أقلام حرة

مستقل اليسار ومجريات الشرق الاوسط / عماد علي

واحلاله محل ماموجود وماهو ثابت منذ مدة ليست بقليلة وفق معرفتنا التقليدية لها . هذه مسالة تعتمد في توضيحها وبيانها على النظريات العديدة والتي لا حاجة لنا بالتعمق فيها هنا، لاننا نقصد في توضيح هدفنا هنا التوجه نحو ما يحدث في الشرق الاوسط من منظور اليسار الواقعي فقط، بعد قراءة ما موجود على الارض كما هو وما يمكن ان ينبثق منه لما يمكن او يوضع في خانات ما يهم اليسار واهدافه العامة وما يهم الشعب في النهاية. ويجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار هنا ان المرحلة الجديدة من حياة هذه الشعوب الثائرة في المنطقة تحوي على ما لا يمكن الاستناد عليه حاليا بالشكل الذي كان قبل قرن تقريبا، بمعنى، ان العصر الذي يتجدد في كل شيء وتتغير منه اشياء،لابد ان تتغير المفاهيم ايضا من حيث المعنى والمضمون وهي بالتالي كما غيرها تجدد نفسها ايضا، ولا يمكن ان تتاثر الثورة لوحدها هنا . اي يتغير معنى ومضمون مفهوم الثورة ايضا، اي لا يمكن ان نفهم الثورة بدلالاتها وابعادها القديمة دون النظر على ما حصل من تغيير لمرتكزاتها.  وعليه يمكن ان نقول بان ما يحدث في المنطقة من الثورات والاحتجاجات يمكن ان نعتبر منها ونفهم بانها اعطت معنا جديدا مغايرا للثورة كما كنا نعرفها وهي مغايرة تماما لما كان يفهم عن الثورة وابعادها ايضا .

ما يحدث في الشرق الاوسط هو تغيير سياسي شامل، وبداية للانتقال الى مرحلة وعصر جديد ولا يمكن حصره في تغيير واسقاط نظام معين هنا وهناك فقط، اننا ننتظر ان تبان وتتوضح الافاق والابعاد والدلالات الاجتماعية الاقتصادية الثقافية الجديدة بعد استقرار الاوضاع، على الرغم من بروز قوى ربما تؤخر ما يمكن ان يولد بشكل طبيعي وهو ما يهم الوصول الى ما يجهد ويعمل من اجله اليسار من حيث المفاهيم العامة من الحرية والديموقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية بمساحاتهم ومضامينهم وابعادهم الواسعة الكبيرة، وسيتم تغيير الواقع الاجتماعي الثقافي العام بعد اكتمال مهام المرحلة الراهنة من جراء الثورة، وهذا ما يمكن ان يركز عليه اليسار في المرحلة المتنقلة هذه.

الواقع الاجتماعي الثقافي الحالي ابرزمن الاطراف ما يمكن ان يسيطر على زمام الامور دون ان يستطيع تحويل ما يجري بشكل يقع لصالح كافة طبقات الشعب لحد الان، وكل ما يكثف جهوده من اجله هو العمل على تحويل ما يجري لصالحه بشكل خاص، وان يبقى الشعب منعزلا محصورا في زاوية ما، محاولا عدم احتكاكه مع ما يحتم عليه التغييرات المتتالية والانتقالات المتعددة . وان استغرق هذه المهام فترة طويلة كانت ام قصيرة وفق مميزات الشعوب ومستوى وعيه وثقافته وقوة ارادته، فان الجهات كافة سوف تتاكد من ان تغييرات المسار التي حصلت سواء بشكل عفوي او مقصود فانه من غير الممكن ان تتقبل هذه الشعوب لما هو طاريء عليها بعد كل التضحيات. وهذا لا يعني ان ما انبثق بعد الثورات جميعه خارج دائرة ما تفرزه هذه الشعوب في فترة الحرية بعد الكبت الطويل الامد. المهم في الامر هنا لجميع القوى والتوجهات والافكار والمهتمين، ان السياسات المتبعة نابعة بشكل نسبي من الشعب نفسه وهي غير مفروضة عليه فوقيا كما كانت من قبل، وهي ليست مستوردة ايضا بشكل كامل، وهي من صنع وتعجين وانتاج الخاص للشعوب ذاتها في هذه المرحلة، ويجب ان يتقبلها الجميع بصدر رحب. وبعد الهدوء والاستقرار الذي يمكن ان يفرض نفسه، يمكن التغيير لما يجري بسهولة ممكنة وبالطرق السلمية المختلفة، اي من يمنح الثقة لوصول اي طرف لسدة الحكم فلديه القدرة على سحبها منه متى ما احس بانه لم يودع الامانة التي كانت في حوزته لمن آمن به، والعصر يساعد على قصر المدة المطلوبة للتغيير والانتقال من المراحل الشاذة بعد الاحتكاكات والتطورات الحاصلة في التواصل بين بقاع الارض، ولكن الشرط المطلوب الذي لابد منه هو اتباع الطرق والاساليب السلمية فقط .

ما يهم اليسارية، لا يمكن ان نتوقع تحقيق ولو نسبة يسيرة منها في الوقت الراهن سوى الخلاص من الحكومات والانظمة الاستبدادية القمعية الكابحة للحريات والمعيقة لتوفير وسائل السعادة لشعوبها . الوقت مبكر كي ننتظر انبثاق دولة مدنية بعيدة عن هيمنة الايديولوجيا بكافة انواعها والتي في النتيجة تكون لصالح اليسار (وان اعتبرت اليسارية بذاتها ايديولوجيا عند البعض). ولكن الخطوات البدائية التي اتخذت من قبل القوى التي تميزت بتشددها وتزمتها من قبل،  من حيث التقارب والمساومات والجدال والنقاش والااخذ والرد مع مخالفيهم، لبداية نحو ظهور بادرة حسن نية والامل  بسهولة العمل والتوجه نحو المطلوب في مسار المسيرة التي تتبعها القافلة التي لابد من وصولها الى المحطة الحقيقية المنشودة من قبل اكثرية الشعوب .

اخذت الديموقراطية مسارها الصحيح لاول مرة في هذه المنطقة، وهي من العوامل الاساسية القوية المهمة لقوى اليسار في مثل هذه الارضيات المعقدة للاعتماد عليها من اجل الى الاهداف  العامة لهم.

اما مستقبل اليسار بعدما ارست البواخر في الموانيء المختلفة الشكل والتركيب وكما كان متوقعا، ومنها ما غيرت طريقها الموجات والواقع الموجود كما هو بهذه التركيبة والعقلية والوعي والمستوى الثقافي العام . فان العمل صعب  ومرهق ويحتاج لجهود وعقول بناءة في مثل هذا الوسط، الا انه ممكن وهذا ما يفتح الابواب امام اليسار، ولكن، بداية، يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار الاولويات الضرورية لمابعد الثورات وتقييم المرحلة بشكل علمي وبمعرفة عميقة لما يجري في الشرق الاوسط وما تحتاجه الشعوب الان او بعد الانتهاء من هذه المرحلة . حسب اعتقادي ووفق معرفتي المتواضعة لما هي عليه المنطقة من الهيجان، فان صعود المتشددين والمتزمتين والمستندين على الافكار والتوجهات والايديولوجيات الضيقة بهذه السرعة، انه بحد ذاته عامل مساعد لليسار على النجاح في مهامه الواقعي اولا ومن ثم التمعن في تحقيق الاستراتيجيات المهمة التي تفرض نفسها في الوقت المناسب . اكثرية الشعوب من الطبقة الفقيرة الكادحة، مستوى التربية والتعليم منخفض، الثقافة والمعرفة والوعي العام دون المستوى او الطموح، النخبة في نسبتها الكبيرة يمكن تصنيفها بكسولة، الروحانية مسيطرة بشكل تغطي على الجميع، وهذا طبيعي في وقت وظرف مثل ما كانت تعيشه هذه الشعوب لعقود . ولكن من جانب اخر، ضرورات الحياة مطلوبة توفرها  بالحاح وكثرت انواعها ونسبها، القدرة العقلية والفكرية لمن رفعه الشعب لاداء المهمة ستتوضح بعد حين من الثغرات التي تتواجد في كينونتها وتتفهم الشعوب بالتدريج ما الاهم لهم، التطورات جارية دون توقف، العلاقات والمصالح تفرض نفسها، ابواب الحرية شرعت وهذا ما يحفز على عدم قبول الردة والعودة عن الاهداف مهما بلغت التضحيات المطلوبة، الثورات التكميلية جارية ومستمرة، اذن الطريق المستقيم والسوي لعمل اليسار مفتوحة على اوسع ابوابها، وانها مسالة وقت ليس الا في تغيير توجهات الشعوب، ولكن هذا ما يحتاج الى التاني والتروي وعدم التشدد من الجانب الفلسفي العقيدي، اي الاهتمام بالواقع والاولويات كمهام رئيسي لليسار، وسيكون مستقبله معلوما واهدافه قابلة التحقيق في الوقت المناسب، اي مستقبل اليسار واضح ولكنه يحتاج للتخطيط والتنفيذ السليم للخطوات المطلوبة في التوجه نحو المرحلة المقبلة من بعد الثورات المتتالية .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2019الجمعة 03 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم