أقلام حرة

ما وراء ظاهرة التسول في الدول النفطية الغنية

لو اتبعنا مجرى حياة الفرد والاسرة والمجتمع بشكل عام وما يضمنه وما يتصف به نستنتج بانه لا يرتقي الى مستوى يتلائم مع اقل كمية من الدخل المفروض توفيره للمواطن . ولو تمعننا في الوضع الاجتماعي ومسار حياة الناس وظروفهم وكيفية تسيير معيشتهم نرى اختلافات واضحة في نوعية المعيشة، منها من يعيش في البذخ والابهة ويصل حد الاسراف غير المقبول عقليا ومن ضمنها التلاعب بمصير ومعيشة واخلاقية الاخرين، ومنهم متوسط المعيشة غير محتاج وهو يقنن وضعه الاقتصادي وينظم حياته لكي يعيش فقط استنادا على دخله المعلوم الثابت، ومنهم وهو يعيش مستندا على دخل غير مستقر ولم يحس بالاطمئنان والامان والسلم المعيشي وهو دائم القلق على مستقبل معيشته وافراد عائلته، ومنهم لا يمكن ان نسميه بانه العائش، بل هو معدم يعيش تحت مستوى الفقر الطبيعي .

 

كل هذه التناقضات وهذه الاختلافات، الم تفرض علينا التساؤل، لماذا وبالاخص في دول لها القدرة على اعانة الاخرين وليس لنفسها فقط. انه لامر محيٍر حقا من كان ابناءه واسرته محتاجين وهو يتصدق على الاخرين من اجل اعتبارات ذاتية مصلحية خاصة، عجيب امر دولة ترى فيها من في مستوى يتسول ويتضرع جوعا من ابناء شعبه وهي تتلاعب بقوت شعبه من اجل تقوية مناصريها وبقاء ثقلها الاقليمي وتتصرف باموال الشعب في الصراعات الداخلية والخارجية وكل ذلك من اجل بقائها على سدة الحكم بهذه الطريقة الملتوية وليس باسترضاء الشعب، وتهتم باستراتيجية ليس فيها ما يهم الصالح العام لشعبها . اذن الخلل ليس في الدخل والامكانيات ولا في صعوبة تسيير امور الدولة والشعب وتوفير الحاجيات الضرورية الاساسية، وانما الخلل الاكبر في التنظيم واعتماد الفلسفة الاساسية للحكم والاقتصاد المعتمد وعدم الالتفات الى الفجوات الكبيرة الحاصلة جراء النظام السياسي والاقتصادي ومقدار التبذير الحاصل وانعدام العدالة وما يذهب من فائض القيمة من عمل هؤلاء المغلوب على امرهم الى جيوب امراء البترول والتجارة والحروب . انه الخلل الداخلي للدول وهو الاعظم لو قارنناه مع ما يفرضه النظام العالمي الجديد، لان الحالة ليست وليدة اليوم او ما بعد اقرار هذا النظام او ما بعد الازمة المالية العالمية، ولكن ما زاد الطين بلة هو سيطرة النظام الراسمالي العالمي وشروط مؤسساتها العالمية التابعة لها بنسب متفاوتة وخضوع الدول لمتطلباتها من اجل المصالح الذاتية وبقائهم على سدة الحكم ومضحين بما يصيب الشعب من ضرر جرائها وما يجري لهم ومهملين للاختلافات المعيشية المسيطرة بين ابناء شعوبهم والتي خلقت طبقات وجمعت ثروات بيد ثلة من الاثرياء والاكثرية تعيش في الجحيم . والا من يفكر في حجم الصادرات النفطية ويقارنها مع ما يرى من الوضع المعيشي العام وبوجود المتسولين المتقاعسين في الحياة يتاكد من مدى ظلم السلطات والحكومات على شعوبهم التي تعيش في حالة احتقان دائم . وان لم تكن هذه من الاسباب والعوامل الرئيسية التي تدفع هؤلاء الى الاعتماد على الغيبيات والتوجه نحو التشدد والارهاب مع انتشار الافكار الظلامية، بماذا يمكن ان يفكر اي منا ويعيد الحالات والشواذ التي تحدث الى مصادرها ودوافعها واسبابها الموضوعية والذاتية .

 

 اذن الخلل الاكبر في النظام السياسي الذي يعتمد النظام الاقتصادي والفلسفة الراسمالية التي تخلق هذه الظواهر والحالات الاقتصادية او الاجتماعية او الفكرية الضيقة .

 

 

 

 

في المثقف اليوم