أقلام حرة

(الربيع العربي) بين (الروس) العرب والعرب (الأمريكان) / حميد الحريزي

فعمت الفورة أحياء تونس جميعا وأدت إلى هروب بن علي طائرا إلى الملجأ الأمن لقادة هذه الأنظمة في العربية السعودية .. امتدت رياح الفورة إلى مصر واليمن والبحرين وليبيا وسوريا، ولا زالت تعتمل روح التمرد والثورة بين صفوف الجماهير العربية المظلومة والمهمشة التي استفاقت على حين غرة بعد طول سبات وسكات على فضائع وجرائم أنظمة حاكمة تمادت كثيرا في الظلم والقهر والفساد...

الكل يعرف إن اغلب إن لم نقل كل هذه الأنظمة أتت إلى سدة الحكم بقوة السلاح وبالدعم المباشر وغير المباشر من قوى أجنبية ارتأت مساندة هؤلاء الحكام حرصا على مصالحها الداخلية والخارجية من كافة الأوجه السياسية والاقتصادية والعسكرية فكانت المرحلة الأولى الصراع حامي الوطيس ببين الكتلة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي والكتلة الرأسمالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.....

هذا الصراع افرز العديد من الحكومات العربية المصنع اغلبها خارجيا رغم ارتداءه رداء القومية أو الاشتراكية وبمختلف ألوانها وإشكالها....كانت هذه الأنظمة تعيش على هامش تناقضان المعسكرين في صراعهما المحتدم من اجل الهيمنة والسيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية... وان هذه الأنظمة عاشت على وهم إنها الأكثر ذكاءا من أسيادها وإنها ستجبرها على دوام الالتزام بوجودها وسيطرتها على سدة الحكم بالرغم من إرادة شعوبها في مختلف الظروف.....

 كان هناك تقسيم معروف للعالم بعد الحرب العالمية الثانية .... هذا التقسيم الذي فقد موجبات وجوده بعد انهيار المعسكر الشرقي بقياد الاتحاد السوفيتي، وبروز القطب الواحد تحت يافطة الحرية والديمقراطية ومحاربة الأنظمة الشمولية ... انهارت قاعدة الارتكاز الأساسية لهذه الأنظمة ... وبدت رياح التغيير في ظل التحولات العالمية الكبرى في الاتصال والتواصل تفتح نوافذ غرف الظلم والظلام في بلداننا التي بلغت درجت عفونتها وطغيانها وفسادها حدا لا يطاق .... وهكذا أصبح قرار تغير هذه الأنظمة لا يختلف عليه اثنان وخصوصا من قبل شباب هذه الشعوب... ولكن المختلف عليه هو طبيعة هذا التغيير ولمصلحة منّ؟؟؟؟!!!

وهنا لابد للعقل الأكبر واللاعب الأقدر في العالم الآن أن يضمن ويوجه هذا التغيير الوجهة التي لا تقضي على مصالحه الآنية والإستراتيجية المستقبلية ولكن وفق اللعبة الديمقراطية المسيطر عليها كونيا... خصوصا وانه يعيش أزمة بنوبة خانقة منسجمة مع طبيعيته الطبقية الاستغلالية والاحتكارية والاقصائية في مرحلتها الرأسمالية المعولمة المسلحة أعلى مراحل الامبريالية.....

هذا العقل الأكبر يدرك تماما إن عدوه الأساسي هو القوى الوطنية الديمقراطية ذات التوجه اليساري بمختلف أطيافه وأشكاله لأنها تمثل مصالح شغيلة اليد والفكر أي مصالح الأغلبية الشعبية التي ترى مصالحها في الديمقراطية الحقيقة والحفاظ على الثروة الوطنية وضمان العدالة الاجتماعية وهذا لا يتفق مع مصالح ومطامح قوى الرأسمال المعولم المتوحش والمسلح ... وبذلك بدأت تتكون وتتطور نواتات اليسار الجديد المجدد ففي هذه البلدان بعد ان تخلصت من وصاية وهيمنة الرفيق الأكبر ضمن مراجعة موضوعية وعلمية وعملية وفق منهج جدلي ديالكتيكي مسترشدا بالفكر الماركسي المتجدد والمتطور مستندا إلى قاعدة لاثابت غير المتغير ... فقوى الرأسمال المسلح أدركت تماما إن هذا الجنين إن كتب له البقاء والصحة والولادة الطبيعية من رحم الحراك الاجتماعي الدائر في هذه البلدان فانه سيعصف بالصالح الاستغلالية لها... منتهجا طريق الحفاظ ورعاية مصالح أوطانه وشعوبه وجماهيره المقهورة حريصا على ثرواته وتقدمه في طريق الحرية والديمقراطية والتحرر الاقتصادي والتعامل وفق مبادئ المنافع المتبادلة والمتكافئة بين الشعوب...مما يسبب في إلحاق الضرر البالغ إن لم نقل قطع الشريان الرئيس الذي يمد أنظمة الاستغلال الامبريالي بالديمومة والبقاء والهيمنة على مقدرات الشعوب وسلبها ثرواتها.......

وبذلك ارتأى هذا العقل الكوني إن يعمل على :-

أولا:- التسريع في انفجار الحراك الاجتماعي الساخط على أنظمته قبل اكتمال نضوج قيادته وتوجهاتها واكتمال وسائله وبدائله للأنظمة القائمة... لينتهج نهج الفوضى وعدم وضوح الأهداف... وبذلك تستطيع إن تقطع الطريق أمام القوى اليسارية والديمقراطية الوطنية من توحيد صفوفها واكتمال استعداداتها لحمل راية الكفاح الوطني والطبقي للتخلص م الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة المستبدة وعدم الخضوع أو التبعية لكل أشكال الاستغلال والاحتلال الخارجي الأجنبي.......

ثانيا:- ارتأت إن ترتكز على التيار الاسلاموي نتاج عقود التخلف والقهر والاستبداد للأنظمة السابقة ليكون هو حامل لواء التغيير في مرحلة الفوضى (الخلاقة) باعتباره عدوا شكليا مرحليا لمصالحها من السهولة بمكان ترويضه وتدحينه ليخدم مصالحها بناءا على طبعيته المنبثقة من طبيعته الطبقية باعتباره يمثل بقايا الإقطاع والبرجوازية الطفيلية وحثالة الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى والذي اصطلحنا عليه ب (القطوازية).... وهو الحليف المضمون والمجرب في صراعها ضد قوى اليسار والشيوعية في هذه البلدان وخصوصا أثناء الحرب الباردة وما بعدها... ولنا في التاريخ شواهد كثيرة في هذا المجال....

لا نريد بقولنا هذا أن نبسط وان نسطح أو نستند على مقولة المؤامرة لادلجة طبيعة الحراك الاجتماعي الجاري في بلدان (الربيع))العربي الراهن...ولكننا نرى إن أي تفسير أو تعريف للظاهرة الحاضرة دون الاعتماد على الفرز والوصف الطبقي لا يمكن أن يكون أكثر من توصيف مضلل يفقدنا القدرة على التحليل والكشف عن جوهر ها الوطني والطبقي وآفاق تطورها وتوجهاتها.....

هذا الفرز والتفسير يوضح لنا الأسباب الكامنة وراء تهالك الأنظمة العربية حليفة الرأسمال العالمي على طلب التدخل العسكري الأمريكي خصوصا والغربي عموما لحسم الصراع الدائر بين الجماهير الفائرة التي تطالب بالتغيير المشروع للأنظمة دون أن تمتلك رؤية واضحة للتغيير وتمتلك قيادة واضحة المعالم والبنى الفكرية والسياسية مهيمنة عليا الديماغوجية الاسلاموية بقيادة (القطوازية) وبين أنظمة (حائرة) خائرة فوتت على نفسها وعلى شعوبها فرصة التغيير الديمقراطي السلمي من اجل بناء الدول المبنية على المؤسسات الديمقراطية والمستمد ة شرعيتها من انتخابات ديمقراطية نزيهة حرة يضبطها دستور دائم يضمن حرية التفكير والتعبير ويصون كرامة الإنسان بغض النظر عن الجنس والقومية والدين والعرق... نتيجة لنهجها القمعي الاستبدادي البوليسي وتمسكها بكرسي الحكم بقوة القمع والبطش.....

فيظل يافطة الديمقراطية والشرعية الدولية واحترام حقوق الإنسان الذي نادت به القوى الرأسمالية الكبرى في العالم، يتطلب أمر الاستيلاء على السلطة قرارا دوليا م مجلس الأمن يشرعن التدخل الدولي المسلح للانتصار لقيم (الحرية والديمقراطية) واستبدال الأنظمة الحاكمة وتهيئة كراسي الحكم للطبقة السياسية الجديدة لتحكم البلاد، ولا نظن أن أي عاقل بحاجة لأي دليل ليقول إن هذه الفئة الجديدة الحاكمة ستكون منقادة ومنفذة لإرادة ومصالح أولياء نعمتها من القوى الدولية المشاركة في التدخل ألاحتلالي المسلح وإسقاطها الأنظمة السابقة.... وهذا إن حدث فسيبتلع كل مبررات الثورة الجماهيرية للتخلص من (المحتل) والمستبد الوطني واستبداله بالمحتل والمستبد والمستغل لاجتبي عبر التدخل العسكري..... أي الهروب من المسعور الوطني واللجوء للمسعور والمستغل الأجنبي ... وبالتالي تظل الشعوب تحت رحمة قوى الاستغلال والقهر بأشكال وألوان وأسماء مختلفة ولكنها من جوهر واحد وهذا ما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا وما يراد له إن يحدث في دول شعوب الممانعة في تونس ومصر وسوريا .... وبدرجات متفاوتة تبعا لطبيعة التركيبة الطبقية لهذه المجتمعات ودرجة وعيها وطبيعة قواها السياسية الفاعلة ودرجة وقوة ومدى التدخل الإقليمي والدولي في التدخل في شؤونها الداخلية.......

وهنا أدركت روسيا والصين وخصوصا بعد ما حدث في ليبيا والتهامها من قبل القوى الغربية أمريكا وحلفائها وتمكين (القطوازية) المأسلمة من التحكم في مقاديرها واستمرار نزيف الدم والكوارث في هذه الدول ... إن لعبة التغيير الديمقراطي لا يمكن أن تستمر لتغطي حقيقة القهر والنهب ونزعة السيطرة المسلحة على مقدرات الشعوب م قبل أمريكا وحلفائها تحت ستار الشرعية الدولية فقررت الوقوف بحزم ضد هذا المسعى في مجلس الأمن حد استخدام حق الفيتو لمنع استصدار مثل هذه القرارات الخطيرة والوقوف بوجه النهج المتوحش لأمريكا وحلفائها في حلف الأطلسي وخدامها من (القطوازية) المأسلمة التي باعت كل ادعاءاتها الوطنية وكرامة شعوبها مقابل كراسي الحكم في بلدانها.... وبذلك أصبح الفرز واضحا بين الروس والصينيين المدافعين عن مصالح الشعوب العربية وحماية ثرواتها واستقلالها الوطني وبين الأمريكان العرب متمثلين بالقوى النافذة في الجامعة العربية المتخادمين مع مصالح الامبريالية العالمية وحلفائها تحت ذريعة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وهي البعيدة كل البعد عن هذه المفاهيم والممارسات في تعاملها مع مطالب شعوبها بالحرية والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والحكم المدني كما هو في السعودية أو قطر وغيرها من قوى التخلف والاستبداد والطغيان... فإذا كان نظام الأسد أو مبارك أو بن علي يمتلك حيزا ولو ضيقا من الحرية والديمقراطية فان أدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان أمثال آل سعود وآل نهيان وإضرابهما لا تتوفر في بلدانهم أي معلم من معالم الحرية والديمقراطية حتى في صيغها المزيفة.....

في الختام لا نرى الحاجة لتوضيح إننا مع التغيير الجذري والعاجل لكل الوجوه المستهلكة والمستبدة المتربعة على كراسي الحكم في البلدان العربية ولكن يجب إن يحدث هذا على أيدي وبقدرات قواها الوطنية والدعم النزيه المخلص من كل قوى الديمقراطية والسلام في العالم بعيدا عن التدخل العسكري المباشر مهما كانت مبرراته وأهدافه ... لأنه في النهاية لا يصب في مصلحة الشعوب وحريتها وسيادة أوطانها....


 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2030 الثلاثاء 14 / 02 / 2012)


في المثقف اليوم