أقلام حرة

للانتقاد اسس واصول يجب اتباعها

 والتصحيح والبناء، وتكون نوعيته وطبيعته وكيفية طرحه وفق الخلفية الثقافية السياسية الاجتماعية للمنتقِد والمنتقَد على حد سواء. المواضيع الساخنة التي تعرض على ساحة الانتقاد ات هي السياسية بشكل واسع ومن ثم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ولكل منها ارتباط وثيق وعلاقة جدلية مع الاخرى . وصنفت الانتقاد حسب النوعية والمجتمع الى خشنة وصفراء وشديدة اللهجة وصلبة وهدامة وبناءة وواقعية ...الخ من الاصناف، وحسب الموقع وصفة المنتقد ولغته وثقافته ومنها للاعتبارات الاجتماعية وكلها فرضت تضييق مساحة الانتقاد وشكلها.

 

المجتمع الشرقي قاطبة يتمتع بسمة الانتقاد المستمر من جميع المجالات دون ان يسمح وينتظر ان يُنتقد او يعتبر نفسه صاحب الموضوع المنتقَد، والمؤسف ان وصل الانتقاد باب من له السلطة والامكانية والقدرة سيحيلها الى خانة الموآمرة والمعارضة والايدي الخارجية والفوضى والتخريب والى غير ذلك من النعوت والتسميات العجيبة . وهذا ما يجعلنا ان نعتقد بان الانسان الشرقي لم يتفهم لحد اليوم مضمون ومعنى والهدف من الانتقاد، ومن جانب اخر لا يعترف بان جزءا من الحقيقة موجودة في ارائه ومواقفه واعماله وتوجهاته وليس بشرط ان يكون هو على الحق دائما او هو صاحب النسبة المطلقة للحقائق. وبدوره المنتَقَد يتبع كل الطرق ويستغل كل الوسائل للرد مهما كانت الطريقة مضرة به وبالمجتمع والمسيرة العامة لتطور المرحلة، وفي المقابل الانتقاد لا تعني مسح اراء المقابل او من يُنتقَد ونفيه وتهميشه ان كان الغرض من النقد البناء وتصحيح المسار والاصلاح والتغيير .

 

ان كان التقييم وفق معايير تقدمية معتبرة ضامنا للانتقادات الواعية سيكون له التاثيرات الايجابية والمفيدة والعكس صحيح ايضا. والنقد البناء نابع من النظرة المخلصة للطرف او الموضوع المراد تصحيحه ويوعي المنتَقَد من نواقصه ويعيد النظر ان اراد في نظرته وسيرته . ويمكن ان يطرح التقد بشكل غير مباشر، وهذا ما يلائم مجتمعنا الشرقي المتسم بالعادات والتقاليد والصفات التي لا تقبل الانتقاد المباشر كما في المجتمعات الاخرى التي تتقبل الصراحة والتهجم والصدق والحقيقة وان كانت مؤلمة، ولكن بعيدة عن الاتهام والتعدي على خصوصيات الاخر وظروفه ووضعه الاجتماعي الثقافي . والاهم في الموضوع هو استنتاج الصحيح، وهذا يتوقف ايضا على الوقت المناسب لتوجيه النقد، اي عدم تقديمه اعتباطيا او في الوقت العشوائي اي بدون تاخير او تقديم لاسباب اخرى .

 

المهم ان يكون النقد مثمرا، اي يجب ان لا يبقى الموضوع او الصفة على حالها بعد الانتقاد، وتوفير الارضية لاستماع واستفادة المنتقَد ونسبة تقبله لما يطرح ويمسه بعيدا عن خدشه، والا سينعكس الموضوع نتيجة الرد الفعل المحتمل في المقابل، معالتاكيد على الاختصار في الطرح والتاكيد على جوهر الموضوع وبنيٌة صافية غير كامنة لاي غرض كيدي، مع مد يد المساعدة للحل ان امكن وبشكل مباشر، وحتما يختلف النقد الموجه بين المستويات المختلفة في العمل والزمالة والسياسة والنخبة والمثقفين، ويجب ان تختلف لغة الانتقاد استنادا على المستويات التي تطرح فيها، ويجب ان يعلم الجميع بشكل واضح ان الانتقاد دواء مرٌ للعلل النفسية والسياسية والاجتماعية والثقافية ولكنها مفيدة وعليها ان تطرح في وقتها المناسب.

 

بهذه الاسس والاصول المتعددة ستثمر الانتقاد وتساعد في تقديم المجتمع، وان لم تستغل من قبل الفلسفات والايديولوجيات المضللة ستكون وسيلة هامة في تقارب الطبقات وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، ولكن الراسمالية وكعادتها تريد احتكار المفهوم وسرقتها من منبعها واعتبرته من المنجزات العالم الليبرالي، غير ان اليسارية اتبعتها عمليا وفلسفيا من خلال الاصلاح المستمر في الفكر والنظرية وبطرح نقاط الضعف في النظريات المطروحة المعتبرة عالميا بعد طرح البديل المناسب، ومن ثم استنادها على الصعيد الشخصي وما كان تؤكده عليه هو الثواب والعقاب والحساب الصحيح والتغيير واصلاح الحال .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1165 الجمعة 11/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم