أقلام حرة

زمن الجياد السّكِرة والضمائر المّيتة / آكو كركوكي

أعلن الجيش التركي، عن إجراء تجربة ناجحة، لإطلاق طائرة بدون طيّار، أمريكية الصُنع، تحمل أسم (رّيبر).

وقال الجيش، في بيانٍ لهُ: إن أداء الطائرة بدون طيّار،  يمُكن مُقارنتهُ، بأداء أي طائرة نفاثة مِن نوع أف 16. لأنها يمُكن أن تحمل، صواريخ تصل زنِتها، الى ربع طن، وتملك عقــــول ألكترونية شّيطانية، تختار الهدف، وتلاحقهُ، حتى الإطبـاق عليـه. والجدير بالذكر، إن الطائرة الواحدة، تكلف عشر ملايين دولار، فقط ولا غير.

 وأوضح البيان، إنّ الإقلاع الإختباري للطائرة، رافقهُ تجربة القوة التدميرية لها أيضاً.

 مُشيراً الى إنّ بيانات المجزرة، التي قامت بها الطائرة، أظهر نجاح التجربة!

وكانت الطائرة قد قصفت أهداف حية، برصاصٍ حيّ وضمير ميت أيضاً، في أقليم شرناخ بجبال كوردستان. نتج عنهُ، مقتل العشرات من المرُاهقين. وذلك بتمزيق أجسادهم الى أشلاء مُتناثرة. حيث إن التجارب بهذا الشكل، تحاكي الواقع، بدرجة مُطلقة.

ويُعتبر الرؤوس الباحثة عن الطريدة، من أهم مكونات تلك الصواريخ، التي تلتقط الهدف، وتتبعهُ، حتى المرحلة الأخيرة، والتي تتمثل، بالإطباق عليه. مهما قام الهدف بإجراء مناورات حركية، أو إعاقات ميؤسة منها، للخلاص من الموت والمصير المحتوم،  كالدعاء الى اللّة، أو الكشف عن مدينتهِ، وسلميته،ِ وحتى طفولتهِ البريئة. ونتيجة لهذا التطور، والدقة اللامتناهية، في إصابة الهدف، عُرفت هذه الصواريخ بـ"الصواريخ الذكية فائقة الدقة"، والتي تعتمد على نُظم توجيه طورانية، تتبع الطفولة الكوردستانية،  وتجهز عليها.

وأكد البيان، إنّ التجربة، تعكس جهود تركيا المتواصلة، للأعتماد على كل الأسلحة المحرمة، وغير المحرمة، في المجال الدفاعي، والهجومي، مضيفاً إن رئيس الأركان التركي، الجنرال... رجب "طيب جداً" أردوغان، قد أشرف على التجربة بنفسهِ.

 وهنأ البيان المشاركين في صنع الطائرة، من القابعين في واشنطن، الى المشاركين، في تمويل المشروع العثماني الكبير، القادمين من أقاصي الصحراء، بجعبة مليئة بالأموال المنهوبة. وذلك على "النجاح المذهل" للتجربة.  مُشيراً  الى إن الطائرة الجديدة. ستضيف الكثير، الى الروح المعنوية المنُهارة، للمؤسسة العسكرية والسياسية التركية. بعد أن كانت، قد جربت كل شئ، مع "الأرهابيين الكورد"، طوال عمر الجمهورية الطّورنية، ولكنها لم تفلح، في حسم الأمور.

 وتأتي هذه التجربة الناجحة، غداة الأعلان قبل أشهر، عن تجربة ممُاثلة، للجيش التركي، لإستخدام الغازات السامة، والقنابل الحارقة. ضد "المتمردين الأكراد". في أكبر وأقدم حقلٍ مجاني للتجارب العسكرية، يطلق عليه كوردستان.

وعرض التلفزيون الرسمي صوراً، للأهداف المصُابة بدقة. ولقطاتٍ، لِجثث ملفوفة ببطانيات رثة، ومرمية على حافة طريقٍ وعرّ،  ينتصبُ في خصر جبلٍ هرم، مغطاة بالحزن والثلوج.  وهيّ تُنقل، على محفات، الى عربة زراعية قديمة، أمتلئت هيّ الأخرى، بالجثث المكُدسة. وظهر في الصور، أشخاصٌ يهرعون للبحث عن ناجين، أو مواساة المنكوبين، من قرويين بسطاء، وبؤساء، في مشهدٍ، يُحاكي أفلام يلماز گوناي، التراجيدية.

 وعن المقتولين، قال التلفزيون الرسمي عنهم:  إنهم مجرد صّبية مُراهقين، يُهرّبون السكائر والوقود، على طرفي حدودٍ،  يمُزق وطنهم المسلوب. فيما بدا وكأنهُ، حملة، تحضى بالمباركة العالمية، للتخلص من كل الشوائب، التي تعكر نقاء الدولة التركية، مِن زوائدٍ، غير ذات أهمية، ولا تستحق الحياة. بعد أن أختارات كل العواصم، أزاء هذا الحدث،  الصمت المطُبق. فلم يرد أي تفاصيل، عن رئي، المنظمة الدولية، والجامعة العربية، والأوساط السياسية كافة، حول إستخدام الصّبية، كأهداف في التجارب العسّكرية.

ويأتي الأعلان عن هذه التجربة، عشية تدشين دستور جديد للدولة التركية، تتجدد فيهِ وبإلحاح، "تُركية" تركيا من جديد. بعد مضي قرون، على الأكتشاف عينه. في حين تقول أنقرة: إنها تواجه حملة "ظالمة"، من قبل أرهابيين، مدعومين من الخارج. يستهدفون وحدة، وطنهم المقدس، ونقاء عِرقهُم السامي.

ويُعتبر هذا الحدث، من الجهود الرائدة للإدارة الأميركية، برئاسة باراك حسين أُسامة...عفواً أوباما، في مجال تصميم، وتطوير نظام غير مأهول، من الطائرات بدون طيّار، تحمل صواريخ عملاقة، وذكية، تقتل الأطفال بمهارة. فيما تمثل تجربة الطيران الأولى تلك، شأنهُ شأن، كافة التجارب العسكرية الأخرى للجيش التركي، تتويجاً لجهودها، في مجال مكافحة العنصر الكوردي، وإثباتاً وتصديقاً لها.

فيما يقولُ خُبراء، إنّ تاريخ إستخدام البشر، من "الفصيلة الكوردية"، في التجارب العسكرية، يعود الى بداية الثمانينيات، حين أستخدم نظام الرئيس العراقي السابق "صدام حسين"، شباب الكورد الفيلية، في تجاربه العسكرية. لإنتاج الأسلحة الكيميائية والجرثومية. وبخلاف جمعيات "الرفق بالحيوان" و "دعاة حماية الطبيعة"، لم يسجل التاريخ، أنبثاق، أي  منظمة "إنسانية"، تُناهض هذا النوع من التجارب، على المحسوبين أيضاً على البشر.

ويقول  محررو ومراسلو الأخبار: إنّ المسلسل المتُكرر، من العنف والعنف المضاد، في الجبال الكوردستانية، قد أفقد القصة، عنصر التشويق والإثارة، وباتوا يستعينون، بكليشات جاهزة، في تحرير هكذا أخبار، يكاد لا يخلو أي سطرٌ منهُ مِن عبارة (المتُمردين الأكراد) أو (الإنفصاليين الاكراد)، وغالباً  ما يكتفوا بسطور مُقتضبة، تُنشر في الشريط الأخباري، الذي يتحرك عادة، من تحت كرش المذيع. خاصة وهم منشغلون،في هذه الأيام، بتغطية أحداث تدور في أماكن أكثر أهميةً، حيثُ يسيلُ دماءٌ، أكثرُ غلاءاً، وقيمةً، وتزُهقُ أرواحٌ، أكثر سمواً، مِن دِماء "الإنفصاليين الأكراد"، في كل من شوارع، دمشق، وطرابلس، وغزة، والقاهرة، وجمهورية يمن "السعيدة".

فيما شاركهم بالرئي عينهُ، الشيخ "القرضاوي"،  ففي حين بارك جهود تركيا الحثيثة، في "مكافحة الأرهاب"، وشجع المسلمين، على السياحة والسفر وصرف الأموال، في شواطئ بودروم، وأزمير، وأنطاليا المسُلمة.  أفتى الشيخ الورع، بِقتل القذافي، لأنه حول شعبهُ "العربي المسلم"، الى أهداف رخيصة، للطائرات العسكرية.

وفي الثالث من يناير الجاري ومن البرلمان الطوراني، خرجت السيدة "گولتان كشناك"، بتصريحاتٍ خارجة عن المألوف، لِتصعق بهِ كل العالم. ففي حين أعتبرت التجربة البريئة "جريمة يندى لها الجبين!". عادت لِتُشكك في إنسانية ،كل مَنْ: لم يرتجف لهُ جفن، أو يرتعش لهُ جسد، أو يحس بوخز ضمير، أمامها.

وتسائلت قائلة:  أنتم يا من تسمون –مَنْ يسعون،وراء لقمة العيش، خلف الحدود، ليتاجروا ببعض السكائر البائسة- بالمهربين، فما بالكم باللذين يقشطون البنوك، ويبعون البلد ويهربون الى الخارج؟

وأضافت قائلة (وكأنها تغرد خارج السرب): إن الذي يملك الضمير الإنساني، يجب أن يشارك الآخرين أحزانهم، ويتألم لمصابهم، لا أن يتصرف، وكأن بعوضاً قد مات، أو مجردُ دجاجةٍ قد ذُبحت.

وذكرت: أنتم يا من تتصرفون بلا مسؤولية، ولا مُبالاة، أمام مقتل أكثر من 35 طفل، مالذي تبعيننونا، بفلسفاتكم الفارغة، أيُ تعايش أخوي هذا، الذي يفتقد الى المساواة؟

أي حرب ضد الإرهاب هذا، وهي تسعى لتطهير عرقي شامل!

مالذي تتميزون به عنا،  وبماذا نقل عنكم في الإنسانية؟ نعم... بماذا نقل عنكم في الإنسانية؟

وتعتبر كشناك من القيادات البارزة، لحزب السلام والديمقراطية، المحسوب على "الإنفصاليين الأكراد".

وفي سياقٍ متصل، كتب جونيد أُزدمير في صحيفة حوريت التركية: "عندما شاهدت جثث الشباب هؤلاء، تذكرت فلم " بهمن قبادي"  (لحظة، لأجل نشوة الجياد السكرة) ، فاللذين قُتِلوا... هم بدمائهم ولحومهم منا، كذلك هم القتلة... ينتمون لنا ويعيشون بين ظهرانينا. أقول: لا تستخدموا طائرات أف 16، فاللذين يصارعون القصف، والبرد، ويقطعون العشرات من الكيلومترات، من خلف الحدود، وقبل ليلتين من رأس السنة الجديدة، لمجرد أن يكسبوا قوت يومهم، هم أبناءنا. فأبحثوا عن طرق اخرى،  كي تعيدوهم الى بيوتهم".

وعلى صعيدٍ  آخر، وأثناء أضافة الخبر الى صفحات الفيسبوك، تلق المصدر رسائل وتعليقات جمة، من ناشطين عرب في الفيسبوك، يتسائلون فيهِ، عن هذا المخرج المجهول المدعو "بهمن قبادي"، وعنوان فلمهِ الغريب، والمجازي بعض الشئ (لحظة، لأجل نشوة الجياد السكرة)!

في حين عبر الكثيرين عن قلة معلوماتهم عن هذا البلد الناءي  المدعاة بـ"كوردستان".

فيما نشر مدونٌ كوردي مجهول في الفيسبوك، توضيحٌ. أكد فيه، إن عنوان الفلم، ليس بمجازي، وإن هناك فعلاً، من الجياد والأحصنة، في كوردستان، من ينتشي الخمر والويسكي. وعزا هذا الأمر المسُتغرب لسببين

 أولاً:كي تتحمل تلك الأحصنة، أعباء السفر، وهم يقطعون الطرق الوعرة، والخطرة، والبرد القارص، من على جبال كوردستان، في أثناء تهريبهم للسكائر والوقود.

وثانياً: كي ينسى تلك الأحصنة ولو لبرهة، دمامة، ومرارة، الواقع الجائر، الذي يعيشونه، وهم يبصرون صّبية، في مقتبل العمر، يشاركونهم مغامراتهم، ورحلاتهم، وتجارتهم الخطرة. ويتم ملاحقتهم بكل عنف،من قبل الجيش، من على طرفي حدودٍ، يمُزق وطنهم المسلوب، أصلاً.

وأكد المدون الكوردي، بإن "بهمن قبادي"، مخرجٌ عالمي مشهور، وقد نال جوائز عالمية عدة. مشيراً الى فلمهِ المذكور، الذي يحكي قصة المهربين هؤلاء، اللذين ينشطون بتجارة متواضعة، في منطقة تعرف رسمياً_ بالحدود العراقية الأيرانية الشمالية. فيما أرجع سبب نجاح الفلم، الى ممُثليه، اللذين لايتعدون مجرد، صبية بسطاء، ينحدرون من نفس المنطقة، ويزاولون نفس العمل.

مضيفاً: إنهُ أشبه بفلم وثائقي، عن طبيعة الحياة في تلك الأرض النائية،  ولكنه حذر بشدة، من المشاهد والمناظر الدرامية، القاسية، التي سيتلقها المشاهد، أثناء متابعتهِ لأحداث الفلم.

قائلاً: لقد شاهدت الفلم لعدة مرات، وفي كل مرة، كنا نخرج كمشاهدين، من قاعة السينما، وكأننا خارجون من مجلس عزاء محزن. فرغم أجواء الطرافة والهدوء في البداية، ونشوة الجياد السكرة،  كنا ما نَلبث  ويعترينا حُزنِ عميق، أوصدمةٍ حادة. وينزوي ذَواتنا الإنسانية، الى زاوية ضيقة، من الحنق والكراهية، تجاه هذا الواقع القاسي، وهذا العالم الظالم، وهو يزخر بتلك الضمائر الميتة، التي مازالت تنكر وتتجاهل كل هذا...من صبية أبرياء، الى الجرائم النكراء،  الى حقيقة  كوردستان. ما يجعلك تستكثر حتى البصق عليهم!

المانيا في السابع من يناير 2012

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1997 الثلاثاء 10 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم