أقلام حرة

في الذكرى العشرين لافتتاح معسكرات الصحراء .. السجن استجمام و ترفيه / إيناس نجلاوي

 (أحد ضحايا الاعتقال التعسفي والناطق باسم لجنة الدفاع عن معتقلي المراكز الأمنية بالجنوب)

 

يتحدث الإعلام العربي والعالمي عن معتقل غوانتنامو سيء السمعة كعار على الإنسانية، ولا يذكر شيئا عن معسكرات الصحراء في الجزائر التي تحل الذكرى العشرين لافتتاحها، والتي تصادفت مع إلقاء رئيس الجمهورية لخطاب موجه للأمة تناول الانتخابات التشريعية المقبلة ولم يشر من قريب أو بعيد لذكرى فتح المحتشدات، والتي تذكرنا بمعسكرات رقان وبوغار وغيرها التي أقامها الاستعمار الفرنسي في ظل عدوانه الإجرامي ضد الشعب الجزائري.

مع نهاية 1991 وبداية 1992، اعتقل عشرات الآلاف من أنصار ومناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس)، و توزعوا على الثكنات العسكرية التي كانت مراكز عبور قبل أن يتم توجيههم نحو معسكرات اعتقال سميت "مراكز أمنية".

في صحراء قاحلة بعيدة عن الحياة الحضرية، فُتِح? إحدى عشر مركزا أمنيا خصيصا للمنتسبين لجبهة الإنقاذ والمتعاطفين معها. ضمت هذه المراكز عشرات الآلاف من الجزائريين الذين تتراوح أعمارهم من17  سنة إلى65  سنة، وتراوحت مدة الاحتجاز من 6أشهر إلى 4سنوات. وكان الاعتقال يجري دون مذكرات توقيف ودون توجيه تهم ودون محاكمات قضائية ولا أحكام بالسجن. كانت حقا سلسلة اعتقالات عشوائية يندى لها جبين جزائر العزة والكرامة، جزائر الاستقلال.

بعد 5 أيام من إيقاف المسار الانتخابي، حط رجل الثورة محمد بوضياف الرحال في الجزائر العاصمة بتاريخ 16جانفي1992 بدعوى من الانقلابيين ليترأس المجلس الأعلى للدولة. عاد المجاهد الكبير من المغرب مُلبِيا نداء حبيبته الجزائر. عاد لينقذ الوطن فضيع حياته. أيام بعد وصوله، مرر إليه جنرالات "حماية الجمهورية" ورقة ليوقعها بحجة حماية البلاد من الظلاميين. فوقع الشهيد بوضياف قرار فتح معسكرات الصحراء بعد أن صوروا له الأمر على انه ضرورة لإنقاذ الجزائر.

في 9فيفري1992، تم الإعلان عن حالة الطوارئ والتي انتهى بموجبها العمل على ضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، وأصبح الشعب أسيرا لقبضة السلاح والموت. في اليوم ذاته، فُتِح?تْ محتشدات الصحراء.

في شهادته لقناة الجزيرة، تحدث العقيد الأسبق محمد سمراوي عن معايير الاعتقال و أوضح أن جهاز المخابرات -الذي كان ينضوي تحت لواءه- أقر خطة لإيقاف العناصر الخطيرة للفيس المتمثلة في مكتب مجلس الشورى، رؤساء البلديات، الناجحين في الدور الأول والمترشحين للدور الثاني للتشريعيات. و حدد عدد الكوادر التي تم الاتفاق على اعتقالها بـ1100 فردا بالنسبة للجزائر العاصمة.

لكن في واقع الحال، وصل عدد الذين تم حشدهم في مراكز الصحراء إلى أزيد من 18000معتقل. ورغم أن قانون العقوبات الجزائري يخول حجز المشتبه في ضلوعه بأفعال تخريبية وإرهابية تحفظيا لمدة 12يوما، إلا انه منذ 9فيفري1992 شرع في ترحيل المعتقلين دون تحقيقات ولا محاكمات إلى أقصى الصحراء الجزائرية في ما عرف بمثلث الموت (رقان- عين أمقل- وادي الناموس) وتجميعهم في ظروف اعتقال غير إنسانية في منطقة أشبه بالفرن نهارا بدرجة حرارة تفوق °50 وثلاجة ليلا بدرجة برودة 5 تحت الصفر. وقد سبق استغلال مثلث الموت هذا من قبل قوات الاحتلال الفرنسي لاحتجاز المشتبهين أثناء حرب التحرير، وأيضا للقيام بتجارب نووية وكيميائية وبكتريولوجية. هذه الرحلة الجهنمية إلى أقاصي الصحراء تسببت في إصابة العديد من المعتقلين بأمراض مزمنة وقادت آخرين إلى الجنون، عندما لا يكون الموت مصيرهم.

في ظل صمت السلطة المطبق و إسقاطها نهائيا لملف ضحايا معسكرات الصحراء، نفى المتحدث دائما –الجنرال خالد نزار- علمه بهذا الموضوع حين وجهت النائبة العامة السويسرية له سؤالا حول رمي آلاف الجزائريين في صحراء قاحلة. وتحدث –في المقابل- عن "معسكرات إبعاد" جرى إنشاؤها منذ 1991 -أي قبل بدء الأحداث- بموجب قانون الطوارئ، حيث أن الشرطة كانت تعتقل المشاغبين والمشاركين في الاحتجاجات ثم تقدمهم للعدالة. وبعد الحكم عليهم، لم تكن مراكز الشرطة تحوي أماكن ومساحات كافية لهم، لذا جرى تسليمهم للجيش الذي حرص على حراستهم وتأمين حاجياتهم. وكانت هذه المراكز في الصحراء –يواصل الجنرال- تدار من طرف سلك العدالة، كما أدل بأن المعتقلين كانوا يقضون يومهم في تأدية صلواتهم والقيام بفرائضهم، وحتى أنهم قاموا بإضراب.

و نفى الجنرال أن تكون قوات الأمن قد قامت باستجوابهم أثناء تواجدهم في تلك المعسكرات التي صورها على أنها كانت أشبه بمخيمات صيفية للاستجمام والتأمل وحتى التعبد. كما دفع الادعاء بحدوث تجاوزات في المعسكرات وأكد أن أولئك الأشخاص حدث استبعادهم فقط لقيامهم بالتظاهر.

سبحان الله! و داوها بالتي كانت هي الداء. فسنة 2011 جاؤوا بنزار كضيف شرف على هيئة بن صالح للاصطلاحات السياسية، ومنها السماح بحق التظاهر!

رغم مرور20 سنة، إلا أن مصيبة المعتقلين السابقين لم تنته بعد وعلى كافة الأصعدة صحيا ومعنويا وماديا. فالكثير من السجناء مصابون بالسرطان نتيجة تعرضهم للمواد الكيميائية والنشاط الإشعاعي لفترة طويلة من الزمن، وقد سجلت وفاة بعض نزلاء محتشد عين أمقل بتمنراست بسرطان الكبد. إضافة إلى أن ميثاق السلم والمصالحة -الذي صفح عن كل المتورطين- لم ينصف نزلاء الصحراء ولم يصنفهم ضمن أية فئة من فئات ضحايا المأساة الوطنية. وبذلك يصعب حصولهم على تعويضات لأنهم اعتقلوا دون مذكرات توقيف ولم يحاكموا، كما لا توجد متابعات قضائية ضدهم ولا وثائق في مراكز الأمن تثبت أنهم كانوا في معسكرات الصحراء. أي أن الفترة التي قضوها في الجنوب تعتبر فترة غير محسوبة من أعمارهم ولا دليل عليها.

إن الظلم الذي وقع على هذه الفئة من الشعب مضاعف، ففضلا عن عزلهم في الخلاء طردوا من مقاعد الدراسة و فصلوا من وظائفهم. وبعد عودتهم إلى الحياة البشرية، اصطدموا برفض إدماجهم من جديد وحرمانهم من حقوق المواطنة رغم خلو صحيفة سوابقهم العدلية من أحكام قضائية متعلقة بفترة سجنهم في الصحراء.

 

بقلم: إيناس نجلاوي –خنشلة

أستاذة بجامعة تبسة_ الجزائر

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2028 الاحد 12 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم