أقلام حرة

في مسألة "الحجاب"..!!

والمنتديات والمؤتمرات واللقاءات الفكرية والحوارية وعلى صفحات الصحف والمجلات العربية والفلسطينية ومواقع الشبكة العنكبوتية.

 

والسؤال المطروح ازاء هذه القضية: هل يشكل الحجاب أو الجلباب اليوم بالنسبة للمرأة المسلمة لباساً يجسد انتماءها الى الاسلام ديناً، فتختاره طوعاً واقتناعاً وتتخذ منه رمزاً لحرية المعتقد، أم أنه يمثل ارادة الرجل الذي يفرض على المرأة تصوراً خاصاً للدين، ونظرة دونية للمرأة فتلبسه خوفاً من جهة والجنس الاجتماعي من جهة اخرى!!، وهل الأقبال على " الحجاب " في العقد الأخير هو تعبير عن ارتفاع درجة الأيمان الديني أم تعبير عن تنامي وصعود الأصولية الدينية وتيارات الأسلام السياسي!!؟

 

في الواقع، أن الحجاب أمسى شعاراً سياسياً وليس شأناً شخصياً تستغله قوى وحركات التأسلم السياسي والجماعات الأصولية والسلفية التكفيرية لتحقيق أهدافها وماربها السياسية لأحداث حالة من الشرخ والفوضى والأثارة والفتنة، وما الهوس المكبوت والحرب الضروس ضد المثقفين المتنورين والعلمانيين والمعارضين السياسيين المؤمنين بخطاب العقل سوى محاولة مستميتة لسيادة وفرض الفكر الرجعي الظلامي المتعصب والمنغلق، وهنا تكمن الكارثة التي تهدد مجتمعاتنا العربية ومستقبلها المأمول.

 

أن الحجاب بنظري، ونظر الكثيرين، يعود الى الاختيار الشخصي وحرية الأنسان وحق المرأة في ارتداء الزي الذي تراه مناسباً، ما دام هذا اللباس ليس عارياً أو خليعاً وغير مكشوف ولا يخدش الحياء العام أو يتعارض مع الأخلاق والاداب العامة والمعايير الاجتماعية والسلوكيات السائدة في المجتمع.

 

في الماضي كانت العبرة من الحجاب التمييز بين المرأة الحرة التي هي في عصمة الرجل والمرأة العمومية التي لا تنتمي الى رجل معين . وغني عن القول، أن قضية الحجاب التي تثار بين فينة وأخرى لا تستحق كل هذا السجال والجدل، فهذه القضية حسمت منذ زمن بعيد على يد المفكر والأصلاحي الكبير المنور قاسم امين في كتابه" تحرير المرأة " الذي يعتبر جوهرة التنوير في الفكر العربي المعاصر وناقش فيه وضعية ومكانة المرأة في المجتمع . وقد تطرق لمسألة التحجب، واضعاً البراهين والأدلة الدينية العلمية الساطعة والمضيئة التي تؤكد بأنه لا ينبغي أن تبقى المرأة في البيت أو يغطي وجهها" برقع " يثير الشهوة ويخفي المساوىء، كما نادى بضرورة مشاركة المرأة في الأنشطة والفعاليات والتفاعلات الاجتماعية والمعارك السياسية والفكرية الحضارية بدلاً من اخفائها خلف الحجاب أو النقاب، ولنا في هدى شعراوي وسهير القلماوي وثريا الحافظ خير أمثلة وعبر.

 

لاجدال بأن تخلفنا الحضاري وتراجع قدراتنا العلمية هو الحرام بعينه ويجب أن يشغلنا جميعاً، من مفكرين ومثقفين ومبدعين وأكاديميين ونخبويين، وأن الفكر العربي توقف عن الابداع منذ أن احرقت كتب العلامة والمفكر والفيلسوف العربي العظيم ابن رشد، الذي اخترق النصوص الدينية السلفية المتوارثة وحاول تغيير مسار هذا الفكر بايجاد وتوليد فكر عقلاني تجديدي مضيء، يعتمد التجربة والبرهان العلمي وعدم الاكتفاء بالارشاد والوعظ الديني.

 

وأذا نظرنا الى الوضع العربي في الحاضر الرديء، نراه عاجزاً عن النهوض وكما كان قبل مئات السنين يتناقل النصوص القديمة المتوارثة بحذافيرها، ولذلك فأنه يواجه اتكاسة فكرية وردة ظلامية تبقيه عاجزاً وفي دياجير الماضي والسلف.  وفي ظل ذلك، فأن انتاج خطاب تنويري معرفي وديمقراطي عربي معاصر يتميز بحساسية نقدية عالية وقدرة على تشخيص ونقد ملامح الواقع وأمراض الثقافة العربية الراهنة هو القادر على اختراق الخطاب والفكر الأصولي السلفي الظلامي، وتحقيق نهضة علمية جديدة وبعث الحياة في الروح العربية. علاوة على تصفية كل أشكال الفرض السياسي والقمع والارهاب والاغتيال والتكفير من حياتنا الفكرية العربية ومواجهة الخطر الفكري قبل أن يحرقنا الطوفان..!!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1171 الخميس 17/09/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم