشواالإستلاب الفكريَّ والثقافيَّ إلى أبعد حدّ، حتى أنك لو سألت أحدهم من هو الأفضل في رأيك، هل هو أبوك وأمُّك اللذان أنجباك، أم الكلب السلوقيُّ التابع للعاهرة الغربية الشمطاء، لأجابك بلا تردُّد: إنه الكلب ياسيدي، فكيف تشكُّ بهذا مع أنك تزعم لي أنك ممن استوعب وتأثر بالثقافة الغربية الراقية. فلا تسألني مثل هذه الأسئلة الغبية بعد الآن، لأنها محسومة الجواب، وبديهيةٌ كما ترى!.

الكلب السلوقيُّ أفضل من آبائهم وأمهاتهم في رأي أغلبهم، إلا أن يحالف الحظُّ آباءهم وأمهاتهم فيدركوا حقيقة أنَّ الشرق بكلِّ ما فيه من النبوات والأديان والثقافات لا يستحقُّ إلا أن يكون مداس الغرب، فإن اعترفوا بهذه الحقيقة قبل الموت فقد تخلَّصوا من شرك الإعتقاد بتفوُّق كلِّ ما هو غربيٌّ قبل الموت، وإن ظلّوا على مستوى العمل مشركين بطبيعة الحال، لأنهم لم يطبِّقوا مؤدّى هذا الإستلاب بشكلٍ حرفيٍّ على سلوكهم وتصرُّفاتهم، لكنَّ اعتقادهم شفيعٌ لهم من وجهة نظر أبنائهم، فلا يعودون يقبلون بإجراء المقارنات الموضوعية والعلمية بينهم وبين الكلاب الغربية، وإن كان سكوتهم عن إجراء هذه المقارنات، وعدم إصدار الحكم لمصلحة تفضيل الآباء والأمهات ينمُّ عن أنهم لم يتنازلوا عن رأيهم الأوَّل في تفضيل الكلب السلوقيِّ على كلِّ حال.

إنَّ السيد شاكر لعيبي، وهو شاعرٌ عراقيٌّ مقيمٌ في ألمانيا منذ أكثر من عقدين على ما أتصوَّر، لم يتواضع عن عرشه الكتابيِّ البائس في رأيي رغم الشهرة المفتعلة التي يحظى بها في نظر بعض قراء الشعر الحديث في العراق، فينشر مقالةً في كتابات إلا عندما عرض الأخ أياد الزامليُّ صورةً واحدةً من بين آلاف الصور عمّا يتعرَّض له الجسد العراقيُّ من الإنتهاك والمهانة على يد أزلام المالكيِّ في سجون الديوانية، فانبرى هذا الهمام ليكتب لنا ما قلَّ ودلَّ حول الصورة المعروضة، وكيف أنها مفبركةٌ وملفَّقةٌ ومنقولةٌ من واحدٍ من المواقع الإسلامية، وهنا بالضبط يتَّضح المكبوت في مقالة الكاتب، إذ هو يصدر في تكذيبه للمضمون اللاإنسانيِّ الموجود في الصورة من هذا الواقع الذي يختزنه لاشعوره، وهو أنه يمقت الإسلاميين، ويعتبر أنَّ كلَّ عذابٍ ينزل بهم لا يجانب معنى العدالة، لكنه لا يستطيع أن يصرِّح بهذا المعنى، وإلا أدان نفسه بنفسه كما هو واضحٌ، ولهذا فلا سبيل أمامه إلا أن يقوم باتهام الصورة بأنها مفبركةٌ، وأنَّ الإسلاميين، الذين هم الصدريون طبعاً، قد حرَّفوا زمنها وعائديتها إلى الزمان الدكتاتوريِّ في عهد صدّام، فأوحوا بإرسالها الآن إلى موقع كتابات بأنها تعود إلى هذه الفترة الراهنة، ومن الطبيعيِّ أن يكون كلام السيد شاكر لعيبي دقيقاً وعلمياً، لأنه أوَّلاً: مقيمٌ في ألمانيا منذ فترةٍ طويلةٍ، ومتزوجٌ من شاعرةٍ ألمانيةٍ أيضاً، فالألمان أخوال أبنائه، وهو لهذا ألمانيٌّ بالإستعاضة، وثانياً: لأنه " ما زلنا نشتغل، بتواضع، وندرِّس دلالة (الصورة)، الثابتة أو المتحركة، ونكتب عنها. آخر ما نشرناه، في جريدة المدى الغرّاء، مقدّمة لدراسة مطوّلة تتعلق بـ "بالبنية الأيقونية للعقل العربي"، وفيها نزعم أن هناك تصورات تاريخية ما زالت فاعلة حتى اليوم بصدد الصورة، منها تعالقها بالخرافة، ومنها أيضاً أن الصور هي (نصوص) أيضا تمتلك رسائل علينا الانتباه لها، وأن هناك تدليساً ممكناً فيها واستخدامات مشوشة لها لا يقع الانتباه لها بسبب الإيمان بمصداقية الصورة المطلقة عند عامة المتلقين العرب، من دون مساءلة عميقة، أي من دون استخدامٍ حاسمٍ لحاسة البصر" بحسب تعبير السيد شاكر لعيبي في المقال المنشور.

فعلينا إذن أن نسكت في حضرة هذا الرجل الخبير، وأن لا نتَّهم الديمقراطية ولا نوايا شاكر لعيبي من قريبٍ أو بعيدٍ، فما دام الأخ خبيراً بدراسة الصورة وتعالقها بالخرافة، وما دام مختصاً بدراسة البنية الأيقونية للعقل العربيِّ كما يقول بغرورٍ بطانيٍّ مفرطٍ عن نفسه كذلك، وإن استعمل صيغ التواضع ظاهراً، فليس لنا الحقُّ في أن ندقِّق في الصورة بعد ذلك، وليس لنا الحقُّ في أن نجعل مرجعيتنا بتصديق الصورة ما يجري أمام عيوننا من التجاوزات على حقوق الإنسان يومياً في سجون الديوانية، مع أنَّ الناس ــ في الديوانية طبعاً، وليس في برلين ـ يعلمون كلُّهم بما يجري علمَ اليقين، لكن لا قيمة لعلمهم واطلاعهم عن كثبٍ على كلِّ هذا الخرق لحرمة الإنسان وجسده وشرفه، ما داموا ليسوا  مقيمين في ألمانيا وليسوا مختصين بدراسة البنية الأيقونية للعقل العربيِّ مثل الأخ شاكر لعيبي، وهذا الحكم هو منتهى الموضوعية في رأي غالبية الأخوة الليبراليين الديمقراطيين الطائفيين المقيمين في الغرب، وليضرب ثلاثون مليوناً من العراقيين جماجهم بالجدار، لأنها خاويةٌ وخاليةٌ من المعرفة والحكمة والتخصص والإطلاع على البداهات المعرفية، مما يستطيع حتى الإنسان البدائيُّ أن يميزه من الأحكام بشأن مختلف الأمور.

 

يقول هذا الكاتب الفاشل: إنَّ الضابط الذي كان يضرب السجين، الذي هو من الصدريين طبعاً، يرتدي اللباس الخاكي النفطيَّ والحذاء الأسود المنمَّط، وهما ميزتان للباس الشرطة في عهد صدام، ويجاب عليه:

أوَّلاً: لم يتضح من مراقبة الشريط أنَّ لون اللباس هو اللون الخاكي، فيبقى كلامك محض ادعاءٍ يحتاج إلى دليل، ولا دليل.

ثانياً: إنَّ الحذاء الذي يرتديه المحقق هو من الأحذية العادية التي يرتديها المحققون الآن أمام عيوننا، إذ نراهم في مختلف الأمكنة، وحتى إذا لم يكن هذا الحذاء هو الحذاء الرسميّ افتراضاً، فلا يستطيع أحدٌ أن يقول إنَّ المحققين ومراتب الشرطة يلتزمون بنوع الحذاء الرسميِّ في كلِّ الحالات، فغالباً ما يتمُّ خرق تلك الأنظمة، خاصةً من ذوي الرتب العالية في مقرات التحقيق. بل إنَّ غالبية المحققين يرتدون اللباس المدنيَّ في مقرات عملهم كما يعلم هذا أيُّ عراقيٍّ في الداخل.

ثمَّ يقول شاكر لعيبي:"يستخدم الرجل العاري الذي يجري تعذيبه في مخاطبة جلاديه مفردات مثل "سيدي، سيدي" التي طالما سمعناها في أفلام مماثلة خرجت من أقبية التعذيب البائدة وبثتْ على أكثر من قناة وموقع. أضف لذلك أن مشاهد التعذيب المرئية سابقاً هي عينها هنا سوى باختلاف المكان".

فانظروا إلى ذكاء هذا الشاعر  المختصِّ بدراسة البنية الأيقونية للعقل العربيِّ كيف يفكِّر، لتعرفوا أنَّ مثقفي الخارج يكشفون عن سطحيةٍ وسذاجةٍ في التفكير فاقت كلَّ حدّ، مع احترامي طبعاً لمن ظلَّ يحترم عقله منهم في الخارج، وهم كثرٌ ولله الحمد، إلا أنَّ هذا النوع من المثقفين هم من يشكلون المشهد الأبرز لمثقفي الخارج مع الأسف.

انظروا إليه كيف يحتجّ، بأن يتخذ من صراخ السجين وندائه لضابط التحقيق بكلمة "سيدي" قرينةً قاطعةً على عائدية هذا الشريط إلى زمن صدام، وإلى انتفاضة شعبان على وجه التحديد، وهذا غباءٌ محضٌ، لأنَّ الناس ما زالوا إلى الآن ينادون الضباط في مراكز الشرطة، بل ينادون شرطة المرور في الشوارع بهذه الصيغة، لكنَّ الرجل مقيمٌ في ألمانيا، ولا أعتقد أنه يستطيع أن يتذكَّر الموضع الذي فيه كراج النهضة أو كراج العلاوي حالياً، فالرجل فاقدٌ للذاكرة تماماً، وهذا واضحٌ من خلال عشرات القرائن في هذا المقال البائس وغيره مما هو منشورٌ له في الصحف والمجلات، ساعده الله وعافاه من هذا المرض في أسرع وقتٍ ممكنٍ إن شاء الله.

ثمَّ بالله عليك أيها المتخصِّص الكبير بدراسة البنية الأيقونية للعقل العربيّ، هل يصحُّ أن تتخذ من مشابهة ما يجري في هذه الصورة لما كان يجري في زمن صدام، سبيلاً إلى تكذيبها؟!

إنَّ معنى ذلك أنك تطالبنا ابتداءً وبطريقة المصادرة بأن نعتقد بعدالة هذا النظام وترفُّعه عن ارتكاب الجرائم التي كان يقوم بها الطاغية في السجون، وهذا أوَّل الكلام كما يقول المتكلمون يا سيدي، فعليك أولاً أن تثبت لنا أنَّ نظام المالكيِّ مجانبٌ لأسلوب صدام في التعذيب وعقاب السجين، وهذا ما لا سبيل لك إليه، لأنك مقيمٌ في ألمانيا ولا تعرف ما يجري في العراق، أم أنَّ لك رأياً آخر أيها الشويعر البائس البليد.

لماذا لا تبقى بعيداً عن خوض السجالات في مثل هذه الشؤون يا أخي، ما دمت على هذا المستوى من السطحية والبلادة والخمول.

إنَّ جرائم الحكومة في الديوانية لم يقدم على مثلها إلا الإسرائيليون ويجب أن يكون هذا واضحاً لكلِّ ذي ضميرٍ في داخل أو في خارج العراق، وأما السخفاء البلداء ممن يعتبرون دم الصدريِّ وشرفه وعرضه وبيته وكلَّ ما يمتُّ إليه بصلةٍ هدراً، فلينظر إلى وجهه في المرآة بعين البصيرة، أفلا يرى وجهه أشبه شيءٍ بالدنس الموجود تحت الحذاء؟!.

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1161 الاثنين 07/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم