أقلام حرة

هل من تغيير فوري بعد الثورات؟ / عماد علي

انها في حال لم تحصل فيها تغييرات تدريجية او تحولات ملحوظة طوال المراحل السابقة من حكم الدكتاتوريات لاسباب وعوامل عامة واضحة للجميع . الكلتور  الذي يتميزبه كل مجتمع وهوالذي يسيطر على كافة الحركات والتفاعلات الطبيعية له وفيه من السلبيات التي تقمع وتسقط كل تفكير سليم منذ بدايته، والثقافة التي تتصف بها هذه المجتمعات بمستوى تمنع حتى التفكير بحرية في الذات وفي الحياة الخاصة والعامة ايضا ، فما بالك في التفكير فيما يخص المجتمع بشكل عام او التفكير الفلسفي في الكون والحياة والنشاة وما يهم الفلسفة من اية زاوية كانت ، والمجتمع اعتاد على القمع والاستبداد التي زرعت الخوف في عقلية وكيان الفرد والمجتمع ولم تدع مجالا للتمعن والتعمق السليم في وجود الذات وكشف الحقيقة والتوقف عند اي مسار لمسيرة الحياة، انه النظام السياسي والوضع الاجتماعي والمستوى الثقافي والقدرة الاقتصادية  التي كانت لها الدور الاكبر في شل الحياة وحركة الفرد بسهولة تامة مهما بلغت قوة ارادتهم في تلك المرحلة اللعينة .

ان كان الانسان مستغربا عن عقله وذاته بعيدا عن نفسه بفعل افرازات ونتائج الافعال السياسية المعيقة، والثقافة القمعية هي التي جعلتهم مجبرين على الاستناد على الافكار والتوجهات الجاهزة سلفا ،و هذا ما يجعل ان يضطر الفرد في الدوران في حلقة معينة ، فكيف به ان يخطوا لكشف ماهو غير المعلوم لديه من كافة النواحي التي تهمه ويهتم بها .

 العلة الكبرى في تكرار الازمات واشغال الفرد بالتفاصيل والامور الصغيرة مهما بلغت قوةعقليته واهتماماته الذهنية من قبل الانظمة والاسياسات المتبعة، سيفسد تفكيره او على الاقل يتجمد على حال لا تقبل التغيير. وان كانت الازمات في اكثر الاحيان وكما هو المفروض يجب ان تخلق الافكار الجديدة عند المجتمعات الواعية الصاحية وتساعد على الابداع عند البحث في ايجاد الحلول  بالطرق المختلفة . اما في مجتمعاتنا، فان الازمات تشل وتثبط همم اصحاب العقليات الباهرة بل تشغلهم وتسبب لهم التراجع وعدم الابداع في مسيراتهم .

ان كانت مجتمعاتنا بهذه المستوى وهي تسير على هذا النمط وتتسم بما فرضته عليها الدكتاتوريات، فهل من المعقول ان نلمس ايجابيات التغيير بين ليلة وضحاها، وفيها كل هذه العقد المتعددة الاشكال والاصناف . ان كان هذا الكلتور والثقافة التي فرضت نفسها على هذه المجتمعات في هذه المراحل الزمنية الطويلة، ألم تحتاج ازالتها او التخفيف في تاثيراتها لمدة زمنية كافية وارضية مناسبة وعوامل مساعدة مع ازاحة العوائق الجديدة التي برزت بعد التغييرات الجارية بعد الثورات. لذا، يحتاج التغيير النسبي لجهد وارادة ووقت لازم لمسح ما فرضه الماضي لايجاد الوسيلة المطلوبة للايلاج في كيفية العمل على بدء الخطوة الاولى  . ولا يمكن ان ننتظر التحول الفوري، وخصوصا، مصالح الجهات المختلفة ذات الصلة بالحياة العامة هي التي تفعل ماليس لصالح العملية في اكثر الاحيان .

ان كان الاعتماد على العاطفة في امور الحياة لدى كافة مستويات الشعب سهلا، والقدرة على اتخاذ طريقة لبناء القرارات المختلفة باي شان كان يمكن ان يسير بيسر في اكثر الاوقات، فان الاستناد على العقل والتفكير العقلاني الصحيح يواجه صعوبات في بدايات اية عملية معقدة كما هو حال الثورات العفوية التي تشهدها المنطقة والتي لم تكن مخططة ومجهزة من قبل ، وجاءت بعد الكبت والقمع الخانق والاحتقان التي لا تسمح للتهكنو التوقع الصحيح  والتحليل الناجح حول المعادلات التي يمكن الوصول بها الى نتائج منتظرة ، لا بل لا تقبل حتى التركيز على ما تتطلبه المصالح الذاتية من قبل الافراد بشكل واضح وسليم .

بعد تهدئة الامور وتصفية الحسابات الانية والوصول الى الركود نوعاما، سيعيد كل فرد حساباته ويمكن ان يبدا من جديد في اتخاذ الخطوات والتفكير في وسط صحيح وعلى ارضية مناسبة، الا ان اتخاذ ما يمكن ان يكون عكس ما تنتجه الثقافات السائدة والافكار والعقليات المسيطرة يحتاج لجهد ووقت وربما يطول هنا ويقصر هناك وفق طبيعة وسمات كل مجتمع وخصوصياته . اي التغيير السليم السوي يبدا بعد ضمان الحرية وبناء الثقة بالنفس، وهذا لا يمكن التراجع عنه مهما بلغ شدة المتنفذين الجدد من القوة والعزم على انحدار مسار الثورات لغير ما اندلعت من اجله . وستحقق كل ثورة اهدافها بعيدة المدى في النهاية. ولكن لا تغيير فوري وجذري كما يتوقعه المواطن، وكما يحصل في هذه الاونة، وانما يجب العمل على منع زرع الياس في نفوس الثائرين لاغراض سياسية عقفيدية ايديولوجية معينة، دون الاهتمام بالاهداف المصيرية العامة لكافة طبقات وقطاعات الشعوب من قبل من يعتلون سدة الحكم كما نلاحظه في هذه الايام بعد الثورات في الشرق الاوسط . 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2020 السبت 04 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم