أقلام حرة

هل يحق للطالباني تمثيل العراق؟

لاشك سيخضع لرئيس شديد الصرامة، جددت ولايته بانتخابات إختير وقت اجرائها بعناية .

ربما هي واحدة من المفارقات أن يكون الرئيس هنا، مرؤوس هناك، حتى قيل بأن الرجلين إذا اجتمعا، فان السيد الطالباني يحرص على مخاطبة البارزاني بفخامة الرئيس، فيما يكتفي الأخير بمخاطبة الطالباني بإستاذ جلال أو مام جلال على الأكثر، ذلك لأن البارزاني لايعترف ضمناً بجمهورية العراق، فكيف يعترف برئيس يعرف مسبقاً انه من مواطنيه وتحت أمرته.

لاشك انها حالة نموذجية للبارزاني، لكنها نهاية محزنة للرجل الذي تبوء منصب رئيس العراق، وهو قبل ان تنتهي ولايته رسمياً، أدار الظهر لمن راهنوا عليه، ودعم المراهنات الضيقة على مافيها من إحتمالات لاتحمل البشرى .

القادة الكرد يمرون اليوم بلحظة تاريخية بالغة الإستثنائية، فهم قد بنوا مقومات دولة كاملة المقايسس يديرونها وحدهم من دون شريك، وقد فعلوا ذلك تحت عباءة العراق، والمشاركة في حكمه، وكانت تلك خطط بارعة، فلو أعلنوا الإنفصال قبل ذلك، لارتكبوا خطأ استراتيجياً قاتلاً قد يؤدي الى الإطاحة بكل منجز، أما اليوم، فقد تعود العالم رؤية كيان مستقل له حكومته ورئيسه وبرلمانه وانتخاباته التي إختيرت لتسبق الإنتخابات العراقية العامة ببضعة أشهر، وبالتالي ففي الوقت الذي ينشغل فيه الآخرون وحكومتهم، بالإصطفافات والخلافات والتحالفات، يكون قادة الإقليم قد أنجزوا القفزة النهائية بالسعي لإقراردستورهم واقعاً، وربما الإعلان  عن ضم ما يسمى ( المناطق المتنازع عليها ) الى الإقليم من طرف واحد، وهو ما بدأت خطواته بما سمي  الإنتشار الثلاثي (– الأمريكي – الحكومي – الكردي ).

لاشك انهم يلعبون بالوقت لصالحهم، بل ويضغطون على مختلف الأطراف تارة بحرب مدن فعلية - كما دلت عليه التصريحات وزلات اللسان وسواها – وطوراَ بالتلويح بدستور خلافي يسعون لإقراره , مع القيام بالمناورات اللازمة  إقليمياً ودولياً.

أما بقية القوى السياسية العراقية، فهي تتلهى بالوقت الضائع علها تسجل اهدافاً على بعضها، في وقت يكون  القادة الكرد فيه قد فازوا بالمباراة .

الخطوة الأكثر خطورة التي قام بها الطالباني، هي في دفع نائبيه لتبني مواقفه في الأزمة مع سوريا، والتي توجت ببيان مجلس الرئاسة الرافض لأجراءات الحكومة بطلب لجنة تحقيق دولية، وهو موقف يعتبر غريباً وغير مبررفي حياة الدول، اذ سبق للهند اتهام باكستان بإيواء من قاموا بتفجيرات مومباي وطالبت بتسليمهم، لكن لم يحدث ان سياسياً هندياً واحداً من القوى المعارضة للحكومة، من برأ باكستان او أدان الحكومة على طلبها .

كانت حسابات الطالباني دقيقة في هذا الموضوع، فهو قد درس ردة فعل دول الجوار – خاصة ايران وتركيا – حيث الأولى لاتريد أن ترى سابقة في مجيء  محقيين دوليين الى العراق خوفاً من ان تمتد الإتهامات اليها، وهي تعتبر المالكي متمرداً – ذكرت بعض المصادر ان الجنرال قاسمي سليماني وجه تهديدات مباشرة الى المالكي – أما تركيا، فلم يكن خافياً على الطالباني خطوات التقارب الحثيثة مع دمشق التي توجت بالتحالف الاستراتيجي الأخير،وبالتالي فانعقاد المحكمة الدولية سوف يجهض الخطوات التركية تجاه سوريا،من هنا كانت مواقفه التي حاولت إرضاء الاطراف الثلاث التي تقف كعائق حقيقي في سبيل انجاز الوثبة الكردية القادمة في الاستيلاء على (المناطق المتنازع عليها ) .

ولما كان من المعروف ان نائبي الرئيس لايمانعان في خطوة الإستيلاء تلك، فالهاشمي كان قد دخل في تحالف مع الكرد بعد اجتماع مع الطالباني والبارازني – تراجع عنه لاحقاً بعد ضجة أثيرت ضده حينها -  وقد جاءت الفرصة لإحياء ذلك التحالف مجدداً وإن بشكل مستتر، فيما عبد المهدي قد عرف في مواقفه الداعمة للمشروع الكردي كي يصبح الإقليم الفيدرالي نموذجاً لتطبيق مشابه في الجنوب –أو المحافظات التسع كما اعلن عنه سابقاً – لذا تكتمل مفردات البيان المذكور وحيثياتها .

خلاصة القول، إن الرئيس حسب الدستور، هو منصب بروتوكولي – أسوة بالرئيس الهندي أو الاسرائيلي أوماشابه -  وبالتالي فالسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الورزاء أو من ينتدبه، هو من ينبغي ان يمثل العراق،فإذا  أضيف الى كل ذلك، مجموع المواقف المذكورة اعلاة للسيد الطالباني التي ليس فيها اعتبار للمصالح العراقية، يصبح من الخطأ الفادح ان يمثل العراق في أهم منبر دولي .

ذلك ما تفرضه الحسابات السياسية السليمة، لكن السياسية في العراق لاتسير وفق المنطق وما تفرضه أحكامه، لذا سيذهب مام جلال لتمثيل العراق ظاهراً، وللترويج للدولة الكردية العتيدة واقعاً.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1174 الاحد 20/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم