أقلام حرة

فكرة قريع!

 الكبرى في الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية، وحولها، تبقى؛ ولكن تحت سيادة الدولة الفلسطينية، التي في هذه الحال ستكون دولة ثنائية القومية (تتألَّف من أكثرية عربية فلسطينية ومن أقلية يهودية استيطانية) ويمكنها أيضاً أن تُظْهِر نفسها للعالم على أنَّها التجسيد الممكن واقعياً الآن لحلم "الدولة الديمقراطية العلمانية".

و"جودة" تلك الفكرة لا تعني أنَّها "واقعية"، أي يمكن أن تغدو حقيقة واقعة، وحلاًّ لمشكلات عدة بين المتفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين، فميزان القوى التفاوضي بين الطرفين، والذي هو انعكاس لميزان القوى العام والكلِّي بينهما، يجعل "الفكرة" أقرب إلى الطوباوية منها إلى الواقعية، ويكاد يُظْهِرها على أنَّها عديمة الوزن إذا ما قمنا بوزنها به.

ومع ذلك، تبقى لـ "الفكرة" أهميتها التفاوضية التكتيكية، فهي تُبْطِل حُججاً وذرائع إسرائيلية شتَّى لإصرار إسرائيل على أن تضمَّ إليها أجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولاستمرارها، بالتالي، في رفض الانسحاب إلى خطِّ الرابع من حزيران 1967؛ كما أنَّها، أي الفكرة ذاتها، تُظْهِر ميلاً فلسطينياً إلى التخلي عن فكرة "تبادل الأراضي"، أو "التبادل الإقليمي"، وإلى التصدِّي لمخاطر فكرة "التبادل الديمغرافي" التي يقترحها، ويدعو إليها، ليبرمان وغيره، والتي ليس فيها شيء من معاني "التبادل الديمغرافي"، وتستهدف "عرب إسرائيل"، أو بعضهم، بـ "التطهير العرقي" أو "الترانسفير".

من قبل، كان الموقف التفاوضي الفلسطيني يقوم على رفض الاستيطان جُمْلةً وتفصيلاً، فالحل النهائي كان، في صورته الفلسطينية، يستلزم انسحاب إسرائيل حتى خط الرابع من حزيران 1967، مع إخراج كل المستوطنين من إقليم الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية (والقدس الشرقية) وقطاع غزة. ثمَّ منحت الولايات المتحدة، عبر "رسالة الضمانات" التي تسلَّمها شارون من بوش، إسرائيل الحق في ضمِّ الكُتَل الاستيطانية الكبرى إليها، فانتعشت فكرة "تبادل الأراضي"، لتعويض الفلسطينيين (تعويضاً غير متكافئ من الوجهتين الكمية والنوعية) ما فقدوه من أراضٍ بسبب هذا الضم، وغيره، ولحل بعضٍ من مشكلات "الممر"، عبر أراضٍ إسرائيلية، بين قطاع غزة والضفة الغربية.

ثمَّ شرعت إسرائيل تُدْخِل "عنصراً ديمغرافياً" غريباً في فكرة "تبادل الأراضي"، وكأنَّها تريد للحل النهائي أن يقوم أيضاً على "التبادل الديمغرافي".

ومع دمج الفكرتين، فكرة "تبادل الأراضي" و"التبادل الديمغرافي"، تصبح النتيجة العملية النهائية هي الآتية: تضم إسرائيل إليها أجزاء واسعة من الضفة الغربية والقدس الشرقية، تشتمل على الكُتل الاستيطانية الكبرى، وتعطي الفلسطينيين في المقابل بعضاً من أراضيها التي لا تحتاج هي إليها، ولا يحتاج إليها الفلسطينيون أيضاً، على أن يُنْقَل جزء كبير من "عرب إسرائيل"، أو من فلسطينيي الجليل والمثلث، إلى أراضي الدولة الفلسطينية، فتَنْعُم الدولة اليهودية بـ "نقائها العرقي"، وتتخلَّص، بالتالي، من كابوس "القنبلة الديمغرافية".

الفلسطينيون الآن، وعبر الفكرة التي طرحا قريع، يقولون: لا نريد "تبادلاً ديمغرافياً" إذا كان هذا هو معناه، ولا نريد، بالتالي، "تبادلاً إقليمياً"، فمع انتفاء الحاجة إلى "التبادل الأوَّل"، والذي ليس بـ "تبادل"، تنتفي الحاجة إلى "التبادل الثاني"، ولا يبقى، بالتالي، من ذريعة لرفض إسرائيل الانسحاب حتى خط الرابع من حزيران 1967.. لِتَنْسَحِب إسرائيل حتى هذا الخط، وليبقى المستوطنون حيث هم؛ ولكن تحت السيادة الفلسطينية، وليبقى "عرب إسرائيل" حيث هم، وتحت السيادة الإسرائيلية.

أمَّا البديل من ذلك، إذا ما رفضت إسرائيل تلك الفكرة، وسوف ترفضها، فيجب أن يقوم على "المساواة"، فـ "التعديل الطفيف للحدود" يجب أن يكون متساوياً؛ ومبدأ "خذوا شعبكم وأعطونا شعبنا" يجب ألاَّ يُعْمَل به إلاَّ إذا اقترن نقل فلسطينيي الجليل والمثلث إلى أراضي الدولة الفلسطينية بضم أراضي الجليل والمثلث إلى إقليم الدولة الفلسطينية.

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1060  الاربعاء 27/05/2009)

 

في المثقف اليوم