أقلام حرة

ثورات العصر بين تعامل الشرق والغرب / عماد علي

وبالذات ما تلمسناه من الاتحاد السوفيتي والدول الغربية في تلك المرحلة التي اتسمت بقمة الصراع اثناء الحرب الباردة التي سيطرت طوال العقود. وان تمعنا لنركز بشكل كبير في تعامل كل طرف مع الانتقالات التي حصلت بشكل سريع ونقارنه مع ما يحصل اليوم، سيتوضح لدينا حجم الاخطاء التي ترتكبها الجهات التي لا تساند الشعوب الثائرة في تحقيق اهدافها لاسباب ايديولوجية سياسية بحتة، وتحاول ادخال العصا في عجلة التغيير التي لا يمكن توقفها بسهولة وهي سائرة وتزيح اكبر العوائق بقوة،  مهما جابهت محاولات التصدي التي تبديه الاطراف القليلة هنا وهناك، الا انها ستصل الى المبتغى في نهاية المطاف على الرغم من اختلاف قصر او طول الزمن من بلد لاخر، وكما تثبته لنا الثورات الجديدة في هذه المنطقة . ان التغيير الذي حصل في حينه كان جراء الانقلابات العسكرية، لم يستغرق وقتا يذكر وانتهى ببيان رقم واحد ولم يكن نقلة نوعية لكافة نواحي الحياة. ان التحضيرات لما البدائية لما كان يحصل كانت سرية او محصورة من قبل حلقة ضيقة دون معرفة الشعب بالتفاصيل، الا ان الاحتقان كان سيد الموقف لظهورذلك الدعم الشعبي الذي كان حاضرا، والواقع السياسي الثقافي العام لم يدفع في التغيير الشامل المطلوب، اي التغيير في اكثر الاحيان كان يشمل الوجوه فقط الى حد كبير،اي التغيير من القمة ودون انتقال تدريجي او تغيير جذري متكامل، وكانت جميع التغييرات بلا استثناء بعيدا عن تخصيب الارضية المطلوبة لها من قبل فئات الشعب كي تحدث انتقالة فعالة وتغييرا نوعيا في البنى التحتية والفوقية لتلك البلدان .

لم يتمكن الغرب من الوقوف امام تلك التغييرات التي كانت لا توائمه، رغم محاولاته، او لم يفسح امامه مجال او فرصة ليقف ضد ما هو لغير صالحه الا بعد حين . كانت الساحة السياسية تشهد مدا فكريا بساريا في اكثر البلدان، وبرزت احزاب يسارية او ما منها محسوبة على اليسار بادعاءها المباديء والاهداف والشعارات اليسارية على العلن، وهي تساوم عليها في السر وعلى ارض الواقع. ان الغرب رغم عدم استحسانه لما يحصل لم يقف جاهرا ضد تلك التغييرات من خلال الانقلابات والثورات التي حدثت، الا انه حاول وتدخل بشكل واخر من اجل تغيير المسار بالطرق العديدة ونجح في العديد منها بعد مدد مختلفة، اي انه لم يظهر للعلن ما يكنه  امام الشعوب ويتكلم وياخذ مواقفا واضحا ضد ارادة الشعوب على الملا كما تفعل روسيا والصين اليوم، وهما تسجلان تاريخا لا يحسدهما عليه احد . كان بالامكان ان يتدخلا ويتخذا مواقفا صريحة داعمة لاماني الشعوب من جهة، ولم تدعا المصالح الغربية الضيقة تفعل فعلتها وتسيطر على مجريات الامور كما تدعيان من جهة اخرى بمواقف صحيحة وعقلانية .

لو بادرت كل من روسيا والصين بمشروع وموقف متزن من كل دولة ثائرة وعلى خصوصياتها، واخيرا في سوريا، وحاولتا اخراج البساط من تحت اقدام ما تسميانهم بالمتامرين والمتدخلين في الشؤون الداخلية للدول، لبقيتا على صلة وعلاقة وثقة بهذه الشعوب وابتعدتا عن الانعزال الذي تشعران به اليوم ويزداد بعد نجاح كل ثورة . الجميع على دراية كافية بما تفرزه هذه الثورات ويطفوا منها الى السطح من يسيطر على زمام الامور من القوى المختلفة ومن الافكار والعقائدالجامدة ومنها المعتمدة على المناهج والمباديء المبتذلة، لان الارضية والوسط الذي حدث  فيه التغيير لا يمكنه في هذه الحالات ان ينبت في هذه المرحلة الا مثل هذه التركيبات والتوجهات والافكار ومنها العقيمة والمتخلفة جدا . لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الايام، هل يمكن تصحيح الخطا بالخطا . ابدا، فالمرحلة تتسم بما تفرض وتتطلب انتقالة نوعية واستمرارية في النضال وارادة وتضحيات شتى. ما تُرى من صحوات الشعوب لا يمكن ان نتوقع لها المراوحة في مكانها او الثبوت على حال لا يمكن ان تكون هي الملائمة وما تتطلع اليها هذه الشعوب، ولابد من انجازها . اذن مجارات ما يجري في هذه المرحلة وان امكن الحياد بدل الوقوف ضده خير سلاح، او ان امكن الدعم والمساندة والوقوف مع الشعوب الثائرة وهي في قمة هيجانها سيزيد من الثقة ويمكنها ان تستمر في العملية المستديمة اصلا والمطلوب بها الوصول الى الغاية، لحين تصفية الامور بشكل نهائي وو تُصحح الحسابات والمسارات المنحرفة لحين بيان الاصح الملائم.

و لكن موقف الدولتين روسيا والصين ازداد عليهما وعلى البلدان الثائرة من الامور تعقيدا، وستخزن الذاكرة هذه وستطيل من وقت اللازم للتغيير الكلي الكامل المطلوب . كان بامكان هاتين الدولتين ومن باب النظرة الثاقبة العميقة الى مستقبل هذه المنطقة ان تمسكا العصا من الوسط وتقفا بايجابية تجاه ما يحدث. وتبتعدا عن الحسابات السياسية الضيقة التي لا تفيدهما بعد التغيير الحتمي في المنطقة بشكل شامل .

يدير الغرب الامور وما يجري في المنطقة بمنظارين مختلفين وواضحين للعيان، دعم ومساندة الشعوب على العلن والتمسك بمصالحهم الخاصة في السر مع الازدواجية في التعامل ولكن بشكل اخف من مواقف روسيا والصين، وللغرب في المنطقة من ينفذ ما يطلب منه ويهدف وهو يعوض عنه اتخاذ مواقف تسيء من سمعته،على العكس مما تفعله روسيا والصين . وهذا ما لا يمكن ان يقراه المواطن البسيط بشكل جلي، بينما يحس المواطن ما يتلمسه على العلن بان الغرب يدعم ثورته مستندا على عاطفته وما يعلنه على الملأ .

 لو تيقنت الصين وروسيا بحتمية التغيير للانظمة الدكتاتورية من حلفائها مهما فعلتا وقراتا واستبصرتا ما يمكن ان تصل اليه المنطقة بشكل صحيح  لما اقدمتا على ما تبديانها من المواقف الصعبة والتي تسيء من سمعتهما، فكان لابد منهما التمعن والتركيز والتشاور الاكثر للخروج بفعل وراي وموقف يفيدهما في المستقبل على المدى البعيد . انهما تدخلان الى حلبة الصراع الشرق الاوسطي وانظارهم متوجهة نحو الغرب وبنفس روح الحرب الباردة ولم تباليان بما موجود على الساحة الخاصة بالصراع، ولم تدركا لحد الان مدى قوة وفعل الجمهور وامكانياته وقدرته في تغيير كفة الميزان  اولم تقدرا ثقل الجهات المتصارعة . ان التغييرات كبيرة وسريعة في المجالات كافة، ولم تدع اي متتبع ان يتريث وينتظر استقرار الحال في هذه المرحلة على ما اوصلتنا اليها الثورات وما تتمتع به المنطقة بشكل عام من المميزات . عدم تمكن ما رفعته التغييرات المفاجئة الى سدة الحكم من تلبية المتطلبات الاساسية للمرحلة الجديدة يدعنا ان ننتظر ربما الهزات المتتالية والردات الكثيرة كي تجعل الحال مستقرة على وضعية مغايرة، وتكون الحالة طبيعية من كافة الجوانب، ومن ثم تبدا المسيرة وتحس الشعوب بانتقالية المرحلة والتغيير الحاسم الواجب حصوله بعد حين .

لو نظرت الدولتان روسيا والصين من زاوية ما بعد هذه المرحلة وبمنظار استدلال المرحلة التالية، لتعاملنا مع ما يجري وفق ما تصل اليها الشعوب من الاوضاع السياسية الاجتماعية العامة، ومن حالة التيقن الذي لا لبس فيه لدى كل متعمق في ما يحدث، بان العقليات المتخلفة ان سيطرت لمدة على زمام الامور سوف لن تتمكن في هذه البلدان الاصيلة ان تعيد عقارب الساعة الى الوراء وان تستمر، ولا يمكن ان يتوقع اي منا ان لا يصح الا الصحيح في الوقت المناسب .

 لذا، التعامل مع الاحداث اسنادا على التحليل والتقيم الصحيح سيولد مواقف صحيحة، وفي هذا الجانب لم تنجح روسيا والصين في تعاملهما مع الثورات في الشرق الاوسط، وهذا ما تكون له افرازات سلبية عليهما وعلى الحياة الاجتماعية العامة والانسانية لشعوب المنطقة، وحقوقهما ايضا، من منظور الصراع العالمي الذي يحتاج لماهو لصالح حياة الانسان وحقوقه وكرامته وليس المصالح الذاتية والسياسة والفكر والعقيدة المجردة فقط .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2024 الاربعاء 08 / 02 / 2012)


 

في المثقف اليوم