أقلام حرة

قنبلة.. على أسوار نينوى..!

هناك مدن تحتضن أبناءها وترحب بهم، وفي المقابل هناك مدن تتربص بأبنائها متى ما دخلوها لتقتنصهم وتسفك دمهم وتزهق أرواحهم في مهرجانات دموية مجانية..

هناك مدن تنتج مصانعها وأراضيها الخصبة شتى المنتجات الغذائية والصناعية، وهناك مدن تستولد أوكاراً يختبئ فيها وطاطيط تالي الليل، لتنسج خيوط القتل الجماعي المجاني الخالي من أي هدف، سوى القتل من اجل القتل..

هناك مدن تمد أذرعتها لتحضن أطرافها.. وهناك مدن تقطّع أوصال نفسها بنفسها..

هناك مدن تزرع الورود و ألآس الأخضر في حدائقها وأرصفتها.. وهناك مدن تزرع عبوات الموت في كل الاتجاهات..

هناك مدن تسجد لله وتشكره على نعمة السلام والأمان.. وهناك مدن تكفر بقيم الإنسان و بالأمن والسلام..

كان هناك مدن تبني أسواراً حولها لحمايتها من الغزاة العابرين.. والآن هناك (قرى وبلدات بريئة) تسوّر نفسها لتحمي ليلها ونهارها وبراءة أطفالها من عبث المدينة المسوّرة..

هناك قنبلة على أسوار نينوى.. تبحث عن (مزريب) لتسقط منه على رأس واحدة من عشرات القرى التي أشاحت بوجهها عن نينوى..

نينوى تبكي أبنائها وبساتينهم وبرائتهم وفرحهم الملوّن الذي شابه الحزن والسواد وصراخ الأيتام والأرامل..

نينوى لم تعد تعطي أبنائها الخبز.. نينوى لم تعد تمنح أبنائها الأمان.. نينوى لم تعد تقيم مهرجان الربيع بالألوان الخلابة لأبنائها.. نينوى لم تعد نينوى التي يحبها ويعرفها أبنائها..

البلدات في نينوى ينظرون لنينوى بعين ملئها الشك والريبة والخوف..

من مصلحة مَن هذا العداء الذي استحكم بين نينوى وأبنائها؟؟

من مصلحة مَن تجول شاحنات الموت والدمار في نينوى و طرقات بلداتها البريئات الوادعات..؟

من هو المستفاد من تطاير أشلاء أجساد الأطفال والشيوخ في قرى نينوى؟؟

إذا كان للمدن ذاكرة، وإذا كان لها روح.. فهناك مدن تشيخ ومدن تموت.. وهناك مدن تلسع نفسها وتنتحر .. وهناك مدن تخنق نفسها بنفسها..

ثيران آشور المجنحة تبحث عن منفذ للانفكاك من سور نينوى.. وقلعة باشطابيا تكابد للهرب بما تبقى منها.. وسوق (باب الطوب) يفتقد نزلائه البسطاء.. و شارع (السرجخانة) ينظر بحزن إلى محلاته الفارغة من الزبائن في أعياد الربيع الموصلية..

متى ستعود نينوى لأبناء نينوى؟؟ متى سترمي نينوى خوذة الحرب، وترتدي تاجا من النرجس الموصلي الأصيل..؟

متى ستتوقف رائحة البارود عن تعكير الصباحات الموصلية الرائعة؟؟ ومتى ستعود عصافير (الغابات) لتغرد عوضا عن دوي الانفجارات المروّعة..؟

متى ستستفيق نينوى من نومها وكابوسها الذي طال أمده؟؟ وتعود نينوى كأمٍ حنونة وتمسّد على رأس أبنائها الذي صدّعته هدير محركات شاحنات الموت المفخخ والدمار المجاني؟؟ 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1168 الاثنين 14/09/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم