أقلام حرة

الحملة الوطنية لعودة الكفاءات العراقية / مهدي الصافي

 للسيطرة على عملية إدارة الدولة، وإيجاد السبل الكفيلة بإنجاح تجربة الشراكة الحكومية، تتخبط بين تفسيرات مواد الدستور(التي كتبت بأيديهم)،

وعلاقة الدولة بالمحافظات والأقاليم، وأزمة الزعامات والرئاسات المتصارعة على كعكة الثروات والمناصب، ولكن الأمر في كل هذا هو تسليم أموال الشعب العراقي بأياد بدائية (اسمها المقاول المحلي أو الحاصل على  اسم فقط-امتياز شركات أجنبية)،

غير أمينة على تنفيذ المشاريع القادرة على تطوير البنى التحتية المحطمة، تارة لأنها جاهلة ولاتمتلك الخبرة الكافية للتطوير والبناء، بحكم طبيعة النظام المغلق الاستبدادي السابق وتأثير الحصار الاقتصادي، الذي عزل العراقيين عن العالم

(كما يقول وزير البلديات اغلبهم يستخدم الانترنت لكي يعمل أو يجلب النماذج والخرائط للبناء)، وتارة أخرى بسبب جشع بعض هؤلاء المقاولين وتعمد أسلوب الغش والخداع في تنفيذ المشاريع المنوطة أو المحالة  إليهم، فدولة خارجة من كل تلك الكوارث، تعمل بعقلية بائسة لأتعرف حتى ابسط التعريفات الاقتصادي الحديثة، تدعي إنها عاجزة عن توفير فرص العمل المناسبة للعاطلين، بينما هي تدفع المليارات من الدنانير أو الدولارات إلى بعض الشركات المحلية(والمملوك أو القريب بعضه من المسئولين)، لتنفذ مشاريع حكومية ثم تقول إنها رخص استثمارية، في أي قاموس تجاري وجد هذا المصطلح الغبي، بعبارة أخرى أنا ادفع وأنا املك الأرض ومن ثم اسلم ثروة وأمانة الشعب إلي أي شركة أو شخص ليستغلها لصالحه ومن ثم أقول عنه استثمار،

هذا أمر يحتاج إلى فيلسوف وخبير اقتصادي(بشرط إن لايكون من أتباع البنك الدولي)حتى يمكن إن نقتنع بهذه الأطروحة، كان الأولى إن تدير الدولة هذه الأموال، وبالتالي ستجد إن مشكلة البطالة سهلة الحل ولو بشكل نسبي،

على كل حال، هناك بالطبع استثمارات مشتركة تكن بين الدولة والمستثمر المحلي أو الخارجي، وفي مثل تلك الحالات تكون الدولة صاحبة أسهم مشتركة مع مستثمر واحد أو أكثر، وهذا يعني اضطرت إلى البحث عن المستثمر الشريك لأنها لا تملك المال الكافي لتنفيذ المشاريع

(أما إذا كانت تملك المبلغ كاملا فهي لا تحتاج إلى إعطاء أموالها إلى مستثمر لأنها في الأخير دولة ومن حقها إدارة مواردها بالشكل الذي تريده)، سوق هذا المثال البسيط يدعونا إلى مراجعة وطنية شاملة حول بحث مسألة الكفاءات المهاجرة(الأكاديمية، والثقافية،  والاجتماعية، والأدبية،  الخ.)، وسبل عودتها إلى مواقعها ومراكزها الطبيعية داخل الوطن، ليس عبر دوائر أو وزارة الهجرة العاجزة عن متابعة هذه الثروة الوطنية والقومية،

بل من خلال تشكيل لجان حكومية مختصة تعمل على توفير المناخات المناسبة لهذه الشريحة المهمة في المجتمع، وذلك بتهيئة الوظيفة والسكن والمنح المناسبة، لتغطية نفقات عودتهم وترتيب أوضاعهم عند عودتهم إلى أحضان الوطن(وهذا يشمل بالطبع جميع العراقيين حتى من لايملك أية مؤهلات علمية أو أكاديمية، لان الجميع يعتبرون من ضحايا النظام البائد)،

كل هذا يجب إن يتم بطريقة حضارية بعيدة عن أسلوب النظام العفلقي، الذي كان يتلذذ بالإساءة والإهانة للمواطنين ومراجعي دوائره الحكومية، وهذه حقيقة لمسها المواطن المغترب عند عودته ومراجعته دوائر الدولة، المحشوة بالعديد من الموظفين الكسولين (والسيئين أحيانا)،

الكفاءات العراقية ملك الدولة والمجتمع، وثروة لا تقدر بثمن، جريمة أن تستفاد منها الدول القريبة والبعيدة، بينما تدمع عيونهم عندما ينظرون إلى حالة الفشل والبؤس والإهدار المستمر بالأموال المخصصة لإعادة أعمار بلادهم، فهم لايبحثون عن الثروة والجاه في وطنهم الأم،

لان الدول التي يعملون فيها تعطيهم أضعاف ما يمكن أن يحصلوا عليه في بلادهم، ولكنها حمية العراقيين وحبهم المتوارث لهذه البقعة المقدسة(على الرغم من كثرة بلاءاتها وكوارثها)، وعلى الحكومة إن تكون جادة في النظر لضحايا النظام البائد دون تمييز،

(وانتم ياحكومة المحاصصة تعلمون جيدا، كم من مغترب عاد لوطنه وتلقفته شظايا أو رصاصات الإرهاب الأسود)،

هؤلاء يملكون الخبرات والثقافات والمعارف الاجتماعية والأدبية والأكاديمية الحديثة، وكثر الكلام الذي لا يجدي عن الكفاءات والمزايدة بورقتهم في لقاءاتكم وخطاباتكم لا تغني ولا تسد، ولكن العمل يكون بشكل مرتب، ووفق برامج حكومية واضحة، تبحث عن هذه الشريحة المظلومة في كل بقاع الدنيا، فهل يعقل  دولة مصدرة للنفط عاجزة عن تعبيد الطرق وبناء المدارس ومد شبكات الماء والمجاري وتطوير قطاع الكهرباء الخ.

نحن ندعو جميع أبناء الشعب العراقي في الداخل والخارج، على المطالبة بعودة الكفاءات الوطنية، لتخليصهم من شر فساد بعض الشركات الوهمية والمقاولين الجشعين، لإعادة بناء ما دمرته السنون العجاف، وعلى الجميع أيضا أن يفرق بين الإشكالات والاعتراضات المثارة حول تجربة بعض السياسيين المغتربين العائدين بعد سقوط النظام البعثي، وبين السياسيين والكفاءات الشريفة، الراغبة بخدمة الوطن دون مقابل

ندعو كذلك جميع وسائل الإعلام الورقي والالكتروني والمرئي والمسموع(ولكن ليس على غرار برنامج قناة العراقية الفاشل الاستثمار في الميزان، والذي شاهدت استهزاء احد ضيوفها في الحلقة السابقة في الأسبوع الماضي، من مفهوم الاستثمار وطرق علاجه التي بحثها ضيفهم الاخر)، لإنضاج هذه الحملة الوطنية الضرورية، وإعطاءها مساحة مناسبة في كتاباتهم وبرامجهم، خدمة للوطن،

واعلموا إن خبير(عامل ذو خبرة) نظافة في أي دولة أوربية يمكن أن يقود وزارة للبلديات والإشغال العامة بنجاح، أكثر من أي وزير في أي دولة من دول العالم الثالث،  أو الرابع (ونحن أول من قال إن هناك دول هبطت إلى هذا المستوى المعني به الرابع، وهي الدول العاجزة عن التخلص من المشاكل الاجتماعية والطائفية والغير قادرة على الانتقال إلى عصر الالكترون).

 

مهدي الصافي

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1998 الأربعاء 11 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم