أقلام حرة

أردوغان الباب الناصي والعراق الكبير / مصطفى الأدهم

- التي ساعدته مع استعراضات مسرحية متواصلة ومعلقات وحدوية تذم الطائفية في حجز معقد احتياط كلاعب اقليمي.

لكن الجشع، الإستعجلال، وتصديق "العراضة" اليعربية مع عقد مزاوجة الماضي و الحاضر، والهروب إلى الإمام من أزمات الداخل بتصديرها إلى الخارج، و الركون إلى دعم "الأسطة" وكرستته الغربية، أغرى أردوغان لزيادة عيار الإستعراضات المسرحية. لكن مع خلل في الإتجاه، فجاء التصويب شرقيا.

في البداية، أعتقد البعض أنها نيران صديقة. مع التكرار، وزيادة العيار، "لم يعد للصلح مطرح" كما يقول المصاروة. فالرجل لم يوفر أحد من تشبيحه الإعلامي. مع الأخذ بعين الإعتبار عجز يده كالمعتاد. رغم العلم المسبق بحجم البلد، وعضويته في حلف "الناتو" واحتكاره لمنابع دجلة والفرات.. هذه ملفات فيها سلبية وايجابية ويمكن اللعب عليها، شريطة الإحتراف، لأنها ليست للهواة..

مسلسل تصريحات السيد أردوغان الإستفزازية - التصعيدية - الطائفية - المتكررة في الشأن الداخلي العراقي، فقدت البوصلة. لأن الرجل دخل في الشخصنة والتفاصيل، ولم يعد يحوم في سماء العموميات. وفي أبجديات السياسة والإعلام، هذه نقطة ضعف. وان كان ظاهرها يوحي بالقوة. ناهيك عن ابتعادها حتى عن الخشونة الديبلوماسية.

يواجه اردوغان أزمة متعددة الاوجه؛ داخليا وخارجيا. داخليا؛ المشكل الإقتصادي والبطالة، الأزمة مع الجيش والقضاء، والقضية الكوردية التي لم يستطع مقاربتها، والخوف من انعكاسات الأزمة السورية على الداخل التركي، خاصة على صعيد المكون العلوي.

خارجيا؛ لم يستفق الرجل ولا حكومته من دوي الصفعة الفرنسية من اقرار قانون تجريم انكار "المذبحة الارمنية" وتجريم تركيا - العثمانية، وهو ما يفتح الباب أمام استنساخ برلماني اوروبي للتشريع الفرنسي، مع الأخذ بعين الإعتبار عدم طوي ذات الصفحة في "الكونجرس" الأمريكي.

 من زاوية أخرى، لم يستطع أردوغان حتى الساعة انزال سقف تهديداته المترفع في الأزمة السورية إلى أرض الواقع، وفي هذا استنزاف للمصداقية؛ داخليا، اقليميا ودوليا.

من هنا، نبع التدخل في الشأن الداخلي العراقي، لإيجاد ساحة أخرى للتشبيح، وللتعتيم على الفشل الأردوغاني في الساحة السورية. مع عدم اغفال سبب اخر هو انتكاسة الجندي الإنكشاري في العراق - مشروعا وقائمة. وعدم تحقيقه حتى الساعة للنتائج المرجوة من العرقلة للإنتقال من مرحلة الشلل إلى الفشل في العملية السياسية.

الإعتقاد بأن العراق هو الحلقة الأضعف الأن لتصدير الأزمات، وتسجيل النقاط "برأسه" واستثمارها داخليا مع محاولة مقايضتها خارجيا، هذا الإعتقاد يجانب الصواب.

التصعيد التركي الحالي هو جس نبض، وابتزاز متعدد الإتجاهات، لنيل المراد، والمراد هنا ليس "مراد علم دار"، بل الدور الإقليمي الذي فشل الرجل في توسيعه بكل من "تصفير المشاكل" وخليفتها "تكثير المشاكل". أن الدور الذي يتطلع له اردوغان هو أكبر من حجمه وقدراته واكبر من الدور الحالي الذي يلعبه. وذلك لضعف الإمكانيات الإقتصادية وبالتالي الضعف في القدرة على التغيير وصناعته. و التغيير هنا؛ هو تغيير النتائج وليس الإكتفاء بالقدرة على التأثير. الأولى تحتاج إلى امكانيات ضخمة، وفي مطلعها تأتي القدرة الإقتصادية التي تفتح بقية الأبواب حسب كبر رقم الحساب.

لقد فات الرجل أنه عاجز عن أحياء الموتى. والرجل العجوز مات منذ قرن، وقبل موته كان مريضا وعاجزا عن الحركة، وحلفاء اليوم هم من أجهز على عليل الأمس وتقاسم تركته، وهم من سمح لتركيا - أتاتورك بتصدير الخضروات والألبان والسجق والمياه والعيران، وهم من استثمر واصطاف في ربوعها، ثمننا للتغريب بقبر التشريق، ولن يسمحوا لأردوغان حتى أن يحاول عبثا أحياء الموتى من قبورهم.

العراق، والمناكفة معه - مساحة لإيصال الرسائل، واستعراض العضلات، وبيع العنتريات، وتكثير المشاكل، وتصدير الأزمات - لإلهاء الداخل وارباك الخارج، خصوصا مع الحرج المتعمم بالخوف من أثار "التعليمية" الفرنسية التي لها ابعادها الإستراتيجية - بعيدة المدى.

أين يذهب اردوغان بهذا الحمل الذي يهد الاكتاف؟ الأزمة السورية لم يعد يؤثر فيها بيع المزيد من العنتريات، الجانب الفرنسي / الأوروبي لا تجدي معه هذه الخزعبلات، اسرائيل لم تعد تحتمل تكرار الإستعراضات، ايران لا تجامل في مثل هذه الحالات.. أذن، لم يتبقى أمامه سوى العراق كي يفش فيه خلقه - القبيح !

لكنه، وكعادته، فاته أن حجم العراق كبير. أكبر بكثير من حجم الباب الناصي الذي هو قابع خلفه. عليه، لا يمكن للعراق أن ينحي ويدخل من باب اردوغان الناصي، وان أعتقد الأخير أنه عالي. الأحلام عموما لا تضير. لكنها تؤذي صاحبها أن تحولت إلى كوابيس مستمرة.

كلما أستفز العراق، كلما أهان نفسه وصغر حجمه وأكل من رصيد مصداقيته فلا تبقى قيمة تذكر لكلامه. وهو في كل الأحوال أعجز من أن يتدخل عسكريا في العراق. ونقطة على السطر.

 

مصطفى الأدهم

27.01.2012

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2015الاحد 29 / 01 / 2012)

في المثقف اليوم