أقلام حرة

المحاصصة العراقية مقاربة مع الحالة السويسرية *

 بعض الفئات بما يتقارب حدوثه مع الحالة السويسرية التي يعود موضوع المحاصصة فيها إلى ثلاثينات القرن الماضي،  عندما دفعت التهديدات الفاشية والنازية والتوترات الدولية آنذاك القوى في البلاد إلى التقارب وتوحيد جهودها،  بما يدل على أن التزاحم على المكاسب رغم وجوده بشكل أو بآخر في أغلب النظم لا يظهر للعيان بشكل جالب للنظر إلا مع وجود خلافات عميقة وحادة وانعدام الثقة بين المكونات أو تهديد مباشر للبلاد،  وهذه الخلافات أو المخاوف هي التي تلجيء الأطراف للاحتكام للمحاصصة.

والمحاصصة في اللغة كما في ترتيب القاموس المحيط لطاهر أحمد الزاوي ومعجم البستان للشيخ عبد الله البستاني : من الحصة بالكسر وهي النصيب وتحاصوا وحاصوا: اقتسموا حصصا. وأحص فلانا:أعطاه نصيبه من الطعام أو الشراب. وحاصه محاصا وحصاصا: قاسمه فأخذ كل منهما حصته. وحاصه الشيء : قاسمه. وتحاص الشركاء: اقتسموا حصصا لهم كل واحد منهم حصة.

 

وهي في السياسة: مبدأ تلجأ إليه النظم السياسية لإدارة شئون البلاد وفق منهجية عمل تؤكد على تطعيم المراكز السيادية العليا بنماذج من المكونات المجتمعية تراضيا وفق نسب متفق عليها .

 ونظام سياسي يقوم على أساس توزيع المناصب بين مكونات المجتمع القومية أو الدينية أو الطائفية أو السياسية على أساس نسبة المكون الاجتماعي العددية إلى مجموع السكان.

والمحاصصة أنواع منها الطائفية: وهي التي تقوم على أساس توزيع المناصب الوظيفية وفقاً لمعيار الانتماء لطائفة معينة  ضمن سياق يعتمد على مباديء الرياضيات بالرجوع إلى نسبة الطائفة العددية إلى مجموع السكان. والسياسية: التي تعتمد مبدأ تقاسم السلطة بين الأحزاب دون النظر إلى النسبة السكانية. والعرقية: التي تعتمد نسبة عدد أفراد العرق إلى باقي الأعراق مجتمعة. والجنسية: التي تعتمد على تخصيص (كوته) للعنصر النسوي. والدينية: التي تعتمد نسبة المكونات الدينية.

 

لم تعنى الأمم بموضوع المحاصصة من قبل بالشكل الذي هو عليه لآن العالم كان واضح المعالم،   ابيض أو اسود ولم يكن للون الرمادي من وجود،  وكان هذا فاشيا حينما كانت المجتمعات مغلقة على نفسها والشعوب منطوية ومتقوقعة في محيطها الجغرافي. ولذا كان كل مكون ينظر لغيره على أنه منافسا أو عدوا محتملا وحتى عدوا حقيقيا يجب الحذر منه والتوجس من أعماله وسلوكه،  بل إن المكونات المتطرفة منها كانت ترى أنها شعب الله المختار أو أن عرقها أرفع من الأعراق الأخرى وهي تملك تخويلا إلهيا بالسلطة والحكم.

 

الحكومات نفسها كانت تنظر للآخر الموجود في محيط سلطتها بعين الريبة وكانت تعد مطالبته بأي حق من حقوقه منافسة غير مشروعة لسلطتها يجب التعامل معها بشدة وقسوة لأن الدولة كما قال (جاك باغنار) في كتابه (الدولة مغامرة): (لا يمكنها أن تقبل المنافسة لسلطتها) بل أن المجاميع لا تقبل المنافسة كما يقول صموئيل هنتنغتن في كتابه (من نحن)

 لكن بعد الانفتاح والتطور وثورة المعلومات والتواصل وتوسع التجارة البينية ودخول قوانين الحريات الشخصية وحقوق الإنسان على الخط،  والتجارب المستقاة من خبرات التحاصص،  لم يعد العالم كما كان بل تحول في غالبيته إلى اللون الرمادي المتدرج . فالشعوب انفتحت على بعضها والأمم اختلطت مكوناتها وقد استساغ العالم هذه الرمادية وطوع نفسه على قبولها يوم وجدها منفذا لتحقيق الاستقرار والأمن،  ومدعاة للتطور والنمو. فلم يعد ينظر للون أو العرق بقدر ما ينظر إلى الأعمال،  فالأعمال أصبحت الميزان المعياري للقبول أو الرفض. العالم وجد أن لا حاجة للنظر للون البشرة والمعتقد بل للعمل الذي يأتي به الإنسان،  لمقدار حبه لوطنه واستعداده للدفاع عنه وتطويره وبنائه،  لمدى مقدرته على ترجمة إنسانيته إلى عمل مثمر . الشعوب نفسها أدركت أهمية قبول الآخر وضرورة تمتعه بحقوقه وأصبحت تنظر للمعادلة المجتمعية التي تساويها مع الآخر في الحقوق والواجبات دون  تمايز أو مفاضلة على أنها المعادلة التي يجب أن تحكم العلاقات الإنسانية. وقد نقل (باغنار) عن ( إيرنست رينان) قوله :(لا يمكن للأمة أن تتماهى بعرق محدد لأننا كلنا هجناء ومولدون وسيكفي لإقناع أنفسنا الكشف عن بعض الذريات وألأنسال عندها سنكتشف تبخر هذا المعيار الساخر الذي من المستحيل أن يعيد انتماء البشر لأرومة صافية)

 الغربيون المعاصرون هم أول من أدرك هذه المعادلة وأهمية مشاركة المكونات كافة في إدارة شؤون البلاد على أنها أحد أهم عناصر الحفاظ على جنسية البلد وأستقراره،  حيث يقول  الخبير الاقتصادي السويسري ( التيتشينو): (أنه يجب على سويسرا أن تـعيد اعتبار سويسرا المتحدثة بالإيطالية) في إشارة إلى أحقية الأصول اللاتينية (فرنسية/إيطالية) التي تقطن الجنوب في لعب دورها بقيادة البلاد.

تاريخيا كان الانتماء بأنواعه من أهم دواعي المطالبة بالمحاصصة فلطالما تم توظيف الانتماء لترسيخ المحاصصة وتوظيف المحاصصة لخدمة الانتماء. وعقلانيا ليس من العيب على المرء أن يعتز بانتمائه القومي والطائفي والاجتماعي والسياسي ما دام ذلك حقا مشروعا ولكن من العيب أن يتحول الانتماء إلى تعصب أعمى يلغي دور الآخر،  أو يتحول إلى نظام سياسي  جامد على مفهوم المحاصصة دون الإلتفات إلى الجانب الوطني أو العلمي والمهني. فالمحاصصة متى ما تحولت إلى حق دستوري واجب التطبيق بحرفية لا مرونة فيها تضع حواجز يصعب تجاوزها أمام العملية السياسية برمتها وتعيق تفعيل البرامج البنائية التي تحتاج إلى مواصفات تخصصية قد لا تتوفر بمن تأتي بهم ليتحملوا المسئولية. كما أنها عادة تعرقل فاعلية مبدأ تكافؤ الفرص. لكن بما أننا لا يمكن أن نغفل مشروعية الانتماء،  ذلك الحق المشروع لكل إنسان يجب أن لا نغفل أيضا مشروعية مطالبة المنتمي بحقوقه،  لأن مجرد إيماننا بمشروعية الانتماء يلزمنا الإيمان بمشروعية الحقوق.ومع ذلك تبقى المحاصصة  مقبولة في حدود التعقل،  وتبقى مثمرة إذا تم توظيفها بشكل سليم،  فلم يحن الوقت بعد       لنبذها من التداول،  ولا زالت الحاجة إليها قائمة في هذا الجزء أو ذاك من العالم. ولذا يرى كل من (جورج لوتز) أستاذ العلوم السياسية في جامعة لوزان و(لوتسي شتام) من حزب الشعب (يمين متشدد)  و (ماريو فيهر) من الحزب الاشتراكي السويسري (أن صيغة تقاسـم السلطة لم يعفُ عليها الزمن) وما دام الأمر كذلك فليس من العيب أن تطالب الكتل بالمحاصصة وإنما في الجمود عليها بعيدا عن المصلحة الوطنية الأكثر منها أهمية. إن الحالة السويسرية التي ولدت نتيجة التهديد النازي بقيت فاعلة على مدى  الحقبة الماضية ومع فاعليتها يرى الخبراء أنها تحتاج اليوم إلى الإدامة والتجديد حيث يرى النائب (أصيل زيورخ) أن الوقت قد حان لوضع أسس نظام توافق جديد أو أنموذج جديد لممارسة الحكم يضم الأحزاب التي تتوفر لديها رؤية سياسية مشتركة ولا يقتصر على إجراء عملية تقسيم حسابي أو توزيع نسبي للمقاعد في الحكومة الفدرالية.

 

 أقول هذا لأني وجدت أن التحكم للمحاصصة  حالة أصابت الجميع،  وتعامل معها الجميع،  وطالب بتطبيق مبادئها الجميع،  ورفضها الجميع،  وأنتقدها الجميع.  ومع أنها بادية وظاهرة على ملامح الجميع إلا أنهم يحاولون جاهدين التملص من تبعات ذلك واتهام الأطراف المناوئة الأخرى بأنها الوحيدة المصابة بها. وهنا يكمن جزء مهما من مشكلتنا الكبرى وهو أن نطالب بالاستحقاقات باسم المحاصصة ونتقاتل على المواقع السيادية والمميزة ثم نتنكر لها أو نعيب على الآخر مطالبته باستحقاقاته باسمها.

ويرى البعض أن المحاصصة تخلق أنموذج حكم  يحرم الكتل الكبيرة من التسيد الكلي كونها الكتلة الأكبر حجما في المجتمع وهذا جدا صحيح لأن أنموذجا لممارسة الحكم يقوم على برنامج مشترك يمكن أن يؤدي إلى استبعاد هذه السيادة في تركيبة الحكومة . لكن حتى لو كان هذا صحيحا فإن المصلحة العامة للبلاد تستوجبه على الأقل في الوقت الراهن لأنه سيسمح بتعزيز وزن ونفوذ الحكومة نفسها.

المحاصصة العراقية القائمة اليوم رغم عشوائية وعدم نظامية تطبيقها سارت وفق مبدأين  رئيسيين احدهما سياسي  ديني  (شيعي/سني / مسلم / غير مسلم) والآخر سياسي قومي (عربي/كردي/ أقليات أخرى) مع وجود تداخل بين المبدأين في بعض المفاصل بسبب تداخل الجانب الديني مع الجانب العرقي في المكون الواحد (سني كردي/شيعي كردي/ تركماني سني/ تركماني شيعي)) وهناك مبدأ ثالث أقل أهمية منهما هو مبدأ (الجندر) أي نسبة العنصر النسوي للعنصر الرجالي في التمثيل . وبحسب هذا النظام يتم تقاسم المناصب الحكومية ورئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان حسب نسب معينة على أساس مذهبي بين الطائفتين الشيعية  والسنية،  و على أساس قومي بين العرب والأكراد. وقد نقل عن النائب هادي ألعامري قوله في جلسة التصويت على تعيين السفراء في مجلس النواب (انه ومن اجل تحقيق التوازن قد تم الاتفاق على اختيار سفير من التركمان السنة وسفير آخر من التركمان الشيعة)

وقد آن للذين يتطيرون من المحاصصة ظاهرا ويعبدونها في السر،  وللذين يحاولون التنصل من علاقتهم بها،  ولمن يعترضون عليها فعلا باعتبار أنها تكرس التقسيم التكويني للمجتمع أن يدركوا أن المحاصصة نسبة إلى الظرف الحالي الذي يعيشه العراق أفضل الخيارات المتاحة لو تم تقنين نظامها. وقد تكون السبب في نجاح أداء الحكومة والبرلمان القادمين إذا عرف الجميع ضوابطها  وأنها إذا أحسن تطبيقها قد تكون من أسباب تمتين الأواصر بين المكونات لأنها تشعر الأطراف بالرضا  ومتى ما حصل الرضا حصل التراضي كما يقال. أعود وأقول إنها تحتاج فقط للتقنين العلمي ألرضائي الذي توافق عليه المكونات قبل الأخذ به . ولا بأس في تشكيل جمعيات ناهضة تراقب تطبيق قانونها وتكون مرجعا لمراقبة وتحليل وحل الخلافات التي قد تحدث كما هو في الحالة السويسرية حيث شكل السويسريون  جمعية "الضمير السويسري" في عام 1948 وهي عبارة عن مجموعة تفكير خاصة بالمناطق المتحدثة بالإيطالية من سويسرا،  تسعى إلى ديمومة الحس المدني وإشعار السكان بالتحديات التي تواجهها البلاد.

كما لا بأس أن توضع معادلة لشغل المناصب  فعلى طول الفترة بين عامي 1959 و2003  تم انتخاب أعضاء الحكومة السويسرية طبقا لما يعرف بـ (المعادلة السحرية): اثنان من الحزب الاشتراكي واثنان من الليبراليين الراديكاليين واثنان من الديمقراطيين المسيحيين وعضو واحد من حزب الشعب السويسري ولا زالت هذه المعادلة سارية والمحاصصة معمول بها دون حدوث مشاكل تذكر. ومع ذلك ينظر لها السياسيون السويسريون على أنها ليست بالقدسية التي توجب عليهم الجمود عندها،  ولذلك نجد أنه عندما يستقيل وزير خلال الفترة التشريعية،  يقترح حزبه مرشحا أو أكثر لتعويضه كما هو في الحالة العراقية تماما. وبشكل عام يختار البرلمان الفدرالي مرشحا رسميا للمنصب لكن بإمكانه أن يقدم على اختيار آخر. وهذا ما حصل مثلا لـ(سامويل شميد) في عام 2000 عندما فضلته أغلبية النواب على المرشحين الرسميين لحزب الشعب السويسري. ولم يعترض الحزب ولم يحتكم للمعادلة السحرية لأن مصلحة البلاد استوجبت ذلك! لكن عندما استقال محمود المشهداني (قائمة جبهة التوافق) من رئاسة البرلمان أصرت الجبهة على أن يكون البديل من بين صفوفها تحديدا ولم تكن مستعدة للتفاوض أو المساومة على أي بديل آخر ولأي سبب. وكانت على استعداد لترشيح آخر وآخر إلى أن يقبل مجلس النواب بأحد المرشحين ولم تكن مستعدة للتنازل عن استحقاقها مهما حدث. بالمقابل نجد في سويسرا أنه في عام 2007،  رفض البرلمان إعادة منح الثقة لوزير العدل والشرطة (كريستوف بلوخر) (من حزب الشعب) مما أدى إلى صعود أحد الأحزاب الصغيرة الأكثر اعتدالا وهو الحزب البرجوازي الديمقراطي.

قد يكون لهذه الحالة مساويء لكونها تعتمد المجاملة على حساب المبدئية كما في الحالة السويسرية حيث يقول (أندرياس غروس) لـ swissinfo.ch: (يوجد لدينا انطباع بأن انتخاب الوزير الفدرالي الجديد يتدحرج إلى مستوى استعراض انتقائي يحاول فيه المرشحون إرضاء الجميع ويتجنبون اتخاذ مواقف محددة حول قضايا سياسية خشية فقدان الدعم لحظة التصويت) ولكن حسنتها أنها تقلل من غلواء المرشحين المدفوعين بشدة لدعم توجهات فئتهم على حساب وطنيتهم لأنها تلين مواقفهم وتشعرهم بأهمية مشاركة الآخرين في مشاعرهم.

أيضا لا بأس أن يتم اعتماد مبدأ الامتحان ألاختباري للمتقدمين سواء كانوا من أتباع الحزب صاحب الاستحقاق أو الذين يرشحهم البرلمان وهو الأجراء الذي تروم سويسرا إتباعه حيث قال عضو في مجلس النواب عن الحزب الاشتراكي والخبير السياسي المتخصص في شؤون المؤسسات الدستورية: (يفترض أن يعرض المرشحون الكيفية التي يعتزمون انتهاجها للتعاطي مع المشاكل الكبرى التي نواجهها اليوم. وعلى الأحزاب - بدورها - أن تفتح نقاشا حول السياسة التي تعتزم تطبيقها عبر ممثليها في الحكومة)

أي أن يطلب من وزير الكتلة أن يوضح طريقة معالجته للمشكلة وبرنامجه المقترح ويترك للبرلمان دراسة مشروعه والحكم على المرشح من خلاله،  وأن تقوم الكتل والأحزاب بفتح نقاشات لتوضيح سياستها التطبيقية. وفي محاولة لإطلاق هذا النقاش،  نشر نائب سويسري من زيورخ كتابا بعنوان (انتخابات الحكومة الفدرالية: ليست استعراضا انتخابيا) عرض فيه عشرون نائبا ومراقبا سياسيا رؤاهم وتصوراتهم بخصوص انتخاب عضو جديد في الحكومة وضرورة تأقلم النظام السياسي السويسري مع المتغيرات التي طرأت على الساحة في السنوات الماضية.

ما يجب أن تدركه المكونات أنه لا يمكن أن تتحول المحاصصة إلى مجرد مسألة تتعلق بالأغلبية والأقلية،  بمعنى أن المجموعة الأكثر عددا تحصـل على العدد الأكبر من الممثلين.فيحاول كل طرف إقامة الدليل على أحقيته بعضوية الحكومة بالاستناد إلى الرياضيات أي بالاعتماد على عدد الأصوات التي يحصل عليها أو على عدد مقاعده في البرلمان،  فهذا المنطـق يـمكن أن يؤدي إلى تمرد ورفض  ممن يعتبرون أنفسهم مغبونين أو مظلومين.

إن حل المشاكل العالقة بيننا وخصوصا مشكلة الفئوية ليس بالأمر اليسير ونحن لسنا وحدنا في هذه الخصوصية فالعالم كله يعاني بسبب تعقيدات المشاكل الفئوية،  سويسرا مثلا رغم انقضاء أكثر من 160 عاما على ميلادها الحديث،  لا زالت مناطقها الجنوبية المتحدثة بالإيطالية،  تجـد مشقّـة في الحصول على التفهـم والاعتراف من طرف الأغلبية من سكان شمال سلسلة جبال الألب. إن اعتماد الطريقة الحسابية قد يفشل لأن الولاءات الشعبية نفسها قد تتغير ونحن في العراق نعيش اليوم حلة خلط في أوراق اللعبة قد تعيد ترتيب الولاءات بشكل بعيد عما هو عليه الآن حيث بدا التقارب الشعبي بين المكونات وتشكيل كتل لا تنتمي لحزب أو فئة بعينها وهذا بالتالي سيجعل الرقم الحسابي الذي يعول السياسيون عليه قابلا للتغير بما يهدد بتغيير ميزان القوى بين الكتل ذاتها بحيث تصبح هناك ثلاث أو أربع كتل كبيرة متقاربة في النتائج وبعيدة عن التدرج المتتالي الحالي (الشيعة/ الأكراد/السنة) وقد نوه (غروس) لمساويء الطريقة الحسابية بقوله: (بهذه الطريقة،  يتم ابتذال السياسة الوطنية وعملية الانتخاب لعضوية الحكومة الفدرالية)

وسواء أيدنا المحاصصة أم اعترضنا عليها ورفضناها يجب أن نعرف أن توفر الثقة بين الفرقاء المشاركين في العملية السياسية هو ما ينجح أو يسقط الخيارات المتاحة. وأن الأطراف كلها يجب أن تحسن نواياها تجاه الآخر وليقل كل منهم للآخر:لا تخف مني يا أخي إذا سرت خلفك أن أغتالك فقد ألجأتني الظروف لأن أسير خلفك لكي أمسك بك  كي لا تقع، أما واقعا فأنا لا أرضى أن تسير خلفي أو تسير أمامي لأني أريدك أن تسير بجانبي لنصل سوية فذلك خيارنا و خير لكلينا فنحن ما دمنا نسير سوية سنصل إلى هدفنا سوية.

المهم أن تتوافق الأطراف العراقية على صيغة عمل متطورة ترضي الجميع،  وتهتم بمصلحة العراق قبل مصلحة الكيان والفئة،  وأن تستفيد من تجارب الشعوب المتقدمة لنقتبس منها ما يخدم مصلحة بلادنا وشعبنا ويتناسب مع تاريخنا وموروثنا.

 أما الذين يرفضون المحاصصة أو يعترضون عليها متذرعين بفشلها الذريع في حل مشاكل العراق خلال السنين الست المنصرمة فاللوم يقع على تفكيرهم الضيق. وليس على اللعبة،  لأنهم لم يجيدوا اللعب ولا يعرفون قوانين اللعبة .

 

................

المعلومات عن الحالة السويسرية مستقاة من النشرة الإخبارية الأسبوعية Swiss info))

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1179 الجمعة 25/09/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم