أقلام حرة

السياسة وإيران وعبد الله بن سبأ

 الخارق حيث تجده حسب رواياتهم الفجة  وهو اليهودي  مجهول النسب والعشيرة يملك وجاهة غريبة وصلت به لأن يكون قائدا جماهيريا لأمة العرب التي استعصت قيادتها حتى على الأنبياء ومعلما لا يخشى السلطة ولا يخاف الإسلام  والمسلمين ولا العرب فيعلن معارضته الشديدة لخليفة المسلمين الأول في عقر دار الإسلام وعاصمة الدولة الإسلامية غير آبه لجيوش الفتوح التي مرغت أنف عتاة قريش وقادة جموعها في الوحل، ويخطب بالجماهير التي رباها رسول الله يحثها  للثورة علي الخليفة وقتله دون أن يجد ردا رسميا من الجهات السلطوية، أو شعبيا من جماهير الصحابة. ثم تقول الروايات أنه وسع رقعة دعوته في الأقاليم حيث كان ينتقل من إقليم إسلامي لآخر ليجند لدعوته الأنصار، وأنه كان من المحرضين على قتل خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب وأنه في زيارته لمصر نجح في بتجنيد الشعب المصري وقاده لقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان.

 حيث تقول رواياتهم أنه قاد أتباعه ودخل المدينة المنورة قلعة رسول الله (ص) ومقر حكم دولة الإسلام وقتل خليفة المسلمين غير خائف أو وجل من جيش الإسلام العظيم وقواته الشعبية صحابة رسول الله ذلك الجيل المثالي المملوء إيمانا حتى مشاشته بحيث لا تأخذ الغيرة أيا منهم لينبري مدافعا عن خليفته.

ثم نجح بعد ذلك بتنصيب عليا رابع خليفة للمسلمين. والأكثر من هذا أنه حرف عقيدة الإسلام وأدخل في عقائد المسلمين مفاهيم ليست من صلب الدين منها كما يقولون  ابتكاره لمفهوم (الوصية) والقول بعقيدة ( علي وصي الرسول). ثم بعد هذا وذاك يتحدى عليا ويتحدى الإسلام وعقيدته وفكره ورجاله فيبطل ربوبية الله ويدعي ربوبية علي ويدعو المسلمين لتأليهه. وغيرها كثير من الروايات السمجة التافهة التي تستهين بالعقل العربي والإسلامي.

ولأن في هذه الأخبار الأسطورية السخيفة جوانب سياسية تخدم خطا سياسيا وتطعن بخط عقائدي منافس آخر فقد خلدت رغم مجافاتها للواقع وبعدها عن الحقيقة وسخافتها ورعونتها، وأضيفت لها على مر التاريخ قصصا جديدة وبطولات جديدة منسوبة لابن سبأ حتى تحول إلى أكثر من أسطورة وكانت الجماهير التي تؤيد مؤلفي هذه القصص الكارتونية المغلوبة على أمرها والمغرقة بالجهل بل والمدفوعة للجهل قسرا تؤمن بهذه الخرافات وتصدقها بعد أن نقلتها لهم (أوثق) مصادرهم العقائدية ، فصاروا يتدينون بها ويتقربون إلى الله بترديدها وذكرها في صلواتهم وأذكارهم ومجالسهم، ثم في العصر الحديث في صحفهم وقنواتهم وفضائياتهم. وحينما تقول لأحدهم أن هذه الخوارق تستخف بالعقل العربي والإسلامي وتنتقص من كرامة العرب والمسلمين وتحول الصحابة والتابعين إلى خراف سهلة القيادة لكل من ينصب نفسه عليهم رئيسا وتوسم المؤرخين العرب بالكذب، لا يملك إلا أن يقول لك أنه لا يستطيع الاجتهاد مقابل خبر نقلته الكتب الموثقة التي أجمع الفضلاء على صحة ما ورد فيها!!

 صورة إيران اليوم بنظر أحفاد أولئك الذين ألفوا ملهاة ابن سبأ وخوارق بطولاتها تبدوا نسخة طبق الأصل من صورة  خوارق ابن سبأ.

فهم يدعون أن إيران تتدخل في العراق وتدير سياسته وتتحكم في مصيره وتدعم الميليشيات الشيعية والسنية وتدير الاقتصاد والتجارة وتصدير البترول وتدريب الجيش، وإيران كذلك تتدخل في سوريا وفي لبنان وفي الخليج العربي وفي الصومال وفي غزة وفي ارتيريا وفي الدول الأفريقية وتقود المعارضة ضد نظام أوباما والحكومة الفرنسية، والشعب البريطاني.

 بينما يعرف العالم كله عن يقين، ويعرف هؤلاء المدعون قبل غيرهم أنها لا تملك مثل هذه القوة الأسطورية، بل لا تملك إمكانيات امتلاك مثل هذه القوة، ولا العقلية السياسية القادرة على إدارة هذه القوة، وإلا لكانت قد استوعبت على الأقل خطر المعارضة أو الثورة الخضراء كما يحلو للبعض أن يسميها وهي التي هزت أركان نظامها بقوة، وباتت تهدده بالانهيار. ولكانت تدخلت في تدمير منظمة مجاهدي خلق التي طالما شنت الغارات على حدودها وأساءت لصورتها الدولية والمحلية، أو لحركة الأكراد الإيرانيين المتمردين منذ عصر الشاه وحتى هذا التاريخ، أو الانفصاليين الأحوازيين المطالبين بالانفصال وتأسيس دولة ، وما شابه.

حقيقة إيران التي يعرفها أبسط الناس أنها دولة من دول العالم الثالث تملك قدرات أكبر قليلا من قدرات دول جوارها، ولكن هذه القدرة تقل بالتأكيد عن قدرة جارتها تركيا اللاعب الرئيسي الكبير في المنطقة والذي يتغافل المغرضون عن الإشارة لدوره لأسباب سياسية ومذهبية. وتقل كثيرا عن قدرات أبسط الدول الأوربية والكثير من الدول الآسيوية الأخرى كالسعودية مثلا التي تنطبق عليها كل المواصفات التي يطلقونها على إيران سواء من حيث تدخلها في العراق ولبنان وسوريا والخليج العربي والدول الأفريقية. كما أن إيران لا زالت في طور النمو البطيء الذي لا تزيد معدلاته عن معدلات نمو جاراتها، وأنها تخضع لحصار اقتصادي منذ عام 1980 بعد الحرب مع العراق، وتخضع لعقوبات مشددة منذ عدة سنوات بسبب برنامجها النووي. ولا زال الفقر فاشيا في مناطقها الريفية والنائية، ومعدل دخل الفرد فيها يقل عن مثيلاتها من دول الجوار.والديون تثقل كاهلها.

إن حديثي هذا  بالتأكيد لا يأتي دفاعا عن إيران فليس بيني وبينها علاقة ، بل يأتي دفاعا عن الحقيقة التي يحاول البعض طمسها لأسباب عدائية تاريخية، ويأتي محاربة للتحريف والتشويش والكذب والدجل الذي امتهنته بعض الفئات، وعاشت ولا زالت تعيش عليه منذ أربعة عشر قرنا والذي كان السبب في بلوانا ، والذي سخرت له بالأمس زبانيتها ووعاظها الدجالين ليخلقوا أسطورة ابن سبا الهزلية، وتسخر له اليوم مواقعها الالكترونية ومحطاتها الفضائية وصحفها السيئة ومنابرها الدينية لتحول إيران إلى شخصية كارتونية أسطورية جديدة يرتعب منها بسطاء الناس ويتخوفون على أنفسهم من بطشها وجبروتها فيندفعون دون شعور منهم للالتحاق ب (كتائب جيش المجاهدين) وزبانية (الدولة الإسلامية) ومهابيل (تنظيم القاعدة) الإرهابي وطالبان التوحش وكل المنظمات التخريبية التي تدعي أنها تدافع عن الإسلام السلفي، وكل ذلك مدعوما بالدولار الذي تفوح منه رائحة البترول الخام التي تزكم الأنوف والتي حفزها الخوف من البرنامج النووي الإسلامي الإيراني المتعثر، ولم تحفز خوفها عشرات القنابل النووية التي تمتلكها إسرائيل وهي لا تبعد أكثر من بعد إيران عنها،ولا القنابل التي تمتلكها دول أخرى قريبة منها أيضا مثل الهند  وباكستان، ولا القنابل الأمريكية المخزونة في مخازن أصدقائها في المنطقة.

إن تضخيم الدور الإيراني بهذا الشكل ومحاولة تأرين مشاكل المنطقة وعصبها برأس إيران يراد من ورائه تحفيز مكامن الشر والتطرف في نفوس الأتباع ليزداد حقدهم وبغضهم لكل ما هو شيعي وكأن التشيع محصور في إيران وحدها بل كأن إيران صارت رمزا التشيع الأوحد. وقد وضحت نتائج هذا النهج الطائفي المتطرف في تعامل دول المنطقة مع التشيع. حيث المضايقة والمطاردة في مصر والمغرب والأردن. وحيث يلتحق أنصار السلفية المتطرفة رغم معارضتها وتكفيرها لحاكم اليمن الدكتاتوري علي عبد الله صالح بالجيش اليمني لمحاربة الحوثيين. وحيث يكفر السيد حسن نصر الله الذي أوجع  ظهر إسرائيل بعصي المقاومة بينما قبلت أكثر دولهم قفاها وقدمها وكفها ظهرا وبطن

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1185 الخميس 01/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم