أقلام حرة

الحاجز النفسي بين المواطن والمسؤول / مهدي الصافي

أو بقطع المعونات المادية (المصروف اليومي)، هذا فضلا عن الحواجز الشرقية المتمثلة بالعادات والتقاليد والأعراف العشائرية والقبلية

(العيب والخجل المفرط-تصغير الأولاد-التقليل من قيمة كلامهم وأفكارهم ورغباتهم وأحلامهم-الضرب على خد الوجه-السباب والشتائم أحيانا-البصاق عليهم-الخ.)،

كل ذلك إضافة إلى جملة من الأسباب الموروثة من الحقب الاستعمارية وبدائلها من الأنظمة المستبدة، خلقت جيلا عربيا خائفا ومرتبكا وحذرا من الاحتكاك بالسلطة والمسؤول،

ولدينا تجربة حية لا تغادر مخيلتنا وحياة المواطن اليومية، هي التجربة الديمقراطية في العراق، وبقاء الحاجز النفسي على حاله ،

(إن لم يكن قد ازداد بحكم زيادة أعداد المسئولين للرئاسات الثلاث وأعضاءها) بين عامة الشعب والمسؤولين الكٌثر.

مع إن النظم والمبادئ الديمقراطية(وسنة الانتخابات)لا تجعل من المسؤول بطلا أسطوريا، فهو ليس إلا أداة تنفيذية لرغبات المواطنين، أصحاب الرأي الأول والأخير في اختيار ممثليهم،

إلا إننا نرى العكس تماما، ينبري البعض بطريقة مذلة ومخجلة لأنفسهم وللجميع ، وبدون أوامر مسبقة لخدمة هذا المسؤول أو ذاك(في المطارات-الأماكن العامة-في الطرقات-في دوائر الدولة وأجهزتها الأمنية-الخ)، وهي عملية مزعجة لأنها تحط من كرامة وقدر الناس هذا الإنسان المتطوع(تحت رغبة الظهور والفوز بالعطية) وكذلك الآخرين القريبين من الحدث، الذين لديهم معاملات أو إجراءات ومراجعات إدارية في المراكز الحكومية،

(مع إننا من أكثر دول العالم مراجعة للدوائر بسبب تعطيل الخدمات التكنولوجي الالكترونية السريعة)، ففي هذه الأماكن إضافة إلى المؤسسات والمراكز الصحية،  تتضح حقيقة الحكومات المهتمة بشعوبها، والساهرة على راحتهم ورفاهيتهم وسلامة أمنهم، لكننا نرى شيئا مختلف تماما في معظم البلدان العربية والعراق تحديدا.

 

هذه الأمور تتكرر مع العديد من مواطنينا دون أن تضع لها الحكومات والمؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية الحلول الناجعة لها(وهي جميعها مخالفة للتعاليم الديمقراطية والشريعة الإسلامية والأخلاقية)،

حيث إن حالة الانكسار وسياسة الخضوع الموروثة من الأنظمة المستبدة ، والمسببة للخلل النفسي الواضح في تصرفات العديد من أبناء شعبنا، لم تعالج معالجة صحيحة وفقا للرؤية السياسية والاجتماعية الجديدة في البلاد، بل نرى تصاعد وتيرة الاستغلال الشخصي لبعض المسؤولين لحماياتهم، وتسخيرهم في أعمال وواجبات منزلية خاصة، مما يسبب فشلا تاما في تمتين أواصر العلاقة بين الدولة والمواطن،

(ولهذا نرى عناصر الكراهية بادية في بعض تصرفات أبناء شعبنا ، من خلال عدم الاكتراث بالممتلكات العامة، وانعدام الشعور بالمسؤولية والاحترام للمراكز الحكومية على اعتبار إنها ملكا لهم-وكذلك حالة السخط المتكررة التي تليها عمليات النهب والفرهود عقب انهيار أي نظام حاكم، وقد حصل حتى في ضل النظام الديمقراطي).

إن الأسس التي يجب أن تأخذ على عاتقها التقليل من تلك الحواجز، هي المؤسسات التربوي والتعليمية ، والثقافية والفنية ، والأخلاقية وحتى الدينية(مع إن بعض هذه المؤسسات تتعمد إذلال مايسمون بالعامة من الناس)،

تبدأ بالمدارس الابتدائية وصولا إلى المؤسسات الجامعية والفنية أو التقنية، لتعيد حساباتها الخاطئة في طريقة التعامل مع الطالب والمواطن العادي، والعمل بجد لتقليل الأسوار العالية المحيطة بحاشية المسؤول(كإشاعة مصطلح قائد ذو شخصية قوية)، واعتباره موظف في الدولة يخضع لقوانينها وتشريعاتها كبقية المواطنين،

ولهذا نجد إن قضية نائب رئيس الجمهورية الهاشمي،  أخذت مدا أوسع من حجمها الطبيعي،  فنرى مثلا إن تعليق الإذاعة البريطانية (بي بي سي)يوم أمس حول التفجيرات الأخيرة،  التي استهدفت زوار الإمام الحسين ع

(بأنها حصيلة ونتيجة للتوتر والخلاف الحاصل بين الشيعة والسنة ،  وهو تعليق خبري موضوع بخبث، ولا يمت بصلة للحيادية والمهنية وأخلاقية الإعلام الهادف ، كما تفعله نفس هذه الإذاعة مع الأوضاع في سوريا ، وتغاضيها عن أحداث وجرائم البحرين).

 عملية التطوير والتأهيل النفسي للمواطن، وحثه على مواجهة مسؤولي الدولة وموظفيها بشكل سلمي ، وبأسلوب حضاري ، عندما يجد إن خلالا وتجاهلا وإخفاقا قد حصل في أي مرفق من المرافق الخدمية،  أو التعليمية ، أو الصحية ، (أو حتى الأمنية الخ.)، وعليه أن يشعر إن صوته قد سمعته الحكومة ، وانتبهت إلى مطالبه واحتياجاته،

ولنبتعد عن لغة التوسل والاستجداء والبحث عن المكرمات، في دولة ميزانيتها تمتلئ من عائدات النفط العراقي وليست الضريبة ، كما هو معمول به في اغلب دول العالم، وهذه ثروة مشتركة لا يمكن التفريق والتمييز بين مستحقيها.

لذلك يجب أن تبدأ عملية المعالجة من بيت تربية الأجيال المؤسسات التربوية والتعليمية، حيث لازالت مدارسنا البائسة لا تعكس الأساليب الحضارية المتبعة في دول المنطقة والعالم في تدريس وتهيئة وتربية النشء ، بل تعطي وزارة التربية ومديرياتها العامة صلاحيات مطلقة للتلاعب بمشاعر وأحاسيس الطلبة اليافعين في تلك المراحل المهمة من عمرهم، وتتجاهل كل صرخات وطلبات المثقفين والتربويين العراقيين المنفتحين على تلك التجارب التربوية العالمية ، الراغبة بتحسين مستوى الأداء في التربية والتعليم،

بينما نشاهد إن بقية المؤسسات التربوية في معظم دول العالم المتحضر، تعطي الاهتمام التربوي والأولوية المادية والمعنوية للطالب ، وتعمل بكل ثقلها على إحياء مؤسسات ثانوية فاعلة، تعمل على تقييم دور وأداء الكادر التدريسي باستمرار، ومتابعة وضعية الطالب النفسية والمادية والعلمية(من قبل المرشد أو المشرف المدرسي)،

هذه الدول لا تمارس هذه الأدوار بعيدا عن بقية احتياجات المجتمع، أي بمعنى إن الاحتياجات العامة (الخدمية والصحية والوظيفية وتوفير مؤسسات الضمان الاجتماعي والسكني)مسخرة لخدمة جميع المواطنين ذوي الحاجة الماسة دون استثناء،

فمن الصعب ظاهريا على الأقل أن يتعرض المواطن لإساءة التمييز والتفريق بين شخص وأخر، لأنها أخضعت جميع دوائرها ومؤسساتها الحكومية للتسلسل الآلي(عداد الأرقام لتصنيف ادوار المراجعين لدوائرها)، وهذه التقنية لأتعرف لغة الواسطة، وبهذا فهي حلت جميع مشاكلها المتعلقة بالمواطن ومراجعته لدوائرها الحكومية المنتشرة عندنا (علما إنها بصدد أن تنتقل كليا إلى نمط المراجعة الالكترونية للدوائر الحكومية).

المشكلة الخطرة الشائعة في مجتمعنا المتراجع ثقافيا، هي رقصة الأهازيج الشعبية(هوسات العشائر)، وهذه واحدة من الوسائل المستخدمة من قبل بعض المسؤولين(استخدمت في الانتخابات البرلمانية-مع إن المكون الكردي محظوظ بعدم وجود هذه الثقافة عنده)،

حيث يقوم هذا المسؤول أو إدارة مكتبه بمنح هذا الشويعر الشعبي قليلا من النقود في مقابل هذه الأهازيج، وهي مخجلة ومعيبة على عشيرة هذا الشخص ، والمسؤول الذي يسمح بهذه الثقافة البالية،

يجب أن ينظر المجتمع بطبقاته المثقفة الواعية إلى مسيرة أبناءهم المتعثرة في وحل الخرافة والجهل والغيبوبة العقلية، كان المفروض إن نسرع بشعبنا نحو حياة أكثر هدوءا واستقرارا، لا أن نعيده إلى عصور ما قبل التاريخ، بتشجيع الاصطفافات القبلية والعشائرية واعتمادها كواحدة من الثقافات المحلية المحببة،

وكذلك تقع على عاتق الكتل والشخصيات السياسية الوطنية مسؤولية التقليل من الفجوة المتسعة بينهم وبين المواطنين، لا أن تبدأ جولاتهم الميدانية بالاعتداء على الصحفيين والعامة من أصحاب الملفات والاحتياجات الإنسانية،

لان احترام المواطن من احترام المسؤول، وإهانة كرامته والاستهانة بوجوده إهانة للدولة بأكملها.

هذا اقتباس من وصية الإمام علي عليه السلام لمالك الاشتر رض عندما ولاه مصر.نعرف به حقيقة المسؤول المكلف والرعية:

 

وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل،

وأجمعهــا لرضا الرعية، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة .

وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقل شكراً عند الإعطاء، وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصّة . وإنّما عماد الدين، وجماع المسلمين، والعدّة للأعداء، العامّة من الأمّة، فليكن صغوك (ميلك أو الإصغاء) لهم، وميلك معهم . وليكن أبعد رعيتك منك، وأشنأهم عندك، أطلبهم لمعائب الناس، فإنّ في الناس عيوباً، الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عمّا غاب عنك منها، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.

وفي موضع أخر:

 

وأكثر مدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك .

واعلم أنّ الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلاّ ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض: فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامّة والخاصّة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمّال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمّة ومسلمة الناس، ومنها التجّار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكل قد سمى الله له سهمه، ووضع على حدّه فريضة في كتابه أو سنّة نبيه (صلى الله عليه و آله) عهداً منه عندنا محفوظاً .

 

ما أحوج مسؤولينا الحاليين إلى هذه الخطبة.

مهدي الصافي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2003 الأثنين 16 / 01 / 2012)

 

 

 

 

في المثقف اليوم